العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ

8 مارس... يوم لا يأتي إلا في العام مرة

ما الذي يعنيه لنا يوم المرأة العالمي؟؟ سؤال طالما طرحناه في أكثر من محفل، وأكثر من اتجاه، لكننا نحشى أن يتحول إلى يوم باهت، يصبح الحديث فيه من زخرف القول، ومعه تصبح قضايا المرأة قضايا مكررة ومملة، بل يتداولها الجميع من باب طرح ما يوجب طرحه في هذه المناسبة دونما الوصول إلى حلول موضوعية بعيدة عن الشعارات، ويبقى على كاهل الصحافيات والمهتمات بشئون المرأة أن يتصدين وحدهن لقضية المرأة باعتبارهن المعنيات أكثر، لكن السؤال الأكثر إلحاحا يكمن في كيف يكون حال النساء في يومهن؟

تعود الجذور التاريخية ليوم المرأة العالمي إلى القرن التاسع عشر الميلادي، إذ قرن هذا اليوم بمشكلة المرأة العاملة في الولايات المتحدة وأوروبا، ففي 8 مارس/ آذار العام 1857 خرجت عاملات النسيج في نيويورك احتجاجا على ظروف عملهن، وبعد خمسين عاما من المظاهرات خرجت أيضا في 8 مارس العام 1908، ما يقارب من 15 ألف عاملة بمسيرة في نيويورك تطالب بخفض ساعات العمل، ورفع المعاش، ووقف تشغيل الأطفال، وحق الاقتراع، وكان شعار المظاهرات "خبز وورود"، لكن فكرة الاحتفال تحسب لائتلاف المنظمات النسائية التي استغلت هذه التظاهرات في توجيه نداء إلى العالم بضرورة تخصيص يوم للمرأة، إذ طالبت النساء الديمقراطيات الاشتراكيات في مؤتمرهن الأول في ألمانيا العام 1906، والثاني في الدنمارك العام 1910 بتكريس يوم للمرأة، ولم يظهر ذلك للعلن إلا في العام 1913، ولم يفعّل بشكل رسمي إلا بناء على قرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو الدول إلى تخصيص يوم ‏8‏ مارس من كل عام للاحتفال بحقوق المرأة والسلام الدولي‏، وذلك وفقا للتقاليد والأعراف التاريخية لكل دولة‏، وأصبح مناسبة عالمية لمناقشة واستعراض الإنجازات التي تحققت لها وطموحاتها المستقبلية من أجل مزيد من التقدم‏.

بقي هذا التاريخ رمزا لنضال المرأة، ويوما للمطالبة بالحقوق النسائية، إذ تعالت فيه الأصوات لأن يكون لذلك اليوم مضمون أممي. المرأة هي من صنعت ذلك التاريخ، وهي التي خرجت إلى الشارع لتنزع لنفسها حقوقا لم يكن الحديث عنها شيئا ممكنا، لم ينسَ العالم حين خرجت نساء مدينة بتروغراد الروسية والصقيع يلفهن في شتاء 1917م وهن يطالبن بـ "الخبز لأولادنا والعودة لأزواجنا من المتاريس" لوقف حرب، ليس لهن فيها ناقة ولا جمل. وبعد ستين عاما خرجت المرأة الإيرانية من أجل إنهاء ظلم وقهر عانت منه دهرا، وتوالت المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة في سباق حميم وقوة عالية في صدور البيانات والتوصيات علها تنال ما عجزت السياسة عن تحقيقه، فتصدرت الحقوق السياسية غالبية ديباجياتها، ويشير "منهاج عمل بيغين" في العام 1995م، إلى أن "اشتراك المرأة في عملية صنع القرار على قدم المساواة مع الرجل، لا يعد مطلبا لمجرد تحقيق العدالة أو إحلال الديمقراطية فحسب، وإنما يمكن اعتباره كذلك شرطا ضروريا لمراعاة مصالح المرأة، فمن دون اشتراك المرأة اشتراكا نشطا وإدماج منظورها في مستويات صنع القرار كافة، لا يمكن تحقيق الأهداف المتمثلة في المساواة والتنمية والسلم".

جاءت تلك الدعاوي من منطلق غياب المرأة الحقيقي عن مواقع صنع القرار والتمثيل البرلماني، إذ إن نسبة التمثيل البرلماني للمرأة في العالم حوالي 11 في المئة، وفي الدول العربية 3.7 في المئة فقط، فالديمقراطية في العالم مذكرة، والمسألة لا تحل بالتدخل الحكومي، إذ يبقى الأمر مرهونا بتأسيس منظور سياسي نسائي جديد... وفي هذا الصدد تشير حنان عشراوي التي توصف في الأوساط الإعلامية بـ "المرأة المرعبة": "لا أنكر أنه في استطاعة النساء أن يقدمن مساهمتهن من خلال الأحزاب السياسية القائمة، لكني أعتقد أن توليد منظور نسائي أو نسوي صرف أمر في غاية الأهمية... ومن هنا اعتقادي بأن من الأهمية بمكان توليد خطاب نسائي... فإني لواثقة من أنه لو كان في مقدور النساء أن يمارسن هذا التأثير من خلال فهمهن ومعرفتهن الذاتية بأنفسهن، ومن خلال تحطيم البنى الذهنية المكتسبة، لأمكن بسهولة وبسرعة أكبر الوصول" إنها دعوة خالصة للمرأة العربية من أجل التغيير نحو بناء مشروع سياسي جديد قائم على أساس أن يُصير ما هو ممنوع شعبيا مُعطى بكل إرادة ووعي.

لقد سجلت المرأة في الوطن العربي في السنوات الأخيرة حضورا ملحوظا في جميع الأصعدة، لكنه غير كاف على الإطلاق، إذ ظل رمزيا يغلب عليه الدعاية والارتجال ولا يرقى إلى مستوى الطموح والآمال، و بقيت السلطات تزيِّن نفسها بمناصرة المرأة، ولكن في الواقع هي متاجرة، بينما لاتزال التحفظات والعراقيل هي نفسها تحكم الشارع العربي، ومازالت نساؤنا رهينة بين ما تريد وما يراد منها، وما تؤمن به وما يشاع في الأوساط من شعارات، فاليوم العالمي للمرأة لا ينبغي أن يكون حديثا أنثويا خالصا بقدر ما هو المطالبة بالحق الإنساني للمرأة.

دعوة الاحتفال، هي دليل الاستمرار وجودا وحضورا، وهي تذكار حي للمرأة التي تؤدي دورا خاصا وحيويا، تساهم في البناء والتغيير، وهو ليس مناسبا للبيانات الرسمية التي تصدر بالعبارات والمقاييس نفسها تؤرخ للحكومات ما التغيرات الرقمية في مجال حقوق المرأة، وكان يوم المرأة هو حديث إنجازات وتسابق لا غير، حديث سياسة لا غير، ولا يخرج عن هذا الإطار بخلاف كون المتحدث امرأة، إذ ترى وزيرة الخارجية الأميركية رايس إن اليوم العالمي للمرأة "فرصة للاحتفال بالأعمال الشجاعة وقوة الإرادة لنساء فوق العادة"، فالعسكريات هن الشجعان، وهن فوق العادة، والمراد تسويق حروب تخوضها نساء، دعوا اليوم تحييه المرأة بإرادتها، وتحية لنساء العالم من جديد في يوم من المفترض أن يكون جديدا.

* كاتبة بحرينية

العدد 2010 - الجمعة 07 مارس 2008م الموافق 28 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:12 ص

      كل عام وكل نساء العالم بالف الف خير

      كل عام وجميع النساء بالف..الف خير وخاصة نساء الامة العربية المسلمة

اقرأ ايضاً