العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ

هاجس الخوف من «الإرهاب»... هلوسة

فيلم «ماكس باين» يتحدث عن أطماع شركات الأدوية

هواجس الخوف من الإرهاب تحولت إلى مدرسة سياسية في السنوات الأخيرة. وهي أخذت تنتقل إلى مجال الفن وتلك الأفلام التي تنتجها تباعا استيديوهات السينما في هوليوود وغيرها. فهناك الكثير من مسلسلات التلفزيون التي احترفت الحديث عن هذا الجانب. كذلك هناك الكثير من الأشرطة تناولت الموضوع من جوانب مختلفة تجمع بين الواقعية والسرد القصصي والعنف والإثارة والمؤامرة.

فيلم «ماكس باين» الذي يعرض منذ نحو خمسة أسابيع في سينما الدانة يتعرض للمسألة الإرهابية من زاوية طبية (صناعة الأدوية) ودور الشركات في ترويج بضاعة تساعد الجنود على عدم الخوف من الإرهاب.

«المعركة معنوية أساسا ومن يخاف من الموت يخسر الحرب ضد الإرهاب». هذه هي الفكرة التي يريد سيناريو الفيلم مواربة. وحتى لا تنهزم القوى في التصدي للإرهاب لابد من رفع معنويات الجنود وعدم الخوف من «الإرهابي». الإرهابي لا يخاف لأنه قرر الموت وهي مغامرة واختار الطريق الأعنف لإنهاء حياته. الجندي لا يتمتع بتلك الصفات لأنه موظف يقوم بعمل ما مقابل معاش وعلاوة لتأمين رزقه أو تربية أطفاله. وبسبب اختلاف طبيعة وظيفة الجندي عن مشروع الإرهابي أقدمت شركة أدوية على اختراع حل طبي وهو حقن أفراد القوات الذاهبة للحرب بجرعة ترفع معنويات الجنود وتسقط عنهم الخوف ما يمنع الإرهابي من تسجيل الانتصار. وتحولت هذه «الفكرة الكيماوية» إلى مشكلة نفسية حين تبين أن الحقنة لها عوارض جانبية تؤدي إلى نوع من الهلوسة الجنونية ما أدى بقيادة الجيش إلى التراجع عن استخدامها بسبب الحالات العصبية التي أصابت الجنود.

الفكرة التي اخترعتها شركة أدوية درت في بداية المشروع الملايين إلى خزانتها وحققت الأرباح الطائلة. ولكن تراجع المؤسسة العسكرية عن استخدام العلاج ضد الإرهاب عطل الشركة الاستمرار في تطوير الدواء وأوقعها في خسائر لا تعوض ما دفع مجلس الإدارة إلى التكتم على السر وعدم نشره خوفا من الفضيحة.

إلا أن مجموعة من مجلس الشركة قررت الاستفادة من الاختراع وتحويله إلى مشروع تجاري ربحي ينتج ويوزع سرا من دون علم الشركة. وهكذا بدأت المجموعة الخاصة في ترويج البضاعة (مقاومة الخوف) بعد أن سرقت تركيبتها وأخذت ببيعها خفية إلى الجنود الذين جربوها وأدمنوا عليها.

موظفة في شركة الأدوية تكتشف السر مصادفة وتحاول فضح المجموعة التي أخذت بتشغيل مختبرات ومعامل لصناعة الحقنة. والموظفة المسئولة متزوجة من شرطي عادل ويتصف بالقسوة واحترام القانون وهذا ما جعل العصابة تخاف من إفشاء السر فتوجهت إلى منزلها بغياب زوجها وقتلتها مع طفلتها الرضيعة.

جريمة قتل زوجة الشرطي وطفلته أثار جنون الزوج. وهكذا بدأ يبحث عن السبب في السجلات ومن خلال الاتصال بشبكة من الأصدقاء لمعرفة الجهة الفاعلة وخلفيات الاعتداء. فالشرطي لم يكن على علم بما تقوم به زوجته ولا يدرك موقعها ووظيفتها وطبيعة عمل شركات الأدوية. فهو ينظر إلى تلك المؤسسات بوصفها تعمل لخدمة الإنسان وحمايته من الأمراض باختراع أقراص الوقاية والمعالجة. وبسبب اندفاعه لمعرفة الأسباب الكامنة وراء مقتل زوجته وطفلته يدخل الشرطي في معارك مع قوى غريبة تتمتع بقوة هي أقرب إلى الهلوسة منها إلى الشجاعة.

خلال المعركة بين الشرطي والشبكات المجرمة يكتشف المشاهد سر تلك العصابة الخفية التي تدير الشركة وأصرت على إنتاج الدواء على رغم علمها بأنه يؤدي إلى أعراض جانبية ترفع «المعنويات في محاربة الإرهاب» إلى درجة الهلوسة والجنون والاندفاع نحو القتل من دون ذريعة.

سيناريو الفيلم بوليسي ولا يهتم كثيرا بالسياسة لكنه ألقى الضوء على شركات تستخدم العلوم والاختراعات والاكتشافات ضد الإنسانية ومن أجل تحقيق الأرباح التجارية حتى لو اقتضى الأمر قتل أبرياء من بينهم زوجة الشرطي وطفلته.

الجانب المهم في فيلم «ماكس باين» أنه يقدم فكرة عن مدى الهوس الذي أخذ ينتشر سياسيا في المراكز العليا وتحول إلى نوع من الأرق الدائم والخوف المفتعل من عدو غير مرئي ومجهول الهوية والعنوان. فهذا النوع من الأعداء (الإرهاب) أفقد الشركات أعصابها ودفعها إلى الجنون والتنافس على قتل الخوف ورفع المعنويات من دون اعتبار للعوارض الجانبية وهي لا تقل خطرا عن الهدف الذي اخترعت من أجل محاربته

العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً