العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ

إبداع في تطفيش الكفاءات... المعالجة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

أرجو أن تكونوا قد تابعتم المقال السابق التي تحدثت فيه عن الإبداع السلبي غير الإيجابي الذي يعتري بعض الوزارات والمؤسسات والذي يظهر في الغالب على شكل مرض إداري مستفحل يعاني منه من يعانيه ويتأذى منه الكثير ممن حولهم.

المرض بحسب التسمية التحليلية «إبداع في تطفيش الكفاءات» نعم لأن بسبب وجود المرض على السطح قد يتسبب في تطفيش وقتل الإبداع بدلا من استغلال الإبداع بكل أبعاده الإيجابية في محاولات لاستقطاب المبدعين واستغلال نواحي التميز لديهم، نجد أن قوة المرض تطغى عليهم وتجعل من تصرفاتهم السلبية نتائج غير إيجابية بدورها تؤثر على بيئة العمل وعلى نفسيات الموظفين وعلى النتاجات المتوقعة منهم.

أمر مؤسف تاريخ ذلك المرض؛ لأنهم واهمون بأن كرسيهم الذي يجلسون عليه ملك لهم، وكل من حولهم يجلسون أيضا ملك آخر لهم، حينما يشعر الإداري بأن ذلك ملك له يشعر بالفخر والاعتزاز وهو قمة الإحساس بالمرض والإعياء فهناك تحديات كبيرة عليه يجب أن يلتفت إليها، فربما يأتي البعض للمنافسة على كرسيه أو السيطرة عليه أو ربما يأتي من هو أقوى وأجرأ منه ويحاول قلب الطاولة عليه.

تصبح هناك مقاومات وردات فعل غير عادية سواء من قبل الإداري نفسه أو من قبل الموظف العادي، المقاومة غير الطبيعية بحد ذاتها تجعل الإداري أو الموظف العادي غير طبيعي وغير عادي، وعندما يصل الأمر إلى هذا المستوى فإن العمل بطبيعة الحال يخرج من محتواه الاعتيادي إلى الحالة المرضية القاتلة؛ لأن الطموحات حينها تموت والكفاءات تقتل والإنتاج يكون في أدنى مستوياته والنفسيات تكون في غير صحتها؛ لأن الإبداع الممارس إبداع سلبي قد استطاع السيطرة التامة على كل مكامن الإبداع بأبعاده الإيجابية.

بدورنا نقدر لجميع الإداريين مهما كان مستواهم مهما كانت درجة وعيهم بمسئولياتهم مهما كان أداؤهم مهما كان الأسلوب الذي من خلاله جيء بهم إلى هذا المركز مهما كان أسلوب تعاطيهم مع الأمور الإدارية مهما كانت أساليبهم وطرقهم في التعاطي مع من حولهم من موارد بشرية وأخرى مادية، نعلم يقينا بأن هناك مقدارا محددا من المسئوليات تزيد عند البعض وتقل عند البعض الآخر، ولكن ما نطلبه منهم أن يكون وعيهم بمن حولهم يكون أكبر وأذكى؛ لأن الكثير من الأمور لا نحس بها في وقتها ونشعر بها بعد فوات الأوان.

علينا أن نستثمر ما لدينا من بؤر إبداعية بأساليب أكثر إبداعا وعلينا أن نفخر بأن لدينا كفاءات معينة في مجالات مختلفة وعلينا مسئولية كبيرة تجاههم علينا أن نستغلها، وعلينا أن نجلس جلسة صمت وبصدق مع أنفسنا لمحاسبتها حسابا عسيرا قبل أن نحاسَب يوم الحساب؛ لأن البعض يتجاهل هذا الحساب لأنه مؤجل ويتكبر بل ويبرر الكثير من الحسابات الأخرى ويقلل من شأنها بسبب مقدار الغطرسة ومقدار الغرور ومقدار أكبر من الأنانية والنرجسية، تلك الخلطة السبب الحقيقي للكثير من المشاكل والقضايا.

ليس من الصحة أبدا أن نستصغر عطاء مَنْ حولنا أو نهمش البعض أو نقصيه بمزاجنا وبإرادتنا، علينا أن نكون واقعيين وأن نعدل، عمره الإقصاء ما كان مؤشرا على العدل وتكافؤ الفرص، وعلينا أن نتحمل بعضنا أكثر وأن نقبل كل الآراء بصدر رحب.

مؤسف أكبر أن تكون البقعة التي نعمل بها بقعة لرعاية الإبداع والمبدعين ونواجه فيها المبدعين والمتميزين بأساليب غير إبداعية وكأننا نجهل معاني الإبداع ومفاهيمه ومضامينه وسبل رعايته.

بقي أن نؤكد من هذا المنطلق لكل هؤلاء الذين أساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى الآخرين بمقدار أكبر، واجبنا أن نهمس في آذانهم ونقول لهم بالهمس حتى لا يثير ذلك حفيظتهم: الإبداع في تفجير الطاقات فخر لنا لا يُعد ذلك عارا علينا أبدا، والإبداع في كسب الطاقات أيضا إنجاز كبير يجب أن نحرص على الإتيان به وهو أمر يستحق أن نصفق عليه من قلب، ولكن الإبداع في تطفيش الكفاءات مرض قاتل علينا محاربته والقضاء عليه بل علينا الوقاية منه لا العمل على نسخه واستنساخه، فالتنمية مهددة حينئذٍ بمزيد من التخلف ومزيد من الحرمان.

عيب علينا أن نقلد بمسئولية كبيرة من باب الثقة ونفشل فيها لأسباب نفسية، ونتأخر عن القيام بواجباتنا لأسباب نفسية أيضا ونظل نتمسك بالأسباب النفسية لكونها مبررة ومسببة لدى الجاني (المريض الإداري) ونتأخر نحن ونحبط غيرنا ومن حولنا بسبب الأوهام النفسية، وعار كبير علينا أن نلقي بالإبداع وراء ظهورنا ولا نتمسك به كأسلوب أثبت نجاحه ونحن نعمل في بقعة تخصه ونواجه فيها المبدعين وندعي بأننا رواد الإبداع والأحضان الدافئة له.

بشكل عام، علينا أن نطور من أدواتنا وأساليبنا الإدارية لنغادر أمراضنا ونترك مرضنا وحالتنا غير الصحية لنصل إلى حالة السواء إلى الحالة الصحية لا المرضية، فالمرض لا يمكن أن يأخذنا إلى الأمام ودائما يؤخرنا.

والإداريون غير المبدعين عليهم أن يعملوا على غرس الإبداع في نفسياتهم أولا ونفسيات من يديرونهم ثانيا، لا العمل على استغلال الإبداع المرضي في تطفيش الكفاءات، قمة الإفلاس حينما نضطر إلى ذلك.

وأظن أننا لسنا بحاجة أبدا إلى إداريين مفلسين ومصابين بأمراض إدارية مقاومة للإبداع وطاردة للكفاءات. والله يكفينا ويكفيكم شر المرض وشر التطفيش والإقصاء.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً