العدد 2568 - الأربعاء 16 سبتمبر 2009م الموافق 26 رمضان 1430هـ

تطور طرق صيد الأسماك

السم والحداق

ناقشنا في الحلقة السابقة الحفرة وطريقة صيد الأسماك باليد, وهناك طريقة أخرى تمسك فيها الأسماك باليد بعد أن يتم تخديرها بسم خاص تعارفت عليه العامة بسم السمك.

ربما لم يعد السم يستخدم في صيد الأسماك لكن الصورة التي ارتسمت للأسماك وهي تترنح وتلف وتدور حول نفسها وتقفز من الماء بعد تناولها السم أخرجت لنا المثل الشعبي الذي لايزال متداولا وهو «كأنه ميده ماكله سم», والميد نوع من الأسماك الصغيرة وهو المعروف بالبوري. وطريقة الصيد بالسم عرفت منذ القدم ذكرها أرسطو قبل أن يذكرها العرب. وقد اشتهرت مجموعة من النباتات كانت تستخدم كسم للأسماك, والمشهور عندنا نوعان من بذور النباتات تستخدم كسم للسمك الأول وهو Anamirta paniculata والمسمى بالفارسية «مرگ ماهي» وفي العراق «زهر», و الآخر هو Verbascum thabsus المسمى بالفارسية مازريون وعرفته العرب باسم ماهي زهره وماهي زهرج, و أحيانا يطلق الاسم ماهي زهر على النوع الأول, أما زعم بلغريف في مذكراته أن سم السمك هو بذور الليلك الفارسي فهو زعم لم أجد له صحة, وعبر التاريخ استخدم الليلك الفارسي لتحضير سم السمك ولكن من أوراقه لا بذوره.

ويحضّر سم السمك بتحميص البذور تحميصا خفيفا ثم تدق حتى تصبح مسحوقا، بعد ذلك يضاف إلى المسحوق الدقيق أو معجون الرز الأبيض وسرطانات بحر صغيرة أوالروبيان بعد أن يتم دقها, ثم يعجن عجنا جيد حتى يمتزج وفي هذه الأثناء يضاف إليه الصل وهو زيت من أصل سمكي. وقد وصف بلغريف في مذكراته رحلة لصيد السمك بالسم جاء فيها:

«وقبل أن أغادر (جدة) يقوم الرجال بإعداد (طُعْم السمك) وهي المادة المستخدمة في اصطياده والتي تتكون من سراطين البحر والأسماك الصغيرة المخلوطة مع الطحين والبذور الجافة لزهرة الليلك الإيرانية المسحوقة جميعها لتكّون عجينة لزجة لها رائحة مميزة. وعندما نصل جزيرة (البينة) نلقي مرساة (اللنش) ونقفز إلى البحر ونسبح حتّى الشاطئ الرملي الأبيض حيث أقف في عرض الماء المالح الذي يغطي نصف جسمي وأراقب عملية الصيد. ويبدأ الرجال الحاملون معهم أواني (طعم السمك) بخوض المياه ونثر كميات كبيرة منها على مساحة واسعة من السطح، ثم ينضمون إلينا على الشاطئ. وبعد الانتظار لمدة عشرين دقيقة تقريبا نرى طيف السمك الفضي وهو يقترب من مكان (الفخ) وبعد فترة طويلة قليلا نشاهد بوضوح أسماكا كثيرة تندفع في دوائر أو تغدو وتجئ وتنزلق بسرعة في سطح الماء. وما هي إلاّ لحظات أخرى حتّى يحيط بالجزيرة من جميع جوانبها الأسماك المتحركة بطريقة تولد على ذعرها. ثم يدخل الرجال إلى البحر فيخوضون ويسبحون فيه ويغوصون إلى أسفله وهم يصطادون الأسماك إذا استطاعوا ذلك بأيديهم العارية. ورغم كون السمك مخدرا إلاّ أن الإمساك به لم يكن أمرا سهلا, وحينما أحاول اصطياده تضرب السمكة يداي بزعانفها الحادة وتتخلص منا بسبب كونها ملساء مما يجعل القبض عليها صعبا. بعض الرجال يقومون بصيد السمك من خلال زورق بخاري مربوط إلى اللنش حيث يجلسون في موقع مرتفع عن سطح الماء ويرشدون الصيادين داخل البحر عن مكان تواجد الأسماك الكبيرة. بعد نحو نصف ساعة يسترجع السمك حالته وحواسه الطبيعية ويشفى من المخدر المأخوذ من بذور زهرة الليلك الإيرانية المعروفة في البحرين باسم سم السمك».


الحداق: صيد السمك بالخيط

من أقدم طرق الصيد في الخليج العربي هي الحداق أو طريقة الصيد بالخيط والشص أو الخطاف الذي يعرف محليا بالمجدار. ويرجع تاريخ هذه الطريقة في الخليج لما قبل الألف الرابع قبل الميلاد حيث لم يصنع بعد المجدار بل كانت تستخدم قطعة عظم صغيرة مدببة الطرفين يربط خيط من مركزها, وقد تطورت هذه الطريقة حيث استبدلت قطعة العظم بشص يصنع من الأصداف البحرية وقد عثر على بعض من تلك الشصوص, ثم استبدلت الشصوص الصدفية بالشصوص النحاسية حيث تم العثور في مناطق من الخليج العربي على أشكال من الشصوص التي استخدمت في صيد الأسماك يعود تاريخها لما قبل الألف الثاني قبل الميلاد.


الحداق كما عرفته العرب

لم توثق طريقة الحداق بصورة جيدة في الكتب العربية القديمة و لكن يمكننا العثور على وصفها من خلال الشعراء الذين تفنن بعضهم في وصف طريقة الحداق وآلتها, وقد تعددت الألفاظ المستخدمة فيها وأغلبها ألفاظ غير عربية وسنبدأ أولا بالتعريف بالمصطلحات كما جاءت في كتب اللغة ثم وصف الطريقة كما وردت في الشعر.

1 - الحداق

عرف العرب لفظة «الحداق» وعلى رغم ذلك لا نعرف أصل التسمية فقد وردت لفظة حداق عند ابن دريد المتوفي العام 941م في كتابه «الاشتقاق» أثناء حديثه عن أحد الرجال واسمه حداق بن شقيق حيث علق بقوله: واشتقاق حداق من أحد شيئين: أما من حدق العيون أو من حدق السمك وهو صيده. و هذا يعني أن الحدق هو الفعل و منها الاسم حداق واسم الفاعل حدّاق بالتشديد. وقد اجتهد البعض في رد لفظة حداق للفظة العربية «حذق» بمعنى المهارة.

2 - الشص

عرف الحداق أيضا عند العرب باسم الصيد بالشص, والشص لفظ معرب من لفظ «شست» الفارسية, جاء عنه في تاج العروس :

«الشِّصُّ، بالكَسْرِ: حَدِيدَةٌ عَقْفاءٌ يُصَادُ بها السَّمَكُ. ويُفْتَحُ، ذَكَر الجَوْهَرِيّ اللُّغَتَيْنِ. وقال ابنُ دُرَيْد: لا أَحْسَبُ هذَا الّذِي يُسَمَّى شِصّا عَرَبِيا مَحْضا. قال الصَّاغانيُّ: صَدَقَ ابْنُ دُرَيْد وهو مُعَرَّب، ويُقَال له بالفَارِسيّة: شستْ».

وجمع شص شصوص, قال ابن الرومي المتوفي العام 896م

الحمدُ للَّهِ الذي نجَّى السمكْ

من الشُّصوص الجائلات والشبكْ

3 - الصنارة

أصل الصنارة رأس المغزل على ما جاء في لسان العرب:

«الصَّنَارَةُ، بكسر الصاد: الحديدة الدقيقة المُعَقَّفَةُ التي في رأْس المِغْزل، وقيل: الصِّنَارَةُ رأْس المِغْزل، وقيل: صِنَارَةُ المغزل الحديدة التي في رأْسه، ولا تقل صِنَّارَة. وقال الليث: الصِّنَارَةُ مِغْزل المرأَة، وهو دخيل».

و قد عمم اللفظ فاستخدم بمعنى الشص, جاء في كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب»:

«الشّصّ، وهو الصّنانير، قال كاتب أندلسيّ يصفه من رسالة: صنانير كأظفار السّنانير؛ قد عطفها القين كالراء، وصيّرها الصّقل كالماء؛ فجاءت أحدّ من الإبر، وأرق من الشّعر؛ كأنها مخلب صرد، أو نصف حلقةٍ من زرد»

لاحظ كيف شبه شكل الشص بحرف الراء وليس بحرف اللام, وهذا يعني أن الشصوص التي كانت تستخدم في تلك الحقبة هي تلك الشبيهة بحرف الراء فقد عثر في حضارة الرافدين على أشكال مختلفة من الشصوص أو المجادير منها ما يشبه الراء وأخرى تشبه اللام كما هو موضح في الصورة.

وصف الحداق عند شعراء القرن الرابع الهجري

ولم أجد وصفا للحداق عند العرب إلا في النادر من الشعر عند شعراء القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) منها شعر أحمد الصنوبري المتوفي العام 945م فيرد قصيدة في وصف طرق صيد الأسماك ولا أعلم إذا كان من المصادفات ورود لفظة «حذق» فيها أم أن اللفظة هي أصل الحداق، وقد حاولت جاهدا شرحها فتبين أن الشاعر يصف صيد الأسماك بطريقة الحداق وذلك باستخدام قطع حديدية ذات رؤوس معقوفة (في أعاليها أود) مشدودة في ذنب خيل وذنب الخيل مربوط في (يراع) أي قصب وقد وصف القصب بقوله (صُمّ الأنابيب قريباتِ العقد) أي أنها ليست جوفاء من الداخل وذات عقد متقاربة. وبعد أن فرغ من وصف أداة الحداق وصف الشبك والذي كنى عنه بقوله (بعثنا ألفَ عين في جَسَد) وسنعود إلى هذه النقطة لاحقا عند الحديث عن الشبك. قال الصنوبري:

أفضلُ ما أعددتُه من العُدَدْ

وما حوى صحبي بهِ غِنى الأبَدْ

بناتُ قينٍ حازَ في الحذقِ الأمد

على مقاديرِ مخاليبِ الصُّرَدْ

أو مثل ما عاينتَ أنصافَ الزرد

لها رؤوسٌ في أعاليها أود

كمثل أنيابِ الأفاعي وأحدّ

ذوات طعمٍ نكدٍ كلِّ النكد

تشدُّ في أذنابِ خيلٍ إِذ تشد

ممرّةِ الفتلِ كإِمرارِ المسَد

نيطتْ بأطراف يراع مستعد

صُمّ الأنابيب قريباتِ العقد

عُجنا بها من حيث ما عاج أحد

في ظلِّ صفصافٍ علينا قد بَرَد

شاطئ نهرٍ لابسٍ درع زبد

فأطلقت أيديهم إطلاق يد

ولم تزلْ ترسل طورا وتمد

حتى تنادَوا قَدْ من الحيتانِ قد

ثم بعثنا ألفَ عين في جَسَد

فجئننا بمثلهنَّ في العدد

ألفٌ من الحيتان بيضٌ كالبرد

مكسوَّةٌ دراهما ما تنتقد

كذلك الأرزاقُ من جزرٍ ومد

فالحمدُ للمهيمنْ الفردِ الصَّمَد

وقد وصف الشاعر أبو الفتح كشاجم المتوفي 970م في وصف الشص أو الصنارة ويلاحظ أن الشاعر يشبهه بحرف الراء:

من كان يحوي صيده الفضاء

وللبزاة عنده ثواء

وطال بالكلب له العناء

فإن صيدي ما حواه الماء

بمخلبٍ ساعده رشاء

يظلّ والماء له غطاء

كما طوت هلالها السماء

كأنه من الحروف راء

فهو ونصف خاتمٍ سواء

يحمل سمّا اسمه غذاء

وعطبا فيه لنا إحياء

تدمى به القلوب والأحشاء

عاد إذا ساعده القضاء

أمتعنا القريس والشّواء


تنوع طرق الصيد بالمجدار

في الوقت الحاضر عرفت العامة أنماطا مختلفة من طرق الصيد بالمجدار منها ما أنقرض ومنها ما تطور بصورة كبيرة. فمن الطرق التي مازالت تعد بدائية هي طريقة الخية التي تسمى أيضا مشبق أو مشبك وهو مما يستخدمه الهواة وفي هذه الطريقة يستخدم خيط نايلون سميك قد يزيد طوله على 100 متر وتتدلى منه عدد من المجادير متباعدة عن بعضها بمسافة مناسبة ويوضع الطعم في كل مجدار. ويتم تثبيت الخيط بالمجادير المثبتة فيه في منطقة المد والجزر وذلك في فترة المد وتجمع الأسماك المصادة في حالة الجزر.

ومن الطرق التي تطورت كثيرا هي طريقة اللفاح والتي تسمى أيضا مجرور أو ميرور، حيث تعتبر هذه الطريقة من طرق الصيد التجارية الثانوية وفيها يتم جر الخيط خلف القارب في أثناء سيره بهدوء وتستخدم فيه مجادير خاصة يسمى الواحد منها «درية».

العدد 2568 - الأربعاء 16 سبتمبر 2009م الموافق 26 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً