العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ

إسهام القطاع الخاص في تطوير القدرات البشرية يعزز موقعه الاقتصادي والاجتماعي

تستهدف ورقة «دور القطاع الخاص في مجال التنمية الاجتماعية» استطلاع دور القطاع الخاص في التنمية الاجتماعية في الدول العربية بعد ان اضحى للقطاع الخاص دور مركزي في المجال الاجتماعي اسوة بالمجال الاقتصادي.

وتسعى الورقة التي قدمت في إطار فعاليات الدورة الرابعة والتسعين لاجتماعات الغرف التجارية والصناعية والزراعية العربية التي عقدت في المنامة، إلى تلمس الابعاد والادوار الاجتماعية للقطاع الخاص في سياق عمله الاقتصادي، وتشير إلى ان مختلف المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الدول العربية منشؤها انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وسوء توزيع الدخل، ما ادى خلال العقدين الاخيرين إلى ازدياد معدلات الفقر وتفشي البطالة وخصوصا بين الشرائح الفتية في المجتمع.

وتبين الورقة انه مع ارتفاع معدلات النمو السكاني وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتدنيها، حدث تدهور في معدلات الدخل الفردي، فضلا عن تداعيات وانعكاسات السياسات الانفتاحية التي يتم انتهاجها عربيا في ظل سيادة تيار العولمة، الأمر الذي ادى إلى مزيد من التدني في القدرة الانتاجية.

وأشارت الورقة إلى ما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي صدر خلال العام 2002 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يبين الحاجات الاساسية لتطوير القدرات البشرية تعزيزا للتنمية والتطوير ويشكل وثيقة مهمة يجب الرجوع إليها في تحديد ابعاد التنمية الاجتماعية والمجتمعية. ويشار في هذا المجال إلى ان التنمية التكنولوجية، التي فتحت ابوابها ثورة الاتصالات والمعلومات وتنامي قوى السوق الحرة في إطار من العولمة الاقتصادية، لها ابعاد اجتماعية جديدة ترتبط بالتغيير الذي طرأ على المفاهيم والمعادلات الاقتصادية التي تحولت من الارتكاز على الموارد الطبيعية إلى التمحور حول تكثيف المحتوى المعرفي في السلع والمنتجات. وانطلاقا من ذلك، يمكن تحديد ثلاثة محاور جوهرية لابد وأن يتركز عليها البعد الاجتماعي والانساني الجديد للتنمية التكنولوجية. وهذه المحاور هي: تطوير القدرات البشرية، وتوسيع الخيارات المتاحة أمام المبادرات الخاصة، وزيادة مساهمة مختلف الشرائح الاجتماعية بالحداثة والتكنولوجيا.

إن التنمية البشرية هي عملية ديناميكية متطورة ومستمرة، نتائجها تأخذ صورا وتعبيرات مختلفة تعكس التغيرات والتطورات التي احدثتها التكنولوجيا، وتنعكس على المستوى الاقتصادي من خلال حدوث زيادات في الكمية الانتاجية، وتحسين في النوعية، وابتكار للجديد والمستحدث في كل من المحاور الاساسية المبينة أعلاه، من القدرات والخيارات والمساهمات المجتمعية.

تنمية اجتماعية

وأوضحت الورقة ان تطوير القدرات البشرية يتضمن جميع المقدرات البنيوية والفكرية والاجتماعية. ولذلك فإنه ينطوي على احتياجات متنوعة لتحسين القدرات البشرية وطاقاتها، من صحة وغذاء وتعليم وإسكان وبيئة سليمة وأمان وغيرها.

ويتصل المحور الثاني بتوسيع الخيارات للمبادرات الخاصة، ويتركز ذلك على حرية اتخاذ القرارات بعيدا عن شبح الجوع والبطالة والتمييز. أما المحور الثالث المتعلق بزيادة مساهمة الفرد في المجتمع، فيرتبط بجسور من العلاقات بين الفرد ومجتمعه المحلي، أو الوطني، أو القومي، أو الانساني بشكل عام. ويشار هنا بصورة خاصة إلى أهمية فتح المجال لتوسيع مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية العربية وأهمية ازالة العراقيل التي تحول دون ذلك.

ورأت الورقة أن المسئولية الاساسية تقع على الحكومات بالدرجة الأولى، لكنها تتكامل مع مسئوليات اساسية على القطاع الخاص وعلى المجتمعات الأهلية. فالقطاع الخاص بات يمثل الدافع الرئيسي للتنمية الاقتصادية الحديثة وعمادها الرئيسي. وهناك دور اساسي على منظمات اصحاب الاعمال والمؤسسات الراعية لنشاط القطاع الخاص، باعتبار ان الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لها الحصة الغالبة بالنسبة إلى معظم النشاطات الاقتصادية في الدول العربية. ولابد من مساعدة هذه الشركات والمؤسسات بمؤازرة الحكومات من اجل تحديث نفسها وتعزيز إمكاناتها التكنولوجية وتوفير العناصر البشرية المؤهلة والكفوءة لرفع قدراتها الانتاجية والتنافسية، ومدها بالقروض والتمويل الميسر، لكي تتمكن من مواكبة التطورات العصرية وتطوير قدراتها على العمل وعلى خلق فرص عمل جديدة. وذلك شأن ضروري للسلامة المجتمعية والتوازن المجتمعي، لأن اصحاب هذه المؤسسات عادة ما يشغلون الطبقة الوسطى في المجتمع. وهذه الطبقة حيوية جدا لتحريك الاقتصاد وتنشيطه ودفعه نحو كل ما هو جديد ومتطور، وإغنائه بالطاقات الخلاقة والمرنة، فضلا عن أهميتها المحورية في حفظ توازن المجتمع.

والواقع ان المؤشرات الاقتصادية العربية تظهر وجود ثغرات اساسية تؤثر على كفاءة التعامل مع العولمة الاقتصادية وعناصرها التنافسية. ولعل من أهم نقاط الضعف تواضع مستوى الانتاج وافتقاره إلى التنوع، فضلا عن الضعف في الانتاجية، وضآلة حجم التصدير، وتواضع حجم وحركة الاستثمار الخاص المحلي والدولي. كما ان المؤشرات المرتبطة بالاقتصاد المعرفي متواضعة هي الاخرى في غالبية الدول العربية. فالعالم العربي يحل في المراتب الدنيا في العالم من حيث عدد المواقع على شبكة الانترنت، كما من حيث المستخدمين لهذه الشبكة.

وهذه من أهم المؤشرات المحددة لمدى تكامل اقتصاد ما مع الاقتصاد الدولي المعرفي. حتى ان استخدام تكنولوجيا المعلومات يقتصر في غالبيته على الاستخدامات المكتبية، ونادرا ما يتم استخدامها في المجال الانتاجي المرتكز على التطبيقات التكنولوجية الحديثة في المشروعات الانتاجية والخدمية.

ودعت الورقة إلى التركيز على اربعة مجالات اساسية، وهي: بناء القدرات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تستطيع ان توسع الفرص والخيارات، وتطوير المهارات للقوى البشرية، وبناء شبكات الأمان الاجتماعي التي تستهدف المجموعات الاكثر حاجة بغية الحد من الفقر، وتطوير قنوات التعاون ما بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات الأهلية.

وتوقفت الورقة عند الاختلال الاساسي الموجود حاليا في اسواق العمل العربية، الذي يتمثل في سياسات التوظيف الحكومية التي ادت إلى إثقال القطاع العام بالتضخيم الوظيفي المتنامي، الذي ادى بدوره إلى تراجع متواصل في الكفاءة الانتاجية. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل ان هذه السياسات أعطت مؤشرات خاطئة عن معدلات التوظيف في الاقتصاد، لما تخفيه من مستويات عالية ومتنامية من البطالة المقنعة.

وطالبت الورقة بضرورة الاستثمار المكثف في التنمية البشرية وفي تحديث القدرات التكنولوجية اللذين يمثلان العصب الاساسي لهذه الاتسراتيجيات. فالاستثمار في التنمية البشرية لا يقل أهمية عن الاستثمارات الاخرى، بل ان الاستثمار في تكوين المهارات البشرية يكاد يفوق في اهميته التراكم المادي لرأس المال، وخصوصا في ظروف العولمة التي تسارع في عمليات النقل التكنولوجي، الذي لا يمكن تحقيقه بالفعالية المطلوبة من دون وجود قاعدة مؤهلة من رأس المال البشري.

ودعت الورقة إلى ضرورة إجراء الاصلاحات الهيكلية بأقل قدر من التأثيرات الاجتماعية السلبية، والتي تأتي في مقدمتها خسارة عدد مهم من الموظفين والعمال لوظائفهم من جراء هذه الاصلاحات. ويجدر البحث في مختلف الخيارات الممكنة التي تحقق كفاءة في إعادة الهيكلة بأقل قدر من الخسائر الاجتماعية. كما يجب النظر إلى دور سياسات التوظيف في توفير المساعدات الظرفية للجهات المتأذية، مع تأهيلها للعمل مستقبلا في وظائف وقطاعات تستقطب كفاءاتها. ومن المفيد الاسترشاد والاستفادة من التجارب الدولية في مجال معالجة هذا النوع من المشكلات الاجتماعية الملازمة لعمليات إعادة الهيكلة.

واعتبرت الورقة أن التحدي الرئيسي أمام البلاد العربية هو استيعاب الزيادات السنوية في القوى العاملة، إلى جانب توفير فرص العمل لغيرهم من العاطلين عن العمل.

فالبطالة تقدر حاليا بحوالي 20 في المئة، فيما تدخل سنويا إلى اسواق العمل العربية اعداد متزايدة من القوى العاملة الجديدة، وبما يفوق الفرص الوظيفية الجديدة التي يتم إيجادها. ويخشى من تأثيرات ذلك على المستويات المعيشية وزيادة الضغط باتجاه خط الفقر، في الوقت الذي يقدر فيه الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم بحوالي 30 في المئة من إجمالي سكان المنطقة العربية. فالبلاد العربية تضم عددا من أغنى الدول في العالم، كما تضم عددا من أفقرها على الاطلاق، فيما يوجد تفاوت بيّن في كل منها.

ولا شك في أن التعليم وتطوير المهارات البشرية يمثلان جواز العبور إلى الاستقرار الاجتماعي. وإن حققت البلاد العربية عموما تقدما ملحوظا في تحسين وتوسيع ابواب التعليم تجاه مختلف الشرائح الاجتماعية، فإن هذه المكاسب الكمية لم تترافق مع قفزات نوعية مواكبة. فالاختلالات ما بين النظم التعليمية واسواق العمل تعد من أهم أسباب الزيادة في معدلات البطالة، وخصوصا بالنسبة إلى خريجي المؤسسات التعليمية الجدد. وهناك حاجة أساسية إلى إصلاح نظم التعليم والتدريب بهدف تحديث القوى العاملة وتزويدها بعتاد قوي من المعرفة، والمهارات، والكفاءة، والاقدام، والتأهيل الشخصي المناسب لبيئة أسواق العمل في الحياة الواقعية.

إن القطاع الخاص العربي يسعى بكل قدراته إلى أن يكون له دور فعال في التنمية الاجتماعية، إلى جانب الدور الذي يقوم به في المجال الاقتصادي باعتبار أن هناك ترابطا لا ينفصم بين المجالين الاجتماعي والاقتصادي، وان كلا منهما يصب في الآخر لا محالة

العدد 253 - الجمعة 16 مايو 2003م الموافق 14 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً