العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ

لسنا ممن ينادي: ماذا استفدنا؟ وماذا خسر الآخرون؟

إلى التي روت قصة عباس

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

عباس، اسم احتل في عالمنا مكانة شامخة، وفي قلوبنا جرحا لا يندمل أبدا، إنه رمز للعطاء والإباء والشجاعة والتضحية، ومن منا ينسى عباس؟

عباس الذي رفض أن يشرب الماء وهو في أمسِّ الحاجة إليه، لأن الأطفال عطشى، عباس الذي قطعت يداه حتى تخلد الثورة باسم الحسين (ع)، لم يكن عباس سوى رجل حبس نفسه في ذات الله، رفض عرض أمان الجيش الأموي قبيل المعركة، وأبى إلا أن يكون جنديا تحت راية الحق، حتى اثكل أما كانت تكنى بأم البنين.

بالأمس القريب قرأت ما سطرته إحدى الكاتبات عن عباس، أقول لها: إن مبادئنا التي استقيناها من ثورة الإمام الحسين لا تؤسس لثقافة ماذا استفدنا وماذا خسر الآخرون؟ فعاشوراء لا تمثِّل حالة دينية تقليدية، يبحث فيها الناس عن المأساة والألم بقدر ما تكون انطلاقا للبحث عن الثورة على الذات، وإرغام النفس على الطاعة والتضحية لأبعد الحدود ومن دون انتظار أي مقابل لكي تحيي الناس جمعيا.

فالإمام الحسين قبل أن يكون إماما كان قائدا وعالما اجتمع حوله من آمن بفكره، وأحبه حبا جما، فها هو زهير بن القين يقول للإمام ليلة العاشر “والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك”، وأما عابس بن شبيب الشاكري فوجد في المعركة متجردا من درعه وهو يطرد بين الجيش يدافع بجنون، حتى قال له أحد أصحابه: أجننت يا عابس؟ فقال: “إن حب الحسين أجنني”، هم عرفوا الحسين بالحق، وخرجوا معه وهم يعلمون أنهم لن يعودوا إلى أوطانهم مرة أخرى، فدخلوا حربا غير متكافئة فلم ينلهم منها سوى القتل والتشريد، ذلك لأنهم روا أن ذلك وجوبا لطاعة إمام مفروض الطاعة، في حين رأى آخرون ممن يحسبون في ميزان الخسارة والربح أن الحسين لم ينتصر. وتتساءلين يا سيدتي: لمن كان النصر في واقعة كربلاء؟ بل أحرى بالسؤال أن يكون: لم كان جيش الحسين لا يزيد على اثنين وسبعين بينما جيش يزيد يتعدى الآلاف؟ هم لا يجهلون الحق بل يعرفونه أشد المعرفة، ولكنها حسبة الدينار والمنصب وحياة الراحة والدعة، بينما في المقابل قتل الذات مرتين، مرة بالزهد والأخرى بالسيف. لقد قدم لنا الوطن نماذج نعتز ونفتخر بها في سبيل الحق ولم ينالوا شيئا، فها هو المناضل عبدالرحمن النعيمي قضى نصف عمره في غربة من أجل الوطن، ولما عاد كابد المر والشقاء والمرض، فما الذي استفاده؟ ومن قبله الكثير.

لا أتحدث من عاطفة، ولا ينبغي لأحاديثنا أن تكون منطلقا لذلك، لكن أخطر ما على الجيل أن نؤسس لثقافة تهدم كياننا كأمة تدافع عن الحق وتحيا وتموت من أجل حياة الإنسان وكرامته، فليس من العزة أن نقول “اتعظوا يا شباب وفكروا بما حرمتم على أنفسكم التفكير فيه” ونربط ذلك التفكير بالمعيشة، فهي حدود ضيقة وواقع نتلمس فيه الشبع والبحث عن المصلحة الشخصية، حينها نتلمس العذر لكل شاب للبحث عما يريده وليصل إلى ما يبتغيه بالطريقة التي يراها.

وأسألها: هل من الإنصاف أن أضع اللوم على من تسميهم محركي الشارع، إذ ينامون مستقرين في مخادعهم وكأنهم يسكنون القصور الفخمة ويركبون السيارات الفارهه بل لا يعانون من التضييق والتهميش وأنسى على من يقع عليهم اللوم والحساب، وهم في يدهم رفع الرواتب، والتوظيف، والإسكان، وموازنة الدولة، تلك والله قسمة ضيزى، وإن اختلفنا مع من تسميهم قادة الشارع في اختيار طريق التعبير والعمل السياسي فإن ذلك لا يعطينا الحق في اتهامهم بالشرذمة، إنهم وطنيون يتشاركون معنا خبز الوطن وحبه.

كلنا نتقاسم الهمَّ مع عباس ومن معه، فهو لم يخرج إلا من همته، وضيق حاله وانكسار طموحاته، فهل يخرج من امتلأ بطنه وقرَّت عينه؟ لم يكن عباس حينها فاقد الوعي والتفكير، ومن المؤلم أن نعاتبه ونلومه على ما مضى على أنه جريمة، ونصفه ورفاقه بالأضاحي (إلى متى تقدمون أنفسكم قرابين)، فعن أي أضاحٍ وقصابين تتحدثين؟ فلم تكن أحداث التسعينيات شغبا، بل هي أزمة لم تجد حلا سوى تلك الصرخات. لسنا ممن يدعو إلى الحرق والتخريب، لكن في الوقت ذاته لا نبخل على الذين يطالبون بوقفة صادقة، فليس أسوأ من التخلي عن الحق وأصحابه، وإن يكن التفكير في مصالحنا الشخصية أو الفئوية أقصى أمانينا في الوطن، فستغرق السفينة ويضيع الوطن حتما.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً