العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

نبتة ووردة

نبتة صغيرة تنتج وردة، تزهر الوردة بلونها الجميل المتلألئ لتثمر، تزيد النبتات والورود، وتزيد الثمار، وتزهر الأرض بأكملها بستانا جميلا رائعا، لتعطينا أحد أول الدروس التي علمتها الطبيعة للإنسان.

بشموخ وقوة وجمال تقف تلك الوردة، رقيقة في ملمسها، رائعة الجمال، لا يملك من ينظر إليها إلا أن يحبس أنفاسه إعجابا، لكنها مع ذلك قوية صلبة، تداعبها النسائم فتهتز قليلا ولكنها تبقى في مكانها ثابتة، شامخة تتطلع للسماء، وتنمو مع الأيام.

نحتفل اليوم بوردتنا الرقيقة تلك، الصلبة القوية تلك، الجميلة تلك، لنؤكد حقها في البقاء، وفي الحياة، نؤكد ضرورة وجودها الملحّ، وعطائها الملحّ.

وردتنا كانت يوما فتاة صغيرة، برعما في نبتة صغيرة، تتوسل الرعاية والاهتمام، ولكنها كبرت فأصبحت وردة، وفاح عبيرها في الأفق، ومعها آلاف النبتات، وآلاف الوردات، فتحولت الأرض الجرداء بستانا. وردتنا هي المرأة اليوم، التي إن علمتها فقد علمت جيلا كاملا بها، وإن استثمرت فيها لن تعدم أن تحصل النتائج، ولو على المدى الطويل.

يصرّ البعض على أن يراها ضعيفة، مسكينة لا حول لها ولا قوة، دامعة العينين، لا تملك غير البكاء وسيلة للتعبير عن مشاعرها وكأنها نقيصة فيها. يصرّ البعض على أن يراها مزعجة وهي تطالب باستماتة بما تسميه الـ "حقوق"، ولا تعدم أصواتا من التهكم من طول مطالبتها وتكرارها. يصرّ البعض أنها نالت ما يكفيها، وكل مطالبات إضافية هي "دعاوى غربية"، "مستوردة" لطعن المجتمع الإسلامي في أضعف وأقوى مواقعه "المرأة".

"المرأة"، تلك الوردة التي يفهمها كل فرد بطريقته الخاصة، التي اشترك الجميع على ضرورة "حمايتها"، بطريقته الخاصة أيضا. تحاول جاهدة أن تثبت أنها قادرة على حماية نفسها، إن امتلكت الأدوات والسبل لذلك، فعطاؤها غير محدود، ولكنها تريد من ينصفها فقط، ويفهمها كما هي، دون تزييف أو تغريب أو إبعاد عن هويتها. هي أم بفطرتها تريد أن تربي أبناءها بأحسن ما تكون التربية، ولكنها تريد أيضا تشريعات تحمي أمومتها تلك، ولا تجعلها مسكونة بهاجس التقصير في أي من الواجبات المتعددة التي تقوم بها. هي عاملة مخلصة وكفوءة، ولكنها في الوقت نفسه امرأة لها طبيعتها الخاصة، وبحاجة إلى تشريعات تحمي هذه الطبيعة لتزيد إنتاجها وتستمر فيه. هي امرأة لا تريد أن تحاسب على أنوثتها، فيتم التمييز بينها وبين الرجل. هي سيدة محدودة الدخل، تريد فرصة ولو بسيطة تستطيع من خلالها أن تكسب قوت يومها وأسرتها، فتعيش معهم بكرامة. هي امرأة تشعر أحيانا أنها تطالب بالكماليات لو طلبت كل ذلك، ولا تعرف أنها حقوق لها، ولا تعرف أن ضمان هذه الحقوق ضمان للمجتمع الذي يضع على عاتقها (دون أن تدري ربما) المهمة الأثقل في بنائه.

نبتة صغيرة، كلما راعيتها واهتممت بها، وخصصت لها أجود أنواع الأسمدة، وظللت عليها لتحميها من الأشعة الضارة، وسقيتها كل يوم بماء الحب والحنان، ستنبت لك وردة جميلة ولا أحلى، تزين بها حديقتك، وتصمد في وجه عوامل التعرية الجوية. لنستثمر في تلك النبتات الصغيرة، فسيأتي اليوم التي تتفتح فيه هذه النبتات لتزهر بساتيننا.

ندى الوادي

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً