العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ

تعدد الصيغ وتراكم الخلل

تلتفت إلى الصيغ الثقافية العربية الراهنة فلا تُفاجأ بهذه القدرة على استنساخ بعضها من دون خجل أو حياء، باشتغالها على العناوين، اليافطات، فيما المضامين هي ... هي، من دون قدرة على مُتاخمة الخلل، ومن دون القدرة على ضخ مزيد من الأسئلة والانشغال بها، وهي ... هي المنفتحة على شهية وشهوة الإجابات الجاهزة والنمطية.

تلتفت إلى مردودات تلك الصيغ وأثرها على أكثر من صعيد: بنية الثقافة ذاتها، عدا عن مضمونها، الواقع الذي تتراكم أزماته بفعل انفصال تلك الثقافة عن علله وأمراضه، والفضاء – إذا جاز أن نسمّيه فضاء – الذي تنمو وتتمدَّد فيه تلك العلل والأمراض، تلتفت فلا تقف إلا على اضطراد التراجع والخيبات والانحياز إلى المراوحة!.

لك أن تسأل بعد ذلك: لماذا لم تستطع تلك الصيغ أن تنأى بنفسها عن «الخلاف»؟ الذي هو في حقيقته «خلافات»، فيما تدَّعي، بإشهار تلك الصيغ واضطرادها «الاختلاف»، مايعني قدرتها على النفاذ إلى مساحات ومواضع «مختلفة» في بنية الخلل الذي تعاني منه محيطات تلك الثقافة، وبالتالي محاولة الوصول إلى مردودات لتلك الصيغ أكثر عمقا وقدرة على التعاطي مع ذلك الخلل.

ضمن ذلك كله، كيف يتأتى لتلك الصيغ الإدِّعاء بأنها تمثل حلا، أو لنقل مقاربة لخلل مُسمَّى – في تقريرية فجَّة – فيما الخلل متعدِّد بتعدُّد تلك الصيغ، وانفلاتها في كثير من الأحيان، وحال التعميق للخلاف، فيما «الاختلاف» مقصى ومبعد ومغيَّب؟.

***

من المفترض أن حال التعدُّد في الصيغ الثقافية نافذة أولى تطلُّ على مشهد الخلل ذاك، ومن ثم محاولة الاقتراب منه والنفاذ إليه. ما يحدث – راهنا – أن ذلك التعدُّد يكاد يعمد إلى إيصاد كل مايؤدي إلى تلك الإطلالة، ويعمل على التعتيم عليها.

من دون أن ننسى أن الصيغ تلك تنطلق من تصورات مسبقة هي نتاج لطبيعة وتركيبة تلك الثقافة التي تصادر السؤال، وتفرض إجابتها الخاصة.

ثقافة تهمِّش السؤالَ، وتُمركزُ الإجابةَ، هي في الصميم من الطعن في فاعليتها وقدرتها على اقتراح الحلول، عدا عن فرضها بيقينية هي في الذروة من الخلل الذي تعاني منه تلك الثقافة!.

كيف يمكن لثقافة أن تمعن في تراكم يقينيتها، وترى في تلك اليقينية قدرة على تجاوز إشكالات الثقافة وواقعها، فيما الواقع في تراجع واندحار ... فيما الثقافة في تأخر واستلاب، ألا تكشف تلك اليقينية عن مرض يصرُّ على عدْواه، وإن أدَّت تلك العدوى إلى نسف الماثل وما يمكن أن يمثُل ويقوم؟!.

ثمة مكابرة في الوعي واللاوعي هنا. في الوعي بتمثل شواهد الواقع ومآلاته، وفي اللاوعي بالإصرار على توسيع الفجوة بين تلك الثقافة، وبين الصيغ البديلة (لا أملك أن أسمِّيها، وليست تلك وظيفتي) التي يمكن لها أن تُحدث فروقا تُسهم في إعادة النظر في بنية تلك الثقافة.

يقول وليم شكسبير في مسرحيته «ريتشارد الثالث»:

«انخلع المسمار

فسقطت حدوة الحصان

فكبا الحصان

فسقط الفارس أرضا

فخسر الجيش المعركة

وضاعت المملكة»

وضوح الصيغ ومنهجيتها والانفصال عن حال اليقينية هي التي ستبقي الثقافة العربية فاعلة ومتجدَّدة وقادرة على اقتراح صيغ وحلول لإشكالاتها. انخلاع المسمار، ومن ثم سقوط الحدوة وكبوة الحصان، وسقوط الفارس/الفرسان أرضا، وخسران المعركة، والإسراف في الجهود من دون طائل، ومن ثم الخسران الذي يتم إعادة إنتاجه مع كل صرعة من الصرعات، ذلك ما يجعل الثقافة على النقيض من الفاعلية والتجدد وإمكانات تقديم صيغ وحلول لإشكالاتها.

العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً