العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ

المتاحف سلاح للحفاظ على الهوية «المادية» في عصر العولمة

مدير متحف الأرميتاج الوطني الروسي في لقاء مع «الوسط»:

لا شك أنّ القيصرة الروسية الشهيرة كاترين الثانية التي كتبت في وقت ما، من منتصف القرن الثامن عشر في إحدى رسائلها للبارون «غريم» لتقول «كلّ هذا لا يتمتع برؤيته أحد إلاّ الفئران وأنا...»، لم تكن تعرف أنها كانت تتحدّث عن متحف سيكون أحد أكبر وأضخم المتاحف في العالم.

إنه الأرميتاج... «المكان حيث ينفرد الإنسان فيه بنفسه» كما تعني اللفظة بالروسية. لكنه لم يعد كذلك منذ أواسط القرن التاسع عشر، فقد فتحت أبوابه أخيرا، بعد سنوات كان الاستمتاع بكلّ ما فيه من نفائس وتحف ولوحات حكرا على الإمبراطورة وعدد قليل من حاشيتها إلى جانب «الفئران» كما قالت هي بنفسها في رسالتها تلك.

أصبح «الأرميتاج» مقصدا للتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب، ولم يعد حكرا على طبقة بعينها أو فرد بعينه، لكنه مع كل ذلك احتفظ باسمه أصيلا «الأرميتاج»... المكان الذي يختلي فيه الإنسان بنفسه... وكأنما ليؤكّد حفاظه على كل ما هو تقليدي قديم... وأثري... وقيم.

هكذا يراه زوّار المتحف، وهكذا يراه مديره ميخائيل بيوتروفسكي، الذي جاء البحرين في زيارة قصيرة الأسبوع الماضي ضمن الوفد الروسي ليشارك في منتدى البحرين الأوّل لحوار الحضارات.

«الوسط» التقت بيوتروفسكي على هامش المنتدى؛ ليتحدث في هذا اللقاء عن تمسك الأرميتاج بهوية القرن التاسع عشر، وعن التحديات التي تواجه الشعوب في عصر العولمة، وكيف يمكن أنْ تساهم المتاحف في تقريب الشعوب من هويتها الأصلية وجذورها.

* كيف تقيّم نظام المتاحف في البحرين وفي المنطقة بالمقارنة مع الأرميتاج؟

- تعرفت بشكل جيّد على تاريخ منطقة الخليج العربي الحضاري، كما عملت لسنوات في اليمن وصار لديّ اطلاع شامل على تاريخ تطوّر المتاحف فيها وفي عدد لا بأس به من دول الخليج العربي . وقد زرت كلا من متحف البحرين الوطني وبيت القرآن وبهرت بما شاهدته. فالمتحف الوطني متميز فعلا سواء بمحتوياته أو بنظام العرض وخصوصا فيما يتعلق بالقبور الدلمونية. ناهيك عن نظم العرض المتميزة والمتقدّمة جدا للصور والوثائق الإسلامية في بيت القرآن، ويمكنني أنْ أعتبرهما من أفضل المتاحف في العالم.

يختلف نظام العرض في الأرميتاج كثيرا إذ أنه يتميز بشموليته لجميع الحضارات فيما يعرضه وعدم اقتصاره على حضارة واحدة. ولذلك يختلف نظامه عن أنظمة المتاحف الأخرى. فجزء كبير من متحف الأرميتاج لايزال موجودا في القصر القديم إذ نحاول باستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التكييف أنْ نحافظ على نمطه الذي يعود إلى القرن التاسع عشر.

* وماذا عن بيت القرآن؟

- المجموعة المعروضة في بيت القرآن رائعة، وطريقة عرضها أروع. كان من الواضح لديّ بأن التقنيات المستخدمة في تقديم المخطوطات وعرضها متميّزة جدا، فهي معروضة في إضاءة خافتة لتحميها من التلف، ولا شك بأنه أمر يحتاج إلى الكثير من المراقبة والمتابعة لحماية تلك المخطوطات، ولذلك أعتقد بأنه يعتبر بلاشك أحد أهم متاحف التراث الإسلامي.

* هل ستسفر زيارتك لمتحف البحرين الوطني عن أيّ من اتفاقيات تعاون بين البلدين في هذا المجال؟

- مجالات التعاون لاتزال غير مطروحة، إذ لم يتسن لي لقاء المسئولين الكبار في المتحف، كما أنني أعتقد أنّ إيجاد سبل للتعاون بين المتحفين يحتاج إلى نقاش مطوّل وكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى بحث.

* ماذا عن مشروع «القرآن الذهبي» الذي تم الإعلان عن إنتاجه من خلال متحف الأرميتاج؟

- هو مشروع روسي بحت، وهو نتاج لدراسة عدد من المخطوطات القرآنية القديمة التي وصلتْ إلى آسيا الوسطى عن طريقين انتهى أحدهما في سان بطرسبرغ، والآخر في طشقند. جاءت الفكرة لطباعة نسخ من القرآن الكريم بمخطوطه العثماني مذهبا، وقد طال النقاش بشأن ما إذا كان من المناسب أنْ نستخدم الذهب في إنتاجه، لكننا توصلنا في النهاية إلى اعتماد استخدام الذهب على اعتبار أنّ القرآن المذهب كان مستخدما في عصور قديمة... يقوم المشروع على طباعة أحد أولى المخطوطات التي أنتجت للقرآن العثماني، وقد بدأناه منذ أربع أو خمس سنوات، وهو جاهز حاليا ومتوافر لمن يرغب في اقتنائه. غير أنه غالي الثمن على اعتبار أنه مصنوع من الذهب الخالص، وقد وفرناه في عدد من المعارض في روسيا كما قدّمناه هدية للبرلمان الروسي.

* برأيك ما هو الدور الذي يمكن أنْ تلعبه المتاحف في عصر «العولمة» للحفاظ على الهوية؟

- للمتاحف دور كبير وهائل في حفظ التراث عن طريق الأثر المادي الملموس، ولاشك أنّ الاهتمام بهذا الأثر المادي وتطوير طرق عرضه سيعود بالنفع على تطوير الوعي النفسي للناس واقترابهم من هويتهم الأصلية». وفيما يشير بيوتروفسكي إلى أن اختلاف الحضارات وتنوعها في النظام العالمي أمر جميل، يتطلب بالضرورة الحوار بين هذه الحضارات، أوضح بأن الندوات التي تعقد من أجل هذا النوع من الحوارات تؤدي إلى بذل المزيد من فهم بعضنا للآخر، عبر بذل المزيد من الجهود للتعرف على اختلافات بعضنا مع الآخر... العولمة والتبادل بين الحضارات أمر قديم وليس حديثا، فكثيرا ما حصل التبادل بين الصين وأوروبا عبر الأندلس، والمجموعات المعروضة في متحف الأرميتاج عن الفن الإسلامي شاهد على ذلك، لذلك لا يمكن اعتبار تبادل الإنتاج الثقافي جديدا على العالم».

العدد 1980 - الأربعاء 06 فبراير 2008م الموافق 28 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً