العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ

إلغاء رسم الدوائر الانتخابيّة منوط بالسلطة التشريعيّة والمحكمة الدستوريّة

ردّت الحكومة ممثلة في دائرة الشئون القانونية على الدعوى الإدارية المطعون فيها بتوزيع الدوائر الانتخابية المرفوعة من قِبل أحد المواطنين ووكيله المحامي عبدالله الشملاوي بأن إلغاء المرسوم منوط بالهيئة التشريعية أو المحكمة الدستورية. وطلبت الدائرة من هيئة المحكمة الإدارية الكبرى الحكم بعدم الاختصاص ولائيا والقضاء به، إضافة إلى قبول الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة والصفة في دعوى الإلغاء والقضاء به. وعلى سبيل الاحتياط الكلي رفض الدعوى، وفي كل الأحوال إلزام المدعي بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة.

وبرّرت دائرة الشئون القانونية ردها سالف الذكر بأن الطعون الانتخابية تنظر في محكمة التمييز، موضحة أن إلغاء المرسوم منوط بالهيئة التشريعية أو المحكمة الدستورية. وأشارت الدائرة إلى أن تطبيق المساواة المحاسبية أمرٌ مستحيل، مؤكدة وجود توازن بين الدوائر وفق معيار المساواة النسبية التقريبية، وأن توزيع الدوائر الانتخابية صحيحٌ وعادل لعدة أسباب.

وبشأن مقارنة الكثافة السكانية بين محافظتي الشمالية والجنوبية، أوضحت القانونية أن أسس إعطاء 3 مناطق في المحافظة الجنوبية خصوصية في تقسيم الدوائر قوية جدا ومعتبرة في كبرى الديمقراطيات العالمية، كما أن هذه المناطق الثلاث وحدها تشكل أكثر من نصف مساحة المملكة، ويجري العمل حاليا على إنشاء مشاريع إسكانية وسياحية ضخمة ستغير شكل وتركيبة هذه المناطق في المستقبل. وهذا مختصر رد دائرة الشئون القانونية على لائحة دعوى الطعن في رسم الدوائر الانتخابية.

محكمة التمييز هي المختصة بنظر الدعوى

أوضحت الدائرة القانونية في ردها أنه لما كانت المادة 62 من الدستور قد جرى نصها على أن «تختص محكمة التمييز بالفصل في الطعون الخاصة بانتخابات مجلس النواب» بما مفاده أن الطعون التي تختص بها محكمة التمييز بتحقيقها إنما هي التي تنصب أساسا على بطلان عملية الانتخاب ذاتها أو التعبير عنها بالتحديد السابق بيانه ما يتطلب تحقيقا تجريه في هذا الشأن، ولما كانت عبارة «الفصل في الطعون الخاصة بانتخابات مجلس النواب» وردت عامة دون تخصيص فإنها تشمل الطعون المقدمة من الناخبين أو المرشحين على حد سواء، كما أنها تشمل كل المراحل التي تتم بها العملية الانتخابية بدءا من توزيع الدوائر الانتخابية وانتهاء بإعلان أسماء المرشحين الفائزين.

وهديا على ما تقدم فإن مطاعن المدعي على المرسوم الطعين التي تصب في حمأة الطعون الخاصة بانتخابات مجلس النواب تختص بنظرها والتحقيق فيها محكمة التمييز، ويكون رفع دعواه أمام المحكمة الإدارية مخالفا لقواعد الاختصاص الولائي متعينا القضاء به.

البرلمان يستطيع دفع الحيف عن نفسه

وأضافت دائرة الشئون القانونية في دفعها بإلغاء الدعوى بأن تقسيم المملكة إلى مناطق انتخابية تشمل كل منها عددا من الدوائر الانتخابية غير صحيح، بأننا نكون بصدد أعمال صادرة عن السلطة التنفيذية أو أعمال يباشرها رئيس السلطة التنفيذية كحق يمنحه إياه الدستور، وتكون العلاقة في هذه الحالة قاصرة على سلطتين فقط والقضاء الإداري ليس قاضي الفصل بين السلطات المختلفة، لذلك نجد القضاء الإداري المقارن يمتنع عن نظر المراسيم المتعلقة بالعملية الانتخابية وذلك حتى لا يتضارب موقفه مع موقف البرلمان منه، فضلا عن أن البرلمان يملك من القوة السياسية والوسائل الدستورية ما يستطيع دفع الحيف عن نفسه، كما أن القضاء ليس من شأنه الخوض في المسائل السياسية التي تؤدي إلى التنازع مع الهيئة التي تمثل الشعب صاحب السلطات جميعا، وهو ما يجعل الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى لتعلقها بعمل من أعمال الحكومة على سد من القانون يتعين القضاء به.

وأوضحت الدائرة في هذا الشق من الدفع أنه من المقرر وعملا بالمادة (7) من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 2002 أنه ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة للاعتبارات التي تقتضي بالنظر لطبيعة تلك الأعمال النأي بها عن الرقابة القضائية، وهذه الأعمال وان كانت لا تقبل الحصر والتحديد والمرجع في تحديدها للقضاء ليقرر ما يعتبر من أعمال السيادة وما لا يعتبر منها إلا أنه يجمعها إطار عام أنها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة حكم.

ولما كان ذلك وكان الدستور قرر في مادته السادسة والخمسين أن «يتألف مجلس النواب من أربعين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للأحكام التي يبينها القانون، وإنه تنفيذا لهذا المقرر الدستوري صدر المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية متضمنا في مادته السابعة عشرة النص على «تقسم مملكة البحرين في تطبيق أحكام هذا القانون إلى عدد من المناطق الانتخابية تشمل كل منها على عدد من الدوائر الانتخابية. وينتخب عن كل دائرة انتخابية عضو واحد، ويصدر مرسوم بتحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها وعدد اللجان الفرعية اللازمة لمباشرة عمليه الاقتراع والفرز «وأنه تنفيذا لهذا القانون صدر المرسوم بتحديد المناطق والدوائر الانتخابية».

المرسوم يُطبّق على

أشخاص بأوصافهم لا بذواتهم

وتابعت القانونية في دفعها «ولما كان الثابت أن المرسوم الطعين صدر في ظل القواعد التي وضعها الأمر الملكي رقم 4 لسنة 1975 الذي أسند السلطة التشريعية إلى الملك ومجلس الوزراء بما مؤداه اندماج السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن معيار تكييف المرسوم الطعين وتحديد ما إذا كان عملا تشريعيا بمنأى عن الإلغاء أم عملا إداريا قابلا للإلغاء إنما هو المعيار الموضوعي.

ولما كان المرسوم الطعين حوى قواعد عامة مجردة تطبق على أشخاص معينين بأوصافهم لا بذواتهم فعليه فإنه يعتبر وفقا لهذا المعيار الموضوعي قانونا دون اعتبار لصفة مصدر المرسوم ولا الشكل الذي صدر فيه ولا الإجراءات التي اتبعت في إصداره، ويكون من ثم بمنأى عن الطعن عليه بطريق الإلغاء، ويكون معه الدفع بعدم اختصاص المحكمة الإدارية ولائيا ينظر الدعوى على سند من الواقع والقانون يتعين القضاء به.

الإلغاء منوط

بـ «التشريعية» أو «الدستورية»

وأشارت دائرة الشئون القانونية إلى أن النعي على المرسوم الطعين بموجب دعوى إلغاء في ضوء الحصانة التي أولاها الدستور له بوصفه متضمنا قواعد قانونية وصادر في الفترة الواقعة بين نشر الدستور واجتماع المجلس الوطني ما يجعل الاختصاص بإلغائه منوطا بالهيئة التشريعية أو المحكمة الدستورية، يكون على غير سند يجعل من الدفع بعدم اختصاص المحكمة الإدارية ولائيا بنظر الدعوى قائما على سند قوي كاف لحمله.

واستندت الإدارة على أن المادة تجرى الفقرة (ب) من المادة 212 من الدستور على أن «استثناء من حكم الفقرة الثانية من المادة 38 من هذا الدستور يبقى صحيحا ونافذا كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وإعلانات معمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغ وفقا للنظام المقرر بهذا الدستور».

ومفاد ما تقدم أن نص الفقرة (ب) من المادة 121 من الدستور جاء صريحا وقاطعا في أن جميع «القواعد القانونية» التي صدرت قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني - وبغير استثناء - تخل في إطار ما ورد بالنص، وتبقى صحيحة ونافذة ما لم يتقرر تعديلها أو إلغاؤها وفقا للنظام المقرر بالدستور بواسطة السلطة التشريعية، أو يقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم تصدره المحكمة الدستورية التي أولاها المشرع سلطة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح. وقد تأكد ذلك بما ورد بالمذكرة التفسيرية للدستور في تفسيرها لنص المادة 121 حيث كشفت أن القصد من تعديل عبارة «عند العمل بالدستور» الواردة بالمادة 105 من الدستور قبل تعديله إلى عبارة «المعمول به قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني» التي تضمنتها المادة 121 من الدستور المعدل هو أن يدخل في إطار ما ورد بالمادة المذكورة كل ما سيصدر من «قواعد قانونية» في الفترة الواقعة بين نشر الدستور واجتماع المجلس الوطني بالإضافة على ما سبق صدوره منها قبل تعديل الدستور، وقد جاء تفسير المذكرة التفسيرية مطابقا لنص الفقرة ب من المادة 121 فيما قررته من دخول كل القواعد القانونية السابقة على أول انعقاد للمجلس الوطني في إطار ما ورد بالنص المذكور بما لازمة أنها تظل قواعد قانونية قائمة وصحيحة ونافذة.

وهديا على ما تقدم فان كل القواعد القانونية سواء التي صدرت في شكل مراسيم بقوانين أو مراسيم أو لوائح في الفترة الواقعة بين نشر الدستور واجتماع المجلس الوطني تعتبر قوانين قائمة لا يجوز المساس بها إلا بالوسيلة التي حددها الدستور وهي تعديلها أو إلغاؤها وفقا لأحكام الدستور بواسطة الهيئة التشريعية أو يقضى بعدم دستورية نصوصها بحكم تصدره المحكمة الدستورية التي أولاها الدستور سلطة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.

المصلحة يجب أن تكون شخصية

وفي طلبها المتمثل في عدم قبول الدعوى لعدم توافر المصلحة التي تبرر قبول دعوى الإلغاء، ذكرت دائرة الشئون القانونية أنه من المبادئ المقررة في نسيج القواعد العامة للقانون الإداري أنه إن كان ليس من الضروري أن تستند المصلحة التي تبرر قبول دعوى الإلغاء إلى حق ولكنها من ناحية أخرى ليست تلك المصلحة العامة في أن تلتزم الإدارة حدود المشروعية التي يشترك فيها جميع المواطنين بما ينحو بدعوى الإلغاء منحى دعاوى الحسبة، بل يجب أن تكون تلك المصلحة شخصية. بحيث يكون طالب الإلغاء في حالة قانونية خاصة اثر فيها القرار المطلوب إلغاؤه تأثيرا مباشرا.

وإذ إن الثابت من لائحة الدعوى أن المدعى يستند إلى صفته كناخب للطعن في المرسوم الطعين، وإذ إن هذا الاستناد جانبه الصواب ذلك أن المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية نص في مادته السادسة على أن «يقيد في جداول الناخبين كل مواطن له حق مباشرة الحقوق السياسية»، كما نصت المادة السابعة على أن تشكل في كل منطقة انتخابية بقرار من وزير العدل والشئون الإسلامية لجنة تسمى الإشراف على سلامة الاستفتاء والانتخاب... وتتولى هذه اللجنة القيام بإعداد جداول الناخبين...»، كما نصت المادة الثامنة في فقرتها الرابعة على أن تعرض لمدة سبعة أيام في كل دائرة انتخابية أسماء الناخبين بها... وذلك قبل خمسة وأربعين يوما على الأقل من الميعاد المحدد لإجراء الانتخاب».

ومن جميع النصوص المتقدمة يتضح أن صفة الناخب تلحق بالمواطن لحظة قيد اسمه في جدول الناخبين أي بعد إعلان صدور الأمر الملكي بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء أو الانتخاب ونشره في الجريدة الرسمية وفقا لأحكام المادتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 آنف البيان.

وهذا النظر المتقدم يجعل من المصلحة التي يدعيها أقرب إلى الاحتمال، إذ إنه يدعي أن مصلحته في طلب إلغاء المرسوم الطعين محمولة على رغبته في إيصال من يراه لمجلس النواب، وهذا الأمر لن تتضح معالمه إلا حال بدء العملية الانتخابية وقيد المرشحين في الدوائر الانتخابية المقررة لهم. والمحصلة فيما تقام أن المدعي بانتفاء صفته كناخب وقت رفع الدعوى فإن المصلحة التي يستند إليها مصلحة عامة وليست شخصية، تفتقر إلى الحالة القانونية الخاصة التي أثر فيها المرسوم الطعين تأثيرا مباشرا. وبمعنى آخر أن المدعى بانتفاء صفة الناخب عنه وقت رفع الدعوى لا تتوافر له مصلحة شخصية محققه في الطعن على مرسوم يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية، ما يجعل دعواه حريّة بعدم القبول.

القرارات الإدارية قواعد عامة ملزمة

أما بشأن الدفع برفض الدعوى، فقالت الإدارة مع الافتراض الجدلي المحض بتوافر موجبات الاختصاص الولائي للمحكمة الإدارية بنظر النزاع الماثل، وتوافر شرائط قبولها من مصلحة وصفة للمدعي، فإن الدعوى تظل خليفة بالفرض وهو ما نوضحه في النقاط الآتية:

باستقراء لائحة الدعوى يتضح أن مثار النزاع الذي دعا المدعي إلى القول إن المرسوم الطعين أجرى ترسيما غير منضبط للدوائر الانتخابية هو وضع الدوائر بالمحافظة الجنوبية التي تم تقسيمها إلى ستة دوائر على رغم قله الكثافة السكانية بها بالمقارنة بالمنطقة الشمالية التي يقطنها المدعى. هذا وقبل تفنيد سند المدعي في دعواه فأن الأمر يتعين بداءة إيضاح أمر جوهري وهو أن القرارات الإدارية موضوع دعوى الإلغاء -وبحسب ما هو مستقر عليه فقها وقضاء - تنقسم من حيث مداها وعموميتها إلى قسمين مهمين هما: القرارات الإدارية التنظيمية أو اللوائح والقرارات الفردية، ويقصد بأولهما تلك التي تتضمن قواعد عامة ملزمة تطبق على عدد غير محدود من الأفراد، ولا يهم في ذلك عدد الذين تنطبق عليهم، أو كما تقول محكمة القضاء الإداري المصرية في حكمها الصادر في 4 يونيو/ حزيران 1953 «... فكثرة الحالات وقلتها لا تغير من طبيعة القرار التنظيمي ما دام القرار حوى قاعدة عامة موضوعية تطبق على أشخاص معينين بأوصافهم لا بذواتهم». ويقصد بالنوع الثاني من القرارات الإدارية «الفردية» القرارات التي تخاطب فردا أو أفراد معينين بذواتهم.

والفارق بين النوعين مرجعه إلى أن القرارات التنظيمية من حيث الطبيعة بمثابة تشريع يصدر من السلطة الإدارية، فهي تضع قواعد عامة مثلها مثل التشريعات الصادرة من البرلمان وتطبيق القاعدة العامة المجردة لا يستنفد موضوعها بل تظل قابلة للتطبيق في المستقبل بعكس القرار الفردي الذي ينقضي بتنفيذه.

ولما كان ذلك وكان المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية تنفيذ للمقرر الدستوري الوارد بالمادة 56 من الدستور التي تقرر أن انتخاب مجلس النواب يكون بطريق الانتخاب العام السري المباشر ويتألف من أربعين عضوا نصت في مادته السابعة عشرة على أن «تقسم مملكة البحرين إلى عدد من المناطق الانتخابية تشتمل كل منها على عدد من الدوائر الانتخابية، وينتخب عن كل دائرة انتخابية عضو واحد. وأناطت بموجب مرسوم تحديد المناطق والدوائر الانتخابية.

وإذ إن الثابت أنه تنفيذا للتكليف الوارد بنص المادة السابعة عشرة من قانون مباشرة الحقوق السياسية آنفة فقد صدر المرسوم رقم 29 لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية بتقسيم مملكة البحرين إلى خمس مناطق، وتقسيم كل منطقة انتخابية إلى دوائر انتخابية يتكون مجموعها من أربعين دائرة محققة في ذلك موجبات المقرر الدستوري الوارد في المادة 56 وموجبات قانون مباشرة الحقوق السياسية في أن ينتخب عن كل دائرة انتخابية عضو واحد.

والمحصلة فيما تقدم أن المرسوم الطعين بوصفه لائحة تنفيذية لقانون مباشرة الحقوق السياسية لم تأت أحكامه مخالفة لقواعد القانون الصادرة تنفيذا له أو متضمنة إضافة أو تعديل لأحكامه بما يتوافر فيه شرائط صحته ويكون بمنأى عن الإلغاء.

المساواة المحاسبيّة أمرٌ مستحيل

وأردفت القانونية في ردها على لائحة المحامي الشملاوي: من ناحية أخرى فإن ما يطالب به المدعي ويقول إنه تطبيق للمبادئ العامة للقانون تحقيق المساواة المطلقة في الاقتراع، في حين أن مساواة المطلقة التي تقوم على المساواة الحسابية التامة أمر يستحيل عملا. والقاعدة الأصولية في هذا الصدد أن «لا تنفيذ بمستحيل»، فالمساواة التي أخذت بها السلطة التنفيذية في توزيع الدوائر الانتخابية مساواة نسبية تقريبية يسهل تطبيقها بحيث لا يكون ثمة تفاوت شديد في تحديد الدوائر الانتخابية يصل إلى حد إهدار الثقل النسبي لكل صوت، وبهذا جاءت عملية التوزيع عادلة تماما وأدت إلى إفراز نواب للشعب يمثلون كل طوائفه وأطيافه هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار دائما وأبدا أن النائب لا يمثل دائرته فقط وإنما يمثل الدولة بأسرها وما الدائرة الانتخابية إلا واسطة لاكتساب العضو لنيابته.

أما بشأن المقارنة المحاسبية التي أجراها المدعي للتدليل على وصم المرسوم الطعين بعدم انضباط معاييره فقد نصت تلك المقارنة على المحافظة الجنوبية التي تم تقسيمها إلى 6 دوائر انتخابية بمقاله إن كثافتها السكانية لا تناسب عدد الدوائر، ونوضح لعدالة المحكمة الاعتبارات التي تم على أساسها هذا التقسيم للمحافظة الجنوبية.

- تعتبر جزر حوار قضية حساسة ومهمة جدا تمس سيادة المملكة، وقد تم تثبيت حق المملكة فيها بعد أن حكمت محكمة العدل الدولية بأحقية مملكة البحرين بها، كما أن مساحة الجزر تزيد على أي دائرة انتخابية أخرى، إضافة إلى اختلاف طبيعتها وبعدها الجغرافي عن أي دائرة أخرى.

- أما بخصوص الدائرتين الرابعة (الزلاق وبلاج الجزائر وأم جدر ورميثة والممطلة) والخامسة (جو وعسكر ورأس أو بجرجور ورأس حيان ورأس زويد والمناطق المحاذية لها)، فهي أيضا ذات طبيعة اجتماعية خاصة مختلفة كثيرا عن مناطق الرفاعين وغيرها، إضافة إلى وجود مساحات شاسعة يمكن استغلالها للنمو السكاني، فهي ليست كبعض مناطق العاصمة والشمالية التي وصلت الكثافة السكانية مداها، وبدأ السكان في النزوح عنها، إنما تعتبر هاتان الدائرتان من المناطق التي يمكنها استقطاب أعداد كبيرة من السكان بعد إنجاز المشاريع الإسكانية، كما أنها تبعد مسافات كبيرة جدا عن بقية الدوائر الانتخابية، ولا يمكن ضمان مشاركة أهالي هذه المناطق النائية إلا من خلال أن تكون دائرة مستقلة، وهي اعتبارات لا يمكن صرف النظر عنها.

- ولا تعتبر هذه القضية جديدة على المجتمع الدولي، فهناك الكثير من الدول أعطت الجزر النائية مقاعد في البرلمان على رغم قلة سكانها، وعدم تناسب عددهم بأي شكل من الإشكال مع عدد ناخبي بقية الدوائر، كما يتم إعطاء أهالي المناطق الزراعية قليلة الكثافة السكانية مقاعد دون اشتراط تناسب إعدادهم مع إعداد سكان المدن، كل ذلك يتم بشكل استثنائي محدود لضمان مبدأ المشاركة وتجنب عزوف فئات محددة من العملية السياسية لأنها تعرف سلفا أنها لا يمكن أن توصل صوتها من خلال هذه العملية، وكلنا نعرف أبعاد وسلبيات مثل هذا العزوف لو حصل.

- مما سبق نجد أن أسس إعطاء 3 مناطق في المحافظة الجنوبية خصوصية في تقسيم الدوائر قوية جدا ومعتبرة في كبرى الديمقراطيات العالمية، كما أن هذه المناطق الثلاث وحدها تشكل أكثر من نصف مساحة المملكة، ويجري العمل حاليا على إنشاء مشاريع إسكانية وسياحية ضخمة ستغير شكل وتركيبة هذه المناطق في المستقبل.

الخلاصة: ثمّة توازن بين الدوائر وفق معيار المساواة النسبيّة التقريبيّة

وبينت دائرة الشئون القانونية في خلاصتها من كل ما تقدم أن ثمة توازنا بين السكان في الدوائر المختلفة من المملكة وفق معيار المساواة النسبية التقريبية، ولكنها ليست مساواة حسابية مطلقة تمت على أسس محددة تشمل بدرجة أساسية على الكثافة السكانية مع اعتبار التجانس السكاني والمساحة الجغرافية والأهمية الاقتصادية والنمو العمراني والمستقبلي وسيادة المملكة وذلك كله من أجل ضمان المشاركة الايجابية من قبل المواطنين في العملية الانتخابية، فضلا عن أن هذا التقسيم بما يحمله من دقة وبساطة يتفق مع طبيعة النظام الفردي في الانتخابات على عكس نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة كانت أو النسبية.

والمحصلة فيما تقدم أن المرسوم الطعين أوكل له المشرع سلطة وضع الضوابط والمعايير التي يتم بناء عليها تحديد المناطق والدوائر الانتخابية وحدودها، وقد قامت بتنفيذ موجبات القانون دون الخروج عن قواعده بزيادة أو تعديل أو إضافة، ومارست سلطتها التقديرية بناء على أسباب سائغة لها أصل ثابت بالأوراق تكفي لحمله، ما يجعل النعي عليه بمخالفة المحل استنادا على المبادئ العامة للقانون عقيما لا يقوى أن يقوم على سند يحمله خليقا بالرفض.

وفي نهاية المذكرة الدفاعية، طلبت دائرة الشئون القانونية من المحكمة: أولا (أصليا) قبول الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا والقضاء به، وثانيا (احتياطيا) قبول الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة والصفة في دعوى الإلغاء والقضاء به، وثالثا (على سبيل الاحتياط الكلي): رفض الدعوى، ورابعا (وفي كل الأحوال) إلزام المدعي بالمصروفات شاملة أتعاب المحاماة.

العدد 2019 - الأحد 16 مارس 2008م الموافق 08 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً