العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ

ظهور القبائل العربية

الفترة الهلنستية في البحرين شهدت أزدهارا في الزراعة من جديد و ازدياد اماكن الإستيطان في البحرين مما أدى لوفود شعوب أخرى تزاوجت مع الشعب المتبقي من حضارة دلمون. و قد استمرت الهجرات إلى البحرين بعد ذلك حتى مجيء القبائل العربية قرابة 300 م، ومن تلك القبائل العربية بكر بن وائل و تميم و إياد و كانت قبيلة عبد القيس هي آخر القبائل و أقواها و التي سيطرت على البحرين.

وقد انتشرت القبائل العربية في المدن والقرى، وخالطوا السكان القدماء، وشاركوهم في أسلوب حياتهم ، وزاولوا الزراعة والصناعة. و قد كانت المدن في ذلك العهد تزخر بخليط من السكان، كالنبط وهم جالية من الكلدان والسريان، والزط وهم السبابجة من جاليات السند، كما توجد فئة تسمى الجرامقة وهم جالية من العجم والأنباط و شعوب من كيش (قيس) و مكران (بلوشستان) بالإضافة إلى الجالية الفارسية، التي كانت تتمتع بنفوذ سياسي، ومكانة اجتماعية، لاسيما حين سيطرت الدولة الفارسية على البلاد.

وهذه الجاليات كانت لها تقاليدها ودياناتها كالمجوسية واليهودية والنصرانية والوثنية، وهي معروفة حتى بعد ظهور الإسلام وكانت تتمتع بالمراكز الإدارية والجاه والنفوذ، وتسيطر على الحياة الإقتصادية. و لكن بدخول القبائل العربية يبدو أن تلك الجاليات قد فقدت رصيدها الإجتماعي والسياسي والإقتصادي خاصة بعد حروب الردة، وتضاءل وجودها في المجتمع، بعد أن سيطر بنو عبد القيس، فلم يعد لها ذكر فيما بعد. وقد تغلبت العناصر العربية المتمثلة في قبيلة عبد القيس والقبائل المنضوية تحتها من بكر بن وائل وبني تميم، فكتبت لها السيادة في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، و أذابت الشعوب القديمة في بوتقتها حتى طبعت التركيب السكاني في المنطقة بطابعها، بانتشار افخاذها في المدن والأرياف والبادية.

و هكذا تكوّن شعب البحرين القديمة (جزر البحرين و شرق الجزيرة) الذي ساد عليه العرق العربي فيما بعد إلا أن تأثيرات الأعراق الأخرى لم تندثر كليّا، فبعض الصور الجينية لتلك الشعوب القديمة و التي لها ميزات إنتقائية كفقر الدم المنجلي و الثلاسيميا بقيت وانتشرت بسبب إنتشار مرض الملاريا في تلك المناطق. و تم توارث تلك الأمراض حتى يومنا لتبقى شاهداعلى أصالة شعب هذه الأرض.

تطور اللهجات في البحرين قديما:

عرفت أقدم لهجة عربية يُتحدث بها في جزر البحرين باسم لهجة البحارنة و ذلك إعتمادا على الدراسات اللغوية و خصائصها العامة. أما اللهجة الأخرى المتحدث بها في البحرين فقد أصطلح عليها اسم لهجة الخليج العربي لسيادتها في الخليج العربي و هي لهجة القبائل التي استوطنت البحرين على مر العصور و حافظت على نمطها القبلي. و ما يهمنا هنا هو لهجة البحارنة لأنها الأقدم و كيف تبلورت و كيف انقسمت فيما بعد لعدة لهجات فرعية.

لقد كانت اللغة الفارسية منتشرة في جزر البحرين و شرق الجزيرة العربية قبل مجئ القبائل العربية. و كانت اللغة الآرامية هي اللغة الطقوس الدينية المستخدمة في الكنائس و من يعمل فيها، و لكن الفرس سيطروا على الديانة النسطورية و أسبغوا عليها السبغة الفارسية. و عمل مترجمون متخصصون في تلك الفترة على ترجمة الطقوس من الآرامية للفارسية لتصبح اللغة المتحدث بها و اللغة الطقسية أيضا. و استمر هذا الحال ردحا من الزمن.

و عند مجئ القبائل العربية لم يعيشوا منعزلين عن باقي الشعوب التي كانت تستوطن البحرين و شرق الجزيرة العربية من المتحدثين بالفارسية و الآرامية بل اندمجوا معهم. فهناك العديد من الإشارات إلى أن القبائل التي سكنت البحرين دانت بالديانات المتواجدة فيها كاليهودية و المجوسية، و أكثر الديانات التي انتشرت بين القبائل العربية في جزر البحرين و ما حولها هي الديانة المسيحية التي تغلغلت في منطقة البحرين و انتشرت فيها و غلبت على قبائل قضاعة و طي ثم ظهرت في ربيعة فغلبت على تغلب و عبد قيس و بكر بن وائل. ويبدو أن انتشار المسيحية كان قويا في أفراد عبد قيس فيذكر ابن حزم أن عبد قيس بأسرها اعتنقت هذه الديانة.

وهذه حقيقة لا ينكرها أحد من المتقدمين و المتأخرين من الكتاب. وقد وردت عدة إشارات تدل على أن القبائل العربية عابت على بعض القبائل كقبيلة عبد قيس أنها أندمجت مع الشعوب الأخرى وتقبلت العمل في الزراعة و غيرها من المهن التي كانت تترفع عنها القبائل العربية و انعكس ذلك في العديد من الأشعار.

و بالإمتزاج تداخلت بعض الألفاظ الفارسية و كذلك المصطلحات و خاصة مصطلحات الحضارة الفارسية التي كانت تجلب لتلك المناطق عبر التجارة. و عليه لا يستغرب وجود تداخل في الألفاظ الفارسية للغة سكان هذه المناطق.

أما التأثير الآرامي فلم يكن كبيرا على السكان حتى و إن استخدمت كلغة رسمية و قد نقش بها على المسكوكات النقدية في فترة معينة إلا أنها لم تستمر و ذلك بسبب وجود لهجة محلية خاصة بسكان شرق الجزيرة العربية و هي التي عرفت “بالإحسائية” وهي لهجة محلية قريبة من العربية لكنها تكتب بحروف العربية الجنوبية.

ولكن تأثيرات اللغة الآرامية نجدها إلى الآن و ذلك في غياب الأصوات الأسنانية «الثاء» و «الظاء» و «الذال» من اللهجة البحرانية حيث تلفظ الأولى «فاء» و الثانية «ضاد» و الثالثة «دال». و كذلك الضمائر «أنتين» و «أنتون» جاءت من الآرامية.

و قد ساهم غنى المنطقة بالموارد الطبيعية في بلورة اللهجة الخاصة بهذه المنطقة. فطبيعة الأرض تتدخل في العوامل المؤثرة على اللغة، فالأرض التي تشح فيها مقومات الحياة يضطر سكانها الى الترحال فينشأ عن ذلك تمازج واختلاط مستمر بين سكان المنطقة مما يؤدي إلى ثبات اللغة وعدم انقسامها إلى لهجات كثيرة. فلو حدث انحراف في لغة قبيلة ما فسرعان ما يتصحح عند انتقال القبيلة واحتكاكها بالقبائل الأخرى، ومشافهتها لها. والعكس صحيح، فلو حدث ان كل بقعة سخية بالمقومات الأساسية للحياة انعزل فيها الناس عن بعضهم البعض لأدى ذلك إلى انحراف اللهجة.

و هذا ما حدث في البحرين، فبعد الإسلام انعزلت جزر البحرين و المنطقة الشرقية على نفسها، وكان انعزالا عقائديا و اقتصاديا و سياسيا و كذلك طبيعيا. و بسبب الأرض الغنية طبيعيا بمواردها في هذه المنطقة انقسمت المنطقة لعدة مناطق صغيرة و تلا ذلك انقسام في لهجتهم الأم و تكونت لهجات فرعية عديدة.


هل تصلح اللهجة أن تكون دليلا على أصل شخص ما ؟

بمعنى هل جميع من يتحدث باللهجة البحرانية يتوجب أن يكونوا من أصل واحد ؟

قبل الإجابة على هذا السؤال علينا أن نعلم أن هناك تشابها في عملية تبلور لهجة معينة و عملية تكون بصمة وراثية خاصة في جماعة معينة. فلو انعزلت مجموعة صغيرة معينة من السكان في منطقة معينة دون الإختلاط بجماعات أخرى فإنها ستكون لنفسها بصمة وراثية خاصة بها تميزها عن غيرها من الجماعات، و لكن كي يحدث ذلك يجب أن تتوفر الشروط التالية :

1 - غنى المنطقة التي سكنتها الجماعة بالثروات الطبيعية

2 - أن يكون عدد الجماعة صغيرا؛ فكلما كبرت المجموعة قل إحتمال تكون بصمة وراثية خاصة بها.

هذه الشروط هي ذاتها الشروط التي يجب توافرها لتكون لهجة خاصة بجماعة ما. فكما سبق وأن ذكرنا، فثراء الأرض بالموارد و قلة السكان تلعب دورا هاما في تطور اللغة. و لكن، هل هذا يعني أن اللهجة تصلح لأن تكون علامة مميزة لأصل شخص ما ؟

الإجابة «لا» و السبب في ذلك إن اكتساب اللهجة يأتي بالتعايش مع أو بالقرب من تلك الجماعة، و أنها تتبلور عند الشخص بالممارسة، وربما تستمر مع شخص ما أو ربما يغيرها شخص آخر. بينما الجين لا يأتي إلا بالتوارث فلا يمكن التبرؤ من الصور الجينية المورثة أو نزعها من ملف التاريخ الجزيئي لأي مجموعة بشرية.

فكما رأينا الشعوب العربية القديمة التي استوطنت البحرين لها لهجة واحدة (وإن انقسمت على نفسها إلا أن لها نفس الخواص) بل و عقيدة واحدة، و لكن لا نضمن أن يكونوا جميعا من أصول واحدة عاش أجدادهم الأوائل جنبا إلى جنب. فأن نقول أن هناك طبقات من الشعوب العربية القديمة التي استوطنت البحرين هو أقرب إلى الصواب من أن نقول بأن شعب البحرين أصله عربي

العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً