العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ

حيث الحرية نسبية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عندما فتحت لي الباب ورحبت بي في منزلها صباح يوم مثلج في طهران، بدت لي ك. (لا يمكن البوح باسمها للحفاظ على شخصيتها)، الأم البالغة 33 عاما رؤية غير متوقعة. المرأة السمراء تتكلم الإنجليزية بطلاقة وبلهجة أميركية أدهشتني. كانت تلبس بنطالا قصيرا وبلوزة تلتصق بجسدها، وظهرت بشرتها المكشوفة وقصَّة شعرها مثل الأولاد. في ذلك اليوم تحدثت ك. معي، أمام الكاميرا لمدة ثلاث ساعات متواصلة. تكلمت بحرية ومن دون تردد، في أكثر المقابلات صراحة وشجاعة وتحديا كنت آمل بها كصحافية في إيران.

«كلا، لست خائفة»، قالت لي في النهاية، بينما كنت أستخدم آخر شريط تسجيل لدي. «تلك هي أفكاري، وليس هناك شيء قلته لا أتحمل نتائجه، لأنني في الحقيقة سعيدة جدا لأنني أخبرتك عن نفسي».

لم يكن لدي سوى أسبوعين في إيران. سافرت هناك وحدي مستخدمة جواز سفري الإيطالي، آملة أن أتمكن من تصوير الجزء الثاني من برنامجي الوثائقي «يسمونني مسلمة»، وهو مشروع بدأته زميلة في برنامج فولبرايت بكلية الدراسات العليا في الصحافة بجامعة بيركلي.

ولكن تصوير فيلم سينمائي في إيران أمر غاية في الصعوبة، وخصوصا بالنسبة إلى امرأة. اضطررت أن ألبس الحجاب وأن أبقى غير ظاهرة بشكل واضح وأنا أصور مقاطع الفيلم.

يشكل التصوير في محطات قطارات الأنفاق وفي الشوارع وفي الحفلات الليلية الممنوعة مخاطرة كبيرة، لأن دوريات الشرطة الإيرانية تجوب الشوارع وتراقب النساء عن كثب لفرض أسلوب اللباس المحافظ.

والواقع أن أصعب الأمور كان الوصول إلى مقصدي: إيجاد نساء على استعداد لسرد قصصهن أمامي.

قبل مغادرتي إلى إيران، كنت أعددت ترتيبات لعدد من المقابلات من خلال إيرانيات أميركيات في كاليفورنيا، ولكن عندما وصلت إيران، اعترى الخوف الشخصية الرئيسية التي كنت سأقابلها من أجل المشاركة في المشروع، لذلك بدأت بإجراء مقابلات خاصة مع نساء أخريات، محاميات وصانعات أفلام سينمائية وصحافيات وصاحبات مدونات (بلوغرز) ومصورات فوتوغرافيات، وأخيرا ك.، امرأة تؤمن بأن بإمكان البرامج الوثائقية أن تنتقل إلى ما وراء الصور النمطية وأن تعطي العالم الغربي صورة دقيقة للنساء الإيرانيات.

ولكن إيران كانت نصف القصة فقط

«يسمونني مسلمة» هي قصة امرأتين تكافحان من أجل حريتهما الفردية. إحداهما تريد لبس الحجاب بينما تريد الأخرى أن تخلعه. تشعر سماح، الفتاة المسلمة في باريس، بأنها عارية من دون حجابها، إلا أنها مُنعِت من لبسه في غرفة الصف. من ناحية أخرى، ترفض ك. لبس الحجاب لو لم يكن ذلك مفروضا عليها من قبل النظام.قمت بتصوير الشريط بين ديسمبر/ كانون الأول 2004 ويناير/ كانون الثاني 2005.

كانت فكرة المشروع برزت في مخيلتي قبل ذلك بسنة عندما سنّت فرنسا قانونا خلافيا يحرِّم الرموز الدينية، بما فيها الحجاب، في المدارس العامة. لم يثر القانون سوى اهتمام محدود في الولايات المتحدة، ولكنه أثار جدلا ملتهبا في فرنسا. بدأت أتخيل المأزق الذي تمر به الفتيات المسلمات وهن يواجهن خيارا مثيرا بين إيمانهن الديني والتعليم.

أثار ما يحصل في فرنسا اهتمامي الشديد، كوني أقمت في باريس عندما كنت مراهقة. كان لقانون الرموز الدينية أثر على نحو 800 فتاة مسلمة، حتى أنه جرى طرد قلة منهن رفضن خلع الحجاب، من مدارسهن.

من سخرية التناقضات أن يحدث أمر كهذا في فرنسا، إحدى نماذج الديمقراطية الحقة في الغرب، وأن تقوم دولة متجذرة بعمق في مبادئ الثورة «الحرية والمساواة والأخوَّة» بطرد فتيات من المدارس العامة لأنهن يمارسن «الحرية» في قضية شخصية. يبدو أن فرنسا تحرم شعبها من واحد من المبادئ الأساسية التي تشكل أركان الديمقراطية.

أردت من خلال الشريط الوثائقي أن أبحث في حرية الاختيار في الثقافتين الشرقية والغربية، على رغم أن أيا منهما، بالطبع، لا تشكل رمزا أحاديا، أردت إعطاء صوت لأقلية تحارب ضد قوانين التفرقة. في فرنسا، كان ينظر إلى الفتيات اللواتي أردن لبس الحجاب على أنهن متمردات، ولكن في إيران، المتمردات هن الفتيات اللواتي يتجرأن على المشي في الشوارع وهن يلبسن حُجُبا صغيرة جدا وشفافة تنزلق بسهولة عن رؤوسهن. أردت من هؤلاء النساء أن يتحدثن عن أنفسهن.

الرسالة في نهاية المطاف، إذا كانت هناك رسالة فعلا، هي الحاجة إلى أن تتمتع النساء بحرية الاختيار، وأن يجدن أصواتا خاصة بهن، وأن يقمن بإجراء حوار مع بعضهن بعضا من أجل تفاهم أفضل.

بعد مشاهدة الشريط، أعربت كل من سماح وك. عن احترام كل منهما لوضع الأخرى. وعلى رغم أن سماح لا تعتبر إيران نموذجا للإسلام، لأنه بحسب رأيها يجب عدم إرغام المرأة على لبس الحجاب، تشعر ك. أن العلمانية الفرنسية، كأساس للديمقراطية، يمكن تقديرها بصورة أفضل إذا عاش المرء في دولة مثل إيران. الواقع أنها ألمحت إلى رغبتها في الانتقال إلى فرنسا في يوم من الأيام.

* وهي من مدينة روما، مراسلة ومخرجة تعمل حاليا في واشنطن العاصمة في محطة «الجزيرة» الجديدة باللغة الإنجليزية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً