كما هي ألوان الربيع قادرة دائما على التنوع حتى في الصحاري، كذا ربيع الثقافة 2008. فهذا العام حمل موسم الثقافة البحريني لونا لكل باحث عن لون. فلعشاق الفنون التشكيلية حصة منه، ولمحبي فنون الرقص والاستعراض حصة، وللأطفال مكان، وللباحثين عن المحاضرات واللقاءات الثقافية فعاليات، ولعشاق الموسيقى بمختلف أنواعها نصيب لا يمكن إغفاله.
إنْ كانت المعارض تنوعت بين نحت ورسم، فالنموذج الصوفي للإبداع تنوع بين موسيقى ورقص. فمن أبرز الفعاليات الصوفية الموسيقية لهذا العام حفل الفنان التركي سليمان أيرغونير الذي سيقدمه مع آلة الناي اليوم (الخميس)، رابطا بعزفه بين الواقع والخيال خالقا لمستمعيه جوا صوفيا تأمليا رائعا، بالإضافة إلى حفل أيرغونير ستستضيف البحرين في ربيعها الثقافي عرضا صوفيا راقصا تقدمه فرقة «كونيا» التركية، المؤلفة من أربعين شخصا في نهاية الشهر الجاري.
وتأتي أهمية استضافة هذا النوع من الفعاليات كون الموسيقى الصوفية تعتبر من المقومات المهمة والأساسية لاكتمال الطقس الصوفي، كما أن الفنون الصوفية الموسيقية والراقصة تعتبر من أرقى أنواع الفنون التي تلعب أكثر من دور في مجتمعاتنا. فهي بالدرجة الأولى جانب من جوانب الطقس الروحي الصوفي، وهي جزء لا يتجزأ من ثقافة المنطقة، لها حضور قوي في أعماق تاريخ حضارتنا الإسلامية، كما أن اللحن الصوفي ساهم بشكل كبير في نقل رسالة الفكر الصوفي، وبسط التعامل مع معانيه وقيمه، وهو خير رسالة سلام من ثقافتنا تجاه الثقافات المختلفة.
وتعتبر الفنون الصوفي في تركيا على أشكالها سواء أكانت موسيقى أم غناء أم رقصا من النماذج المتصدرة للإبداع الفني وللتفاعل الديني، ويسمى المؤدون لهذه الطقوس الدراويش أو المريدين. وتختلف التسمية بين بلاد الشام وتركيا، فالصوفيون المشهورون في مدينة حلب السورية مثلا يسمون دراويشَ، ويعتبر من أهم الوجوه التي تؤدي هذه اللون الفني ولها صيت واسع في مجال الموسيقى والطرب عموما والموشحات الصوفية خصوصا الفنان السوري صباح فخري، ويسمى هذا النوع من الغناء في سورية «القدود الحلبية». ويستعمل في أداء الموسيقى الصوفية عادة مجموعة من الآلات لعل من أبرزها العود والقانون والناي والدفوف. ويمزج الطقس الصوفي الموسيقي في غالب الأحيان بين العزف على آلة موسيقية أو أكثر، يترافق مع ذلك غناء مجموعة من القصائد أو الموشحات حتى الاستمرار في تَكرار بيت أو بيتين من قصيدة، بالإضافة إلى وجود نوع خاص من الرقص الالتفافي يؤديه مجموعة من الدراويش، غير أن هذه الطريقة لم تعد قاعدة وخصوصا في تركيا حيث باتت تلك المناطق تشهد حفلات عزف صوفي منفرد على آلة موسيقية واحدة كالناي أو العود من دون أن يشاركها أي عنصر آخر كالرقص أو الغناء
العدد 2015 - الأربعاء 12 مارس 2008م الموافق 04 ربيع الاول 1429هـ