العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ

زكي الصدير... جني أم متصوف أم ثائر؟

في «جنيات شومان» بالملتقى الأهلي الثقافي

بخورٌ بخورْ

هنا في يديك يُصلي المحارُ وتُعطى النذورْ

بخورٌ بخورْ

وبعضُ الكؤوسِ توسدُ أنفاسَها في حبورْ

بخورٌ بخورْ

سقتكَ القناني ومالتْ عليكَ بأنفاسِ نورْ

حدَّثنا -وكانَ جالسا فاتكأ- عن أبيهِ عن جدّهِ عن شيخٍ منَ الغواةِ أنه سمعَ منْ عابرِ سبيلٍ -تكسّب قوتَهُ من سُكنى عششِ الصيَّادينَ- مروية عن (جنيَّات شومان) مفادُها:

وأمَّا جنيَّاتُ شومان فتوجدُ في البحار، تتراءى على صورةِ الحوريات، جلدها كبياضِ البدرِ، تجمعت عليها القناديل، وهيَ تتعرضُ للمراكب الضالةِ القريبة منها فترشدُها لأقرب يابسة، فإن ظفرتَ بها فاهنأ برضا البحرِ، وأمانِ السفرِ.

على مقربةٍ من مغبةِ أنثى،

تغوِّي النكايةَ، وتعطي الرؤى، وتمخرُ السبيلَ، وتغفو على الغيمِ، يراهنُ البحَّارةُ على الريح، وتعقدُ عليهمْ بناتُ شومان بوشاح معطوفٍ على سوارٍ مختومٍ بفضيخ المسك...

فيامسك،

يامسكُ، ياسنبلَ الطيبِ

رعتكَ الظباءُ وصانتْ عروقَكَ أزهارُ مروٍ

وحنَّت أياديكَ هنديةٌ بدما سُرَّةٍ أثقلتها الورودُ بطولِ العناقْ

فيامسك،

يامسكُ ياسيدَ الريحِ في قاربٍ قد أضاع الطريقَ إلى كتفٍ مثقلٍ بالدروب الطويلةِ

يا مدني

في يديَّ الصلاةُ شرابٌ

والقناني عتاقْ

وحدّثنا متكئا عن بناتِ شومانَ، فقال:

وإن حدَّثكَ قلبُكَ الظفرَ بهنَّ فاجعلْ خاتمَكَ اليشمَ، وقلادتَكَ الياقوتَ، ولباسَكَ الحريرَ، وطيبَكَ الداري، ولا تدخل عليهنَّ إلا في صَبوح مطرٍ، محمَّلا بهداياك: زهرُ الآس، والصندلُ، ونسايجُ القزِّ، والديباجُ،.....

وغنِّ لهنَّ:

«أمنتك الله ياخايض بحر شلوى

وقلوبنا تخشع وقلوبنا تلوى

أمنتك الله (يابوالنفنوف طايح)

ياسيسبان العقل يالعنبر الفايح»

وغنِّ لهنَّ، وتوددْ، وتلطفْ، ولا يطلْ مقامُكَ، فإنهنَّ بناتُ ملوكٍ، يرفلنَ في الطاعةِ، ما حَمَلْنَ، ولا دَفَعْنَ، ولا رضَعْنَ...

وحدَّثنا -وكان متكئا فجلسَ- وقال:

وعلامتُها قنديلانِ معلَّقانِ على صارٍ من ذهبٍ، وأربعةُ أفراسٍ دارعونَ على بياضِ الخدرِ

عاتقةٌ كاعبْ، ما مسَّها لاعبْ، متشكِّلةٌ ألوانُها، مأمونةٌ أصفادُها...

ثلجٌ مقبّلُها، عذبٌ مشـرّبُها

بطحاءُ صُبَّ بها من مَفرَقٍ هَبَبُ

سلِ المحارةَ كيفَ الطيرُ يصحبُها

تظلُها حومةٌ بالسترِ تحتجبُ

قد سارَ في فلواتِ اليمِّ يتبعُها

كأنَّ سيفَ الرَّدى بالموت يختضبُ

ها قالها وصروفُ الدهرِ تمنعُها

شيطانُها مَلَكٌ، والرُسلُ قد كتبُوا

فإن استأنسَتْ بكَ فالوحى الوحى، العجلَ العجلَ، الساعة الساعة! فمَا لياليها إلا عددٌ، وأيامُها إلا فندٌ، فاقضِ ما أنتَ موكولٌ بهِ قبلَ غروبِ الشمسِ، وانسراجِ القناديل.

هكذا ألقى الشاعر السعودي زكي الصدير قصائده في الملتقى الأهلي الثقافي من ديوان «جنيات شومان» وهي مجموعة قصائد تمثل ديوانه الأول، والتي تراوحت في مجازاتها تغترف من عوالم مختلفة يصنع من خلالها نبرة التغريب وغلاف التكثيف الذي يريده، في ثلاثة حقول أساسية فثمة حقل لغوي ينتمي لعالم الجن بما يمنح قصائده نبرة عجائبية باهرة، وثمة حقل لغوي ينتمي لعالم الدين والتصوف بما يهب شعره هالة من وهج الكشف وغلالة من آمال الطوائف في الخلاص، وثمة حقل لغوي ينتمي إلى عوالم الشعر الجاهلي في حبه وسكره وعبثه وهو يتخبط بالقدر باحثا كما الفلاسفة عن أسئلة الوجود، ومعنى الحياة، مزيحا أسيجته الآسرة محاولا التخلص من شرنقته الأولى ملامسا الحداثة التي يريدها، في همس شعري أحيانا أو في صدح ثائر على قهر يرتهن الذات، متوثباَ لحريته نحو فضاء تم تأثيثه مسبقا ولكنه اختار مقتنياته من هذه العوالم كما يريد أو كما شاءت له مخيلته، فألفى نفسه ثائرا يتخفى مرة وراء قناع الجنيّ، ومرة وراء قناع التصوف ومرة وراء العاشق الواله، متنقلا من نبرة نثر يسرد حكاية مقطوعة مفتوحة للتأويل يرفد بها نصه، إلى نبرة إيقاع تفعيلي يموسق من خلالها جمله ويمتع متلقيه، إلى نبرة عمودية يثبت بها جدارة وأصالة لغوية ممتدة، إلى نبرة موال شعبي يريح فيها الذات بما تلتقطه من أصوات تجذرت في الوجدان، فاتحا نصه على خصوصية يصطنعها هي أشبه بنص مفتوح أحيانا

العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:56 م

      زكي الصدير

      الاستاذ زكي هو احد المدرسين الذين درسمني وانا افتخر انني من احد طلابه

اقرأ ايضاً