هل أصنع لك كوب شاي؟
- لا
- قهوة؟
- لا
- حليب ساخن؟
- لا
- ماذا تريد إذن؟
- أريدك أن تصمتي وتجلسي فقط.
لم يفاجئها كثيرا بهذه العبارة التي تعوّدت على مثلها سابقا. تصنعت عدم الاكتراث للإهانة، كما العادة، وجلست متقنعة بابتسامة تريد منها أنْ تخفي كلّ ما تعانيه. بعد أن تأكّدت من أنّ ملامح وجهها تدلّ على أنها مسرورة جدا قالت «إيه، حدّثني عن حفل اليوم، كيف كان معك، كيف كان شعورك وأنت تستلم الجائزة؟».
«أحضري لي كأس ماء بارد» قالها وهو يتأمّل في الشهادة التي أعطيت له. ذهبتْ للمطبخ، فتحت الثلاجة الفارغة إلاّ من الماء، وتأكدت من أنّ برودة الماء مناسبة لكي لا تنالها إهانة أخرى. ناولته كأس الماء.
«لماذا الماء بارد أكثر من اللازم؟» وهو مازال يحملق في الشهادة.
ردّت عليه بصوت خافت ومتردد وقبل أنْ توشك أن لا تقول قالت: «أشياء كثيرة في البيت باردة أكثر من اللازم»
نظر إليها بشيء من الغضب «ماذا تقصدين؟».
ردّت بشيء من الرهبة - يتناسب مع شيئه من الغضب - «أقصد هل تريد أن أضيف إليه بعض الماء الدافئ؟»
لم يجبها. أشاح بوجهه عنها وراح يتأمّل من جديد في الشهادة والجائزة التي حصل عليها في حفل اليوم. بقيت واقفة، لا تدري إنْ كان يريد بعض ماء دافئ أم لا، لا تدري إنْ كان يريدها أنْ تجلس أم لا، لا تدري إنْ كان يريدها أنْ تصمت أم تعيد السؤال مرة ثانية. كثيرة هي الأشياء التي لا تدري ما الذي يريدها منها. حين تحتار تقف في مكانها دون حراك، تنتظر منه كلمة أو نظرة أو حتى أدنى حركة قد توحي برضاه أو غضبه. لا يهم إن كانت هذه الحركة عفوية أم لا، أهم شيء أنها تنهي حالة الحيرة التي هي فيها.
حين رأته ابتسم وهو يقرأ الشهادة للمرة العاشرة تقريبا منذ دخوله البيت قبل خمس دقائق فقط شعرتْ أنها في مأمن إنْ جلست. جلستْ وأعادت رسم الابتسامة من جديد على محياها وابتلعت، كما العادة، ما تعانيه.
«أضيفي عليه بعض الثلج».
«تحت أمرك»
«بسرعة»
ذهبت مسرعة وجلبت له ما يريد. دائما تسرع لتحقيق «ما يريد». هناك علاقة وطيدة بين «السرعة» وبين «ما يريد». تعلّمت ذلك منه، فهو سريع الغضب، سريع الخروج من البيت، سريع الإهانة لها. إنْ لم تكن سريعة في تحقيق «ما يريد» فسيكون سريعا في عقابها. في المقابل، فهو «بطئ» في تحقيق «ما تريد» هي. كم مرة طلبت منه ألا «يسرع» في الخلود إلى النوم حتى يمكن أنْ تحادثه بخصوص ما تعانيه منه. طلبت منه ذات مساء أنْ «يبطئ» من سرعة غضبه، من سرعة عقابه لها، من سرعة إهانته لها. كم مرة؟
«كانت القاعة مليئة بالحضور» وأخيرا بدأ يسرد ما حصل في حفل اليوم «المسئولون في المقدمة والآخرون خلفهم» كم تتعب وهي تتصنع الابتسامة «الصحافيون والمصورون يملأون المكان، الكل بانتظار اسم الفائز بالجائزة، كان الواحد يهمس في أذن جاره عن اسم من يتوقع أنْ يكون صاحب الجائزة، ولكني كنت أشعر من نظرات البعض وابتساماتهم أنني أنا الذي سأكون صاحب هذا الشرف. وقد صدقت توقعاتهم».
«هل تريد المزيد من الماء أيضا؟»
«كنت مقتنعا بقدراتي، كنت أشعر بأنني الشخص الذي يستحق الجائزة» دائما يمدح نفسه «لما سمعته من ثناء من قبل المسئولين قبل بدء الحفل. حين حان إعلان اسم الفائز، كان الحضور في حال ترقب ممتع، وفجأة ذكر مدير الحفل اسمي. صفق الناس بحرارة وخصوصا المسئولين، صفقوا بحرارة» بدأت تتعب من كثرة ما تصنعت الابتسامة وخصوصا حين «صفقوا بحرارة» حيث يجب أن تكون ابتسامتها أكبر «صفقوا بشكل هستيري، كاد البعض منهم أنْ يقف ولكنهم كانوا تعبين من كثرة التصفيق فلم يستطيعوا» ودائما يضيف لبطولاته شيئا مزعوما من الإثارة « بدت القاعة وكأنها في عرس وطني بهيج» ما شاء الله «الناس تضحك وتصفق، والكاميرات كادت تعمي عيون الحضور من كثرة الصور التي التقطوها وخصوصا حين تسلمت الجائزة، كم كان الحفل بديعا».
«إنه حفل جميل حقا؟ ماذا مكتوب في الشهادة؟»
«مكتوب فيها إنني موظف الشهر المثالي؟ هل تعرفينَ ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أنني أفضل موظف في عملي من جهة القيام بمسئولياتي على أكمل وجه. يُضاف إلى ذلك أنني أتعامل بأخلاق عالية مع المسئولين بالخصوص والموظفين بشكل عام» بدأت تخفف من ابتسامتها قليلا «الحمد لله، نحن مسلمون، والإسلام يحثنا على احترام الآخرينَ والتعامل معهم بكلّ سمو أخلاق» صارت تشعر أنها لم تعد مبتسمة الآنَ «الإسلام يا زوجتي عظيم، يجعلك مميزا في الدنيا بأخلاقك ويثيبك على ذلك في الآخرة أيضا، كم هي رائعة الأخلاق الإسلامية» كادت أنْ تنفجر ولكنها أمسكت نفسها جيدا. وحين شعرت أنها ستنفجر لا محالة حاولت أنْ تغير الموضوع «ما الجائزة التي أعطوك إيّاها؟»
«هذا الشيء الذي لم يعجبني. لا أدري من الذي اختار الجائزة. أعطوني كتابا لم يرق لي عنوانه»
«ما عنوانه؟»
«كيف تكون زوجا مثاليا».
العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ