العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ

خطأ موقف «الأصالة»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَا وقع يوم الجمعة في سوق واقف جريمة بشعة بكلّ المقاييس، ستظل محفورة في وجدان البحرينيين طويلا، وسنظل ندعو من أعماق قلوبنا ليمسح الله على قلوب عائلة القتيل، وأنْ يمنّ عليهم بالصبر والسلوان.

لن تجد أحدا يبرّر أو يُدافع عن جريمة، خصوصا إذا سال فيها الدم الحرام، كائنا مَنْ كان الجاني أو المجني عليه، ومن أيّ جنسية أو قبيلة أو دين. وفي المقابل يجب ألاّ يكون ذلك مبرّرا للانسياق وراء دعوات عنصرية الطابع ضد جنسية القاتل، فيما يشبه الهوجة الجاهلية، حتى ولو تصدّرتها جمعية إسلامية.

البحرينيون هم نصف سكّان البحرين فقط، والنصف الآخر من الوافدين، والكتلة الأكبر هم من الهنود، إذ يبلغ تعدادهم 230 ألفا، تليهم الكتلة البنغالية، ولا أدري عددهم بالتحديد، لكنهم لن يقلوا بحالٍ عن 100 ألف. أغلبهم يعمل في وظائف وضيعة، وظروف عملٍ صعبة، ويتلقون أجورا متدنية. ويمكن بسهولةٍ أنْ تتصوّر الواحد منهم يعيل أسرة من عدّة أفراد، والمطالبة بترحيلهم هكذا ليس قرارا مسئولا، وهو أقرب إلى التصرّف العاطفي؛ لأنه يعني تدميرا لحياة عشرات الآلاف من العوائل الفقيرة هناك.

إسلاميا... لا تزر وازرة وزرَ أخرى، وليس مقبولا من كتلةٍ إسلاميةٍ تمتلك ثمانية نواب، أنْ تتبنى هذا المطلب العنصري البغيض، الذي ينم عن اختلالٍ في القيم، واهتزازٍ في الرؤية.

التخلّي عن العمالة الأجنبية عموما ليس فقط صعبا في حالتنا الاقتصادية الراهنة فحسب، بل هو أقرب للأحلام، مع غياب رؤية وطنية لإحلال العمالة الوطنية، وما يُواجه ذلك من معوقات يعرفها الجميع. فنحن نعتمد على العمالة الأجنبية في كلّ شيء تقريبا، من كيّ ملابسنا وشراء خضرواتنا إلى تغسيل سياراتنا وبناء بيوتنا، وشعبٌ يعيش مثل هذا الوضع لا يستطيع أنْ يدّعي أنه يملك قراره الاقتصادي ويُدير عملية تنمية تنتهي به إلى الرخاء.

موقف كتلة «الأصالة»، ومع الأخذ بالاعتبار الظروف النفسية لنا كلنا كبحرينيين مصدومين من فظاعة الحدث، يبقى موقفا غير مقبول، خصوصا من جهة التعميم، وأخذ البرئ بجريرة المذنب، ممّا لا يرضاه الله ويصطدم بمبادئ الدين والضمير. والقول بوجود استياء متصاعد من هذه الجنسية أو تلك، أو اتهامها بالعصبية والعدوانية الشديدة، بحاجة إلى إثبات باعتماد أرقام وزارة الداخلية. وإذا كانت هناك إشكالاتٌ حول هذه الجنسية تحديدا، فلا يجوز استغلال هذه المصيبة الوطنية لارتكاب مصيبة أكبر باستهداف أفراد جنسيةٍ أخرى هكذا عميانا على غير هدى ولا بصيرة.

لستُ في موقع الدفاع عن هذه الجنسية أو تلك، لكن هناك مبادئ يجب ألا نحيد عنها. رَحِم اللهُ القتيلَ بواسع رحمته، ومسح اللهُ على قلوبِ أهلِه وعائلتِه بالسكينة والاطمئنان، لكن يجب ألا يستغل البعض هذه المصيبة في ركوب هذه الموجة العنصرية الكاسحة للتغرير بالشارع. وإذا صحّت هذه التهم المرسلة، فيجب ألا تؤخذ على عواهنها، بل ينبغي أنْ تناقش ضمن رؤيةٍ وطنيةٍ شاملة، بشأن العمالة الوافدة ومكّوناتها ومخاطرها، لا أنْ تخضع للميول الحادة والتقلبات المزاجية، فيصبح مَنْ كان يُدافع عن تجنيس هذه الفئة بالأمس على أنها قضية «مهاجرين وأنصار»؛ ليعود اليوم للمطالبة بطردها شر طردةٍ من البلاد. هدى اللهُ الجميع وأخذ بأيدينا إلى طريق الرشاد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً