العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ

تصاعد الهجمات على الحركة الوطنية

مذكرات عبدالرحمن النعيمي (15)

كان من الواضح أن المناطق التي ترى وحدة تنظيم وبرنامج الحركة الثورية الشعبية بحيث يشملها العمل الحزبي، لا تخضع ـ في عملها اليومي ـ لإرادة الثوريين أو الحالمين بوحدة المنطقة، وإنما تخضع للظروف الموضوعية والذاتية فيها، وبالتالي كان العمل الحزبي في الكويت يصغر تدريجيا رغم الجهود التي بذلت مع العناصر التي خرجت من المعتقل (فقد فهمت القواعد الحزبية قرارات المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في دبي 1968 بأن الالتزام في الحركة الثورية يعني القيام بعمليات عسكرية في كل المناطق، مما دفعهم إلى التمرد على القيادة التاريخية للحركة، وتخطيطهم لعمليات ضد شاه إيران أثناء زيارته للكويت، لكن سرعان ما اعتقلوا، واضطر البعض منهم إلى الهرب)، ومن أراد الالتحاق بالحركة الثورية كان ضعيف التأثير حزبيا في وسطه، رغم وجود عناصر عمالية وبرجوازية صغيرة ذات اتجاهات راديكالية لم تتمكن من الخروج من شرنقة الحلقات الضيقة، وكان من الطبيعي أمام اتساع الساحة وتنوع المهمات أن يكون لقيادات المناطق الدور الأكبر في عملية الانتشار الحزبي أو العمل الجماهيري.

لذلك فقد افترق الرفاق في الكويت عن العمل التنظيمي تدريجيا، وبات البعض منهم أعضاء نشطين في لجان المناصرة للثورة العمانية في الكويت، هذه اللجان التي ازدهرت بقوة عبر الاتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع الكويت وما أقامه من علاقات وثيقة مع الديمقراطيين الكويتيين (وهي التسمية التي اختارها الأخوة القوميون بقيادة أحمد الخطيب والمرحوم سامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي)، وباتت الجبهة الشعبية تتركز في أوساط العمانيين سواء من ظفار أو مناطق عمان الأخرى، بالإضافة إلى الوسط الطلابي البحريني الأكثر نشاطا وحضورا في الساحة السياسية الداعمة للثورة.

أما الوضع في البحرين فقد اتخذ مسارات أخرى، في ظل النشاط الكبير الذي ساد الساحة منذ العام 1969، حيث اتخذ مسارات توحيد التيارات اليسارية في إطار الحركة الثورية الشعبية، لكن هذا العمل قد واجه ضربات متعددة. في البداية ضد الرفاق في جبهة تحرير شرق الجزيرة العربية، بقيادة المناضلين عوض اليماني وأحمد قاسم وحسين قاسم، وذلك في نهاية العام 1969، ثم تمكنت الأجهزة الأمنية من توجيه ضربة أخرى ضد عناصر الحركة الثورية الشعبية في قوة الدفاع، عام 1970، شملت المناضلين إبراهيم سند ويوسف البنكي وحسن بديوي وآخرين، وحيث كان الرفيق عبدالنبي العكري الشخصية القيادية الأساسية في الحركة الثورية في تلك الفترة، وكان بمحض الصدفة في إجازة في تلك الأيام، فقد اضطر إلى عدم العودة إلى البحرين والتوجه إلى ظفار ليكون مسئولا عن العمل الزراعي والتعاوني في المنطقة الغربية من ظفار، حيث أقام مزرعة إنموذجية وسعى لتدريب العديد من أعضاء الجبهة على العمل الزراعي ضمن التوجه العام للاكتفاء الذاتي إذا تطلب الأمر ذلك. لكن الوضع التنظيمي في البحرين لم يتوقف، كانت الآلية الداخلية تفرز يوميا العديد من الأشكال التنظيمية والمزيد من التنظيمات اليسارية (جبهة تحرير الخليج التي كان يقودها الشهيد محمد بونفور والمناضل علي ربيعة وغيرهما، والجبهة الشعبية الديمقراطية التي كان يقودها المناضل سالم سلطان ... ) وباتت المهمة الأساسية لكل هؤلاء المناضلين في فترة الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج هي توحيد القوى اليسارية في جبهة متحدة، وكانت العلاقات وثيقة بين الداخل والخارج، دون تبعية له، مما حقق الكثير من النجاحات على الصعيد العمالي في التجربة الفريدة التي قام بها الشهيد بونفور مع المناضل عبدالله مطيويع وهشام الشهابي وحسن رضي في اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة في البحرين (منذ العام 1972 حتى الانتفاضة العمالية في مارس 1972) التي ضمت كوادر عمالية أساس من الرفاق في جبهة التحرير الوطني (يوسف يتيم وعباس عواجي ويوسف الصباح وجليل الحوري... )

***

بعد انتصار الثورة في الجنوب اليمني، والقرار التاريخي بتصفية القاعدة البريطانية والتخلص من الضباط البريطانيين، أصبحت عدن بمناطقها ذات الحضور البريطاني الكثيف قبل ذلك، عاصمة للجمهورية، بها الكثير من العمارات الضخمة والبيوت الجميلة والثكنات العسكرية المتعددة الفارغة، وأمكن للكثيرين الحصول على مسكن، وخاصة من قيادات الثورة. واتخذت قيادة الجبهة القومية قرارا بتوفير السكن للمواطنين عبر تأميم السكن في عدن، وتخفيض الإيجارات إلى درجة رمزية، وكان بالإمكان الحصول على بيت في منطقة خور مكسر (القاعدة البريطانية سابقا) كان إيجاره ثلاثمائة دينار قبل الاستقلال إلى سبعة دنانير ونصف!! (وكان أحد تلك البيوت من نصيبنا حيث سكنا فيه فترة سنتين قبل أن ننتقل إلى شقة أخرى في المعلا بالقرب من المكتب الرئيس للجبهة) ولم يكن هناك بيت إيجاره أغلى من 15 دينارا، فقد اتخذت الثورة قرارا بالأ يكون الإيجار يغطي أكثر من 20في المئة من راتب الموظف، وكان الكثيرون في المعلا (عدن القديمة ذات الصهاريج الجميلة والسمك الطازج عصرا في منطقة صيرة) يدفعون دينارا واحدا إيجارا لبعض البيوت، وفي سنوات لاحقة تم تمليك الكثير من العائلات الفقيرة.

وحيث شهدت اليمن الجنوبية الكثير من التحديات والصعوبات فقد كان من الطبيعي أن تعتمد على الناس في حل المشكلات الاقتصادية، وكانت القيادة تقدم المثل للآخرين، بحيث واجهت الحكومة أزمة مالية صعبة بعد أن قررت بريطانيا قطع المساعدات المالية، إثر القرار الذي اتخذه وزير الدفاع اليمني، علي سالم البيض، بطرد جميع الضباط البريطانيين بشكل مفاجئ عام 1971، فقد قررت أن تخفض الرواتب بدءا من راتب رئيس الجمهورية، والوزراء، وأعضاء الحزب الحاكم، وتخفيض الأجور وتحديد أسعار المواد الغذائية، وكانت استجابة الناس كبيرة لتخفيض الرواتب... وعندما شنت الثورة حملة توعية واسعة لتحرير المرأة، بادرت العديد من المناضلات إلى حرق الحجاب في الشوارع، ودفعت قيادة الجبهة القومية إلى سن قانون للأحوال الشخصية هو الأرقى على صعيد المنطقة العربية برمتها، حتى الوقت الحاضر (وقد تراجعت حكومة اليمن الموحد عن تلك القرارات بعد حرب 1994).

سارت الجبهة الشعبية على خطى الخطوات الثورية اليمنية، وعلى خطى التجارب الثورية العالمية. فالجميع متساو حيث خصصت لكل متفرغ في الجبهة 15 دينارا، سواء كان رفيقا أو رفيقة، والسكن مؤمن للجميع، وسيارات متواضعة للكادر الإعلامي أو من تتطلب ظروفه كثرة التنقل، أما الأعضاء العاديين ومن اضطرتهم الظروف للعلاج في عدن، فإن معسكر الثورة يحتويهم، وتصرف لهم ذات المخصصات، مع الاهتمام بتثقيفهم المستمر بالجلسات الأسبوعية، التي كان مسئولا عنها الرفيق جبل علي الذي ترك عمله في قطر ليلتحق بالجبهة، ليكون مسئولا عن مكتبها في القاهرة، قبل أن تعتقله المخابرات المصرية عام 1970 بعد أن أصدرت الجبهة بيانا نددت فيه بموقف القيادة المصرية من مبادرة روجرز!! ثم أطلقت سراحه ليستلم كثرة من المهمات المالية والاقتصادية ورعاية المرضى في معسكر الثورة.

وفي ذلك المعسكر كان اللقاء الأول مع المناضلة ليلى فخرو التي سبقتنا إلى الجبهة، واستقبلنا فيه الكثير من المعجبين بالثورة في ظفار من فواز طرابلسي إلى العفيف الأخضر وفرد هاليداي ومظفر النواب وغيرهم...

***

لابد من ظفار، وإن كثرت المهمات السياسية والإعلامية والتنظيمية في عدن، فهناك قيادة الثورة، وهناك قيادة الحزب، ولا بد من التواصل ...

كانت المواصلات إلى ظفار متخلفة للغاية... بقايا طائرات (باسكو) تحملك من عدن إلى الغيظة، يمكنك الصعود إليها، وتبقى دون كرسي إذا كنت مستعجلا، سواء في الذهاب إلى هناك أو العودة من الغيظة، عاصمة المحافظة السادسة (المهرة)، والرحلة مرة أخرى في الأسبوع، ولا يجب أن تفوتك، وقد تنتظر ساعات طويلة في مطار الغيظة، وتفاجئك الأخبار بأن الرحلة قد الغيت، وعليك العودة إلى القرية ـ العاصمة، وأن تكون حاضر الحواس لتستمع إلى صوت (أم أحمد) في الجو لتركب (الرنج) بسرعة للوصول إلى المطار قبل أن تغادره الطائرة.. وبعد الغيظة لا بد من السيارة (الرنج) للوصول إلى قرى قريبة من الحدود، وعليك بعد ذلك السير على الأقدام لساعات طويلة قبل أن تصل إلى (مرارة) حيث مدرسة الثورة، لتلتقي مع الرفيقة هدى وتتبادل معها الأحاديث عن وضع الطلبة وشطاناتهم! ومنها إلى حوف، القرية الأقرب إلى الحدود والتي تشكل الخلفية الأساسية لكل عمليات التموين وتواجد الرفاق الأساسيين، ونقطة الانطلاق حيث لا قرية يمنية بعد ذلك... وحيث اعتاد الناس على استخدام القوارب الصغيرة من بعض القرى القريبة من الغيظة، إلى حوف، فقد ركبنا مرات عديدة هذه القوارب، وكان سمك الكنعد يرافقنا في الرحلة، بقفزات مثيرة للإعجاب، إلى الدرجة التي اصطدنا في إحدى المرات عددا كبيرا منها خلال الساعات الأربع التي قضيناها بحرا. ولا يمكن ارتياد البحر في موسم الخريف (من يونيو/ حزيران إلى أغسطس/ آب) حيث الرياح الموسمية التي تهب من المحيط الهندي والتي تجعل ركوب البحر خطرا للغاية في كل أرجاء المحيط، فالرؤية شبه معدومة، وقد تعرضت الكثير من السفن الكبيرة إلى الغرق والاصطدام بالنتوءات الحادة (رأس فرتك على سبيل المثال)، ولا يمكن ألا السير على الإقدام في تلك الفترة الجميلة الممطرة في كل ظفار، وفي المناطق القريبة منها من محافظة المهرة.

وفي الطريق إلى ظفار، إلى مقر قيادة المنطقة الغربية، كانت المحطة الأساسية على الحدود مع الرفيق حسين موسى ومزرعته... ومنها تنطلق ضمن القواعد التي يحددها الرفاق العسكريون والتي تزداد صرامة كلما توغلت في الداخل، حيث الطيران العماني الذي كان متخلفا للغاية في البداية، لكنه تطور بعد ذلك، وكان من الضروري أن تتطور أسلحة الجبهة في مواجهته، وكانت الصين قد قررت وقف المساعدات العسكرية عن الجبهة ضمن إستراتيجيتها الكونية التي اعتبرت (التحريفية السوفياتية) هي الخطر الأكبر على شعوب العالم، وعليها مواجهته... وبدأت العلاقات مع المنظومة الاشتراكية (الاتحاد السوفيتي، ألمانيا الشرقية، تشيكوسلوفاكيا، كوبا، كوريا الشمالية) هي السند الأكبر للدعم العسكري بالإضافة إلى الدعم المالي الليبي بعد التحول الكبير في الموقف الليبي بعد مجيء الإيرانيين، وكذلك الموقف العراقي

العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً