العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ

مقتطفات من النصوص الفائزة في مسابقة «سينما سرد»

عاكفٌ على اقتنائها، تلك الحكايا وغرسِها في جناحيّ، فلا أنسى واحدة منها، بل إنني اصطاخها جميعا كلّما فردتهما في طريقي لالتقاطِ ريشةٍ هاويةٍ أخرى. أنا الذي لا تستهويه إلا النهايات، حيث هي أرابضُ منتظرا اكتمالَ المشهدِ لأختمَه وأمضي لآخر.. هكذا بلا توقف.. وهكذا بلا مماطلة أو مساومة. أتذكّرُ تفاصيلها، أكثرُ ممّا تفعل الأمّ التي منذ ذلك الفقد وهي أحيانا تخبط ببقايا إيمانها الواهنةِ أبوابَ عطاري القلوب باحثة عن عقّارِ النسيانِ، وأحايين ترقص بقدمين تطوقهما خلاخيلُ الكفرِ في طقوسِ دجلٍ على الذاكرة، أكثر مما تفعل؛ ذلك أنني أرى، فأشعر وأتماهى في لحظاتهم بعمقٍ لا يقوى عليه احتمالٌ بشريّ ولا تسعه ذاكرة متخاذلة...

زهراء اليوسف


عندما يلد الابن أمه

جلسَ وحيدا، يجترُّ هواء الغرفة العمياء ذاتها.. أرضيّة من الخشب الألمانيّ الفاتح، وسرير ضخم بلون الشوكلاتة السّويسريَّة النّقيَّة، وشيء من الأضواء الخافتة الّتي تتيحُ النَّظر والكآبة لا أكثر. وحده سعيد حفظ لمسة الموت المهذّب، وفرّق بين رائحة اللّيل ورائحة المفارش، وحده تزوّج كلّ التّفاصيل المملّة لغرفته ليلد كلَّ ليلة أمّا ميتة دون أن يقتنع أو يشكّ حتّى بأنّه عقيم.

أحمر، أزرق، أخضر، والبقيّة على خدّيه النّاعمين، ينتقي الطّباشير بعناية كبيرة كالعادة، يرسم على الأرضيَّة عينا تنظر إليه.. إليه فقط، وفما يجهِّز قُبلة دافئة له، وكفّا منفردا يتَّسع لرأسه الأشقر، وببطء يلوِّن المرأة المُسَطَّحة كما لو كان يحرصُ على عدم إيلامها. ينتهي من كلِّ شيء، يرمقُ الباب.. لا فائدة، يستلقي مكوِّرا نصفه السّفليّ كي لا يخرج عن نطاقها، يحجزُ له مكانا عند إبطها الأيسر، تماما حيثُ تضع الأمّ في الرّسوم المتحرِّكة طفلها.. هكذا تعلَّم، تماما حيث وضعته أمّه رضيعا، وشهقت للمرَّة الأخيرة.. هكذا حيثُ لم يعلم.

نور الحسن


قلق المشيئة

كيف أرمي صوتا في دوامة الصدى، وقد خضبته جلاميد الترقب والتروي؟

كيف أجدد هديرا عائدا إلى خواء ذاتي الفسيحة التي أكلها اليأس وطحنتها السنون ولونها الصدأ؟

أستلّ أيامي من جعبةٍ مزقتها شظايا حروب الأمس، أرتبها لعنة بلعنة، أجمعها مثل ما يجمع النهر أطيانه، أستلها يوما بيوم وأعيد تلوينها بنفس الألوان الباهتة، أعيد ترتيبها يوما بيومٍ في أكثر الزوايا الاختباء مني، أبحث من بين حقائبها الرمادية عن يومٍ لا تمازجه دمعة ولا يلونه ذبول، أشتهي أن أشرب من مائها الذكرى رغم عوالق طحلب التيه فيه، أشتهي أن أشم رائحة الرمضاء رغم العتمة التي تسطو عليها بلون القلق، ثم أحصي خساراتي بها وألملم بقاياي حزنا بحزن، قلقا بقلق وأعيد لها بعثرتها من جديد، تماما كأنا.

تسعون حُزنا وأنا جاثم في رحمها العقيم بلا حراك، تسعون قرنا والجاذبية تحاول أن ترفضني من سطوتها وترميني نفثه حسرة من فم ينفث النبض نبض الهلاك. تسعون لونا يا أمي، تسعون مهدا يا أمي، تسعون قلقا يا أمي، ولا أزال أنا كما أنا، ابنك العاق من رحمٍ عقيم، يلوذ ويصمت، يصمت فيتكسر وينثر أشلاءه عبر الأثير رذاذا بائسا يصبّ في مضمار الشقاء بطعم القلق وبلون الحزن، ينام ويصحو على أملٍ ويأس ويظمأ ويروى بذات الكأس.

أمينة آل عيد

العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً