العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ

«أنا أسطورة»... السلعة الرائجة والمضمون الضائع

لم يشكل فيلم «أنا أسطورة» أي فارق أو إضافة إلى رصيد الممثل الأميركي المشهور ويل سميث، بل على العكس، جاء ليسم مسيرته الكبيرة في مجال التمثيل بنقطة داكنة، وذلك بسبب حجم الأخطاء الفادحة التي ارتكبت خلال هذا الشريط السينمائي الذي أحرز الملايين في شبابيك التذاكر العالمية، من دون أن يضيف شيئا للمشاهد أو لرصيد طاقم الفيلم.

«أنا أسطورة»، وهو العنوان الهائل الذي تم اختياره لهذا العمل، لم يكن متوافقا مع مضمونه، فلم يعرف المشاهد حتى نهاية الفيلم من هو الأسطورة المعني في العنوان! هل هو بطل الفيلم، أم الفيروس الذي كان يحاول القضاء عليه؟

كلاهما لم يستحق هذه المسمى الضخم الذي أطلق على الفيلم، وكأنما المؤلف الأميركي ريتشارد ماثيسن أراد أن يستفيد من هذا العنوان لنفسه قبل أن ينال غيره شرف استخدامه، من دون أن يعير اهتماما للتوفيق بين العنوان والأحداث، أو في محاولة للاستفادة من القدرة الترويجية للعنوان الصارخ في أذهان الناس.

يروي الفيلم قيام عالمة أميركية بتطوير علاج جديد لمرض السرطان، وهو ما تبثه الإذاعات وأجهزة التلفزة على أنه الحدث الأهم الذي سيغير مجرى التاريخ، إذ تبدأ تجربة العقار على 10000 مصاب بالمرض، ويحقق العلاج نتائجه بعلاج الحالات جميعها.

ينتقل المشهد بعد هذه اللحظات السعيدة إلى مشاهد لمدينة نيويورك وهي خاوية، لا بشر يحيا على أرضها ولا شيء، ليفاجأ المشاهد - فيما يعد خطأ إخراجيا - بسيل من الغزلان التي تعدو وسط المدينة، وبطل الفيلم دكتور روبرت نيفل يطاردها بسيارته الرياضية بصحبة كلبه «سام» في محاولة لاصطياد أحدها كوجبة له، في وقت شاع فيه وباء بسبب علاج السرطان السابق، حوّل كل البشر في العالم إلى أموات أحياء غير قادرين على الخروج في وضح النهار، ما يقتل كل مظاهر الحياة، فيما يتضارب مع وجود هذا القطيع من الغزلان والأسود التي تطاردها.

هذه الحكاية تكررت عشرات المرات في أكثر من فيلم سينمائي، بدءا من أفلام «الزومبي» المشهورة، وسلسلة أفلام «الشر المقيم»، التي تروي القضية نفسها من إصابة البشرية بفيروس يجعلهم يتصرفون بأسلوب حيواني بدائي ينزع إلى الأكل فقط، من دون إدراك لما هو حولهم، وحساسية من التعرض لأشعة الشمس.

يواصل الفيلم تصوير البطل، وأسلوب الحياة التي يعيشها بعد أن فقد جميع من حوله، وكيفية تكيفه مع هذه الظروف التي أوصلته لأن يكون البشري الوحيد الذي يعيش في نيويورك، وكيفية احتياطه من مواجهة المصابين بالفيروس، خشية من أن يقوموا بأكله أو إصابته بالفيروس.

يأوي نيفل إلى بيته مع حلول المساء، ويسدل أبوابا من الحديد على كل مداخل منزله مختبئا عن الموبوءين الذين تسمع أصواتهم خارج المنزل وهم يدمرون ويعيثون الفساد في كل أرجاء المدينة حتى تشرق الشمس من جديد، فتختفي كل تلك الظروف، ليعود الوضع إلى طبيعته مجددا.

جاهدا يحاول البطل أن يكون متكيفا مع الوضع، محاولا أن يصل به لما هو أفضل، فيذهب مع الصباح للبحث عن ما يستفيد منه من المحلات والمنازل الخاوية، من أدوية وأكل صالح للاستخدام، وأقراص «دي في دي» يسهر على مشاهدتها.

يقوم نيفل بالبحث عن علاج لهذا الفيروس في معمله من خلال إجراء تجارب على بعض العينات، التي تلقى تجاوبا مع العقاقير التي يطورها خلال بحثه، إلى جانب بثه لإعلان إذاعي كل يوم نصه «اسمي روبرت نيفل, أنا ناجي أعيش في نيويورك, أبث على كل الترددات المتوسطة, أنا في الشارع الجنوبي كل يوم في منتصف اليوم, حين تكون الشمس عالية في السماء, إذا كنت هناك, إذا كان هناك أحد, يمكنني أن أؤمن الطعام والمأوى والأمن, إذا كان هناك أحد أي أحد, أرجوكم, لستم لوحدكم».

تصعد الأحداث بين فترة وأخرى خلال الفيلم من خلال بعض المواجهات البسيطة بين البطل والموبوءين، إلا أنها تبلغ ذروتها حينما يصطاد «نيفيل» نفسه في فخ، يدخل به لحالة إغماء، تستمر حتى قرب غروب الشمس، فيفاجأ حين استيقاظه بذلك، ويحاول قطع الفخ - الذي لا نعلم من نصبه وسط هذه الوحشية والهمجية التي تدور في الفيلم - فيصاب في رجله.

يتفاجأ «نيفل» بوجود كلاب مصابة بالداء تكون قريبة، وتجتذبها رائحة الدماء التي تسيل من رجله، فيدخل الكلب «سام» في عراك من أجل الدفاع عن صديقه ضد هذه المجموعة المسعورة، والتي يزيد الوباء من قدرتها الجسمانية، فيزيد توحشها لاصطياد الكلب وصاحبه والتهامهما.

يستميت الكلب في الدفاع عن صاحبه، الذي يعجز عن القيام بأي شيء بسبب الإصابة، فيتعرض الكلب لإصابة تنقل له عدوى الوباء، ما يجعل البطل في محك قتل الكلب العزيز عليه أو إبقائه على حاله، بيد أن البطل يختار الحل الصعب، ويقرر قتل صديقه لكي يتقي رؤيته في حال باقي الكلاب المصابة بالفيروس، والتي يتساقط فروها وتستطيل أنيابها، وتزداد وحشيتها.

«نيفل» بعد أن مات صديقه الوحيد في حياتهما المشتركة يفقد عقله، ويطيش ليثأر من الناس المصابين بالداء، وهم متوحشون غير مدركين لما يقومون به، فتراهم يصطادون «نيفل» وهو في سيارته الكبيرة ويقلبونها له رأسا على عقب.

وبينما هو على هذا الحال، تأتي سيارة لتنقده من براثن هؤلاء الموبوءين، وهم أشخاص سمعوا نداء «نيفل» اليومي، وقرروا إنقاذه، إذ يصلون خلال اللحظة الأخيرة، وينتشلونه من بين - الأموات الأحياء - ليأخذوه لمنزله، الذي يدرك الموبوءون وجود أحياء في داخله، فيتوجهون له، ما يدفعهم لمواجهة الدفاعات التي جهز بها «نيفل» المنطقة المحيطة بالمنزل من متفجرات وإمضاءات قوية تبعدهم عن المنزل، إلا أنها لا تجدي نفعا، ويتمكنون من دخول المنزل على رغم كل التحصينات التي جهز بها المنزل.

السيدة والطفل اللذان أتيا لنجدة الناجي الوحيد من نيويورك يصطدمان بالعقلية الغريبة التي يتصرف بها «نيفل» الذي رفض قطعا وجود أي مكان آمن بعيد عن منزله، ورفض أن يذهب إلى مدينة الناجين الوحيدة؛ ومع هجوم الموبوءين على المنزل، يلجأ الجميع إلى المعمل للاختباء خلف جدار زجاجي مضاد للكسر، ليكتشف نيفل خلال تلك الثواني الأخيرة العلاج لهذا الوباء، فيعطيه للسيدة والطفل اللذين يخبئهما داخل ما يشبه الفرن، ليقرر تفجير نفسه في الموبوءين الذين يتمكنون بسبب شدتهم من تحطيهم الحاجز الزجاجي.

وتتمركز أبرز النقاط السلبية التي وقع فيها مخرج الفيلم فرانسيس لورانس، وهو مخرج فيديو كليبات غنائية في عدم تطوير الأسلوب القديم الذي تم استخدامه في كل الأفلام التي تروي الحكاية نفسها المتعلقة بالفيروس الذي يعود بالناس إلى طبيعتهم البدائية، إلى جانب عدم تعمقه في أي من مشاهد الفيلم لتقديم فكرة ذات أهمية للمشاهد، إلى جانب الاستغلال المتواضع نسبيا للمؤثرات الصوتية، التي وإن كانت في بعض الموضوعات قوية، إلا أنها لا تعدوا كونها مجرد فوضى تفزع المشاهد من مقعده عند سماعها.

العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً