من المستغرب جدا أنْ تقع البحرين في أزمة أسمنت، ولكن هذه الأزمة إنّما هي إنذار أوّلي لأمور قادمة مع استمرار طريقة التعامل الحالية مع شئون السياسة والاقتصاد... فلو قرأنا التصريحات فسنجد أنّ القيادة السياسية توجّه إلى ضرورة حل الأزمة عبر إفساح المجال لبناء المصانع والاستيراد من أيّ مكان. ولكن لو نظرنا على أرض الواقع فسنرى أمرا مختلفا. فوزارة الصناعة والتجارة سمحت ببناء مصنع للأسمنت منذ فترة طويلة وذلك بعد أن تأكّدت من الجوانب البيئية، وقام المستثمرون بشراء آلات ومعدات المصنع، ووصل كلّ شيء قبل ثمانية شهور، وكان من المفترض البدء بتركيب المصنع ومن ثم البدء بالإنتاج بعد ثمانية شهور. بمعنى آخر، كان من المفترض أنْ يكون لدينا إنتاج محلي من الأسمنت هذا الشهر لو سارت الأمور كما ينبغي.

بيد أنّ مايجري على الأرض ليس له علاقة بالتخطيط لمتطلبات البحرين بقدر ماله علاقة بتقاسم الكعكة... لذا، فإنّ المصنع معطل، وهناك قناعة لو أنّ المستثمرين كانوا غير المستثمرين الحاليين لاشتغل المصنع من دون عقبات. لقد تسبب تقديم المصالح الفئوية على المصالح الوطنية في أزمة أسمنت، ونرى أن التجاذبات الفئوية التي اقتنصت البحرين وكأنها صيد ثمين لايهمّها ولاتكترث بما تؤول إليه الأوضاع.

الأسمنت برز في هذه الفترة، وحل الأزمة يحتاج إلى النظر في كيفية تسيير الأمور بحيث تُزال التناقضات في القرارات على جميع المستويات، وتتحرك الجهود نحو أنموذج مختلف عن الأنموذج الحالي. فالبحرين وطن، وليس صيدا ثمينا يتم التهامُها بأسرع ما يمكن من قبل من لديه القوّة والنفوذ، أو مَنْ يسعى إلى مزيد من القوّة والنفوذ.

وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو قال في تصريح له أمس الأوّل: إنّ الباب مفتوح لبناء مصانع لإنتاج الأسمنت وبقيّة موادّ البناء الأخرى بحيث توضع في المواقع المناسبة ومن دون شك تراعي كلّ الاشتراطات البيئية وتفي باحتياجات البلاد . وقال: « إنّ الوزارة منحتْ بعض التصاريح لتأسيس مصانع جديدة للأسمنت في بعض مناطق البحرين منذ فترة طويلة من الزمن «إلاّ أنّ هنالك مَنْ اعترض على قيام هذه المصانع على رغم موافقة الهيئة العامّة للثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية؛ ما عرقل إقامة هذه المصانع وأوقف المشاريع قبل أنْ تبدأ».

أزمة الأسمنت سببها محلي بالدرجة الأولى، انتجتها ممارسات وعقليات خاطئة تتعامل مع الوطن بأسلوب غير سليم. أزمة الأسمنت إنذار لأزمات أخرى قادمة؛ لأن الأسباب التي خلقتها مستمرة.