العدد 2128 - الخميس 03 يوليو 2008م الموافق 28 جمادى الآخرة 1429هـ

قصائد مهبولة!

قد يبدو هذا العنوان مضحكا أو مثيرا للاستغراب، لكنه بالفعل مستخدم كمصطلح تقييمي للنص الشعري المسموع عند عدد من مستهلكي الشعر في عصر العولمة.

فهؤلاء حين يعجبون بقصيدة ما يقولون تلقائيا وبطريقة بديهية: والله قصيدة مهبولة! وكذلك عند إعجابهم بالشاعر يقولون والله بربي إنك مهبول! وإن كان المنتج امرأة قالوا: فديناك والله إنك مهبولة! سبحان الله! كيف تجرأ هؤلاء على الشاعر والشعر إلى هذه الدرجة المخلة ثقافيا واجتماعيا؟

لكن الأكثر إثارة للعجب أن الشعراء من الجنسين يستقبلون هذا الوصف ويعجبون به بل ويفرحون به! ولا يستغربون مثل هذا الوصف، وهذا هو منبع العجب، فكيف تقبل هؤلاء الشعراء - إن كانوا شعراء فعلا - أن ينعتوا أو تنعت قصائدهم بمثل هذا المصطلح الدخيل على بيئة الشعر؟!

لو استعدنا ذاكرتنا المشوهة - بفعل الإعلام - وقارنا بين الشاعر قبل ثلاثة عقود مثلا وشاعر اليوم، لأمكننا ملاحظة حجم النكبة التي تعرض لها الشعر والشاعر الحقيقي، وتعرفنا على درجة السقوط والابتذال في الذوق عند الشاعر والمتلقي معا، ولتعرفنا على عملية التشويه التي أحدثها الإعلام النفعي في وجه الشعر وقيمة الشاعر ونوعية المتلقي.

فشعراء الأمس القريب يطلق عليهم مصطلح (فحول) وشاعر اليوم يتقبل بكل أريحية مصطلح (مهبول)! لهذا انسحب شعراء الطبقة المخملية من الساحة الشعبية التي كانوا يتنافسون على مساحة الضوء الإعلامي فيها، لأنهم لا يريدون أن يحملوا تعريفا أو تقديما محرفا عن (صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر .. أو سمو الشيخ الشاعر) إذ لم يعد الشعر ولقب الشاعر ذا أهمية في زمن العولمة، التي اختلط فيها الحابل بالنابل.

إذا نحن أمام أزمة ثقافية أخلاقية اجتماعية وذوقية في الوقت نفسه، ولو تساءلنا من صنعها ؟ ومن المستفيد منها؟ وكيف تقبلها الشعراء؟ وكيف آمن بها المتلقي؟ لعرفنا حجم الفيروس الذي تحمله الحقنة الإعلامية المضللة التي جعلت الجميع شعراء! وجعلت الجميع أيضا يستهلكون الشعر، ولا يتهيبون من انتاج الردئ منه، والذي يحتفى به، وتفرد له الصفحات الملونة، ويقدم له بديباجة، ولعرفنا أيضا أن التجارة بالأدب والمشاعر لا هم لها سوى صناعة سوق استهلاكية، وأن حجم الأرباح تتزايد كلما كثر أعضاء هذه السوق، فالأدب هو آخر ما يفكر فيه هؤلاء، والشاعر المحترم لم يعد له مكان، وكلما كان الشاعر أقل أدبا كلما أصبح أكثر جماهيرية، وأصبح مبدعا، وأضحى سقفا إبداعيا يحلم المراهقون بالوصول إلى وصل إليه، بل ويرونه نجما يهتدى به في ظلمات الإقصاء الإعلامي، ولعرفنا كذلك أن هذا الابتزاز المخجل والذي يمرر تحت مسمى مسابقات، وترصد له الملايين، ليصطاد مئات الملايين، ويختار له نخبة من المزايين والمنافقين، لم ينشأمن فراغ، وأنه لن يقدم للأدب والأدباء إلا عملية لاستغلال الإنسان فقط، ولعرفنا لماذا أصبح الشاعر مهبولا والقصيدة مهبولة؟!

نعم لقد ولى زمن الفاعلية وأصبحنا في زمن المفعولية!

من هنا قال المستشعر عن نفسه:

قل ما تشاء فكلنا شعراء

والأرض أرض والسماء سماء

سالم الرويس

العدد 2128 - الخميس 03 يوليو 2008م الموافق 28 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً