العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ

شوقي الدّلّال: الجهود العربية متواضعة وعقد واحد يكفي لإزالة الهوة

موسوعته الفلكية فريدة من نوعها

الوسط - منصورة عبدالأمير، حبيب حيدر 

31 ديسمبر 2008

يرى الفلكي البحريني وأستاذ الفيزياء بجامعة البحرين شوقي الدلال، أن وصم الدول العربية بدول العالم الثالث، ليس سوى عائق نفسي يفرضه الغرب على العرب في محاولة لخلق هزيمة نفسية لديهم ومنعهم من مواكبة ركب التقدم العلمي. ويتأسف الدلال، الذي يرى في علوم الفلك والفضاء مستقبل البشرية، على تجذر تلك النظرة لدى الجهات الرسمية العربية، الأمر الذي يمنع وجود إرادة تدفع باتجاه أن يكون للدول العربية موطئ قدم ووجود في كل مجالات تقدم البشرية.

الدلال الذي صدرت له أخيرا عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي موسوعة فلكية فريدة من نوعها، لا على المستوى العربي وحسب، بل ومقارنة بما هو متوفر في المكتبات الأجنبية والعالمية، كان في ضيافة «الوسط» أخيرا. تحدث بإسهاب عن واقع علوم الفلك والفضاء في الدول العربية، أكد أنه سيتم قريبا إشهار أول وكالة فضاء عربية وذلك بتنسيق بين الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء وجامعة الدول العربية، مضيفا بأن جهود الاتحاد الذي يضم في عضويته 17 دولة عربية تشمل إنشاء مراكز رصد كبرى في عدد من الدول العربية. الحوار مع الدلال كان شيقا تنقل فيه بين بداياته مع علم الفلك حتى وصوله لموسوعة هي غاية في الأهمية ومكسب للمكتبة العربية، لينتهي بحديثه عن علاقة العرب بعلوم الفلك والفضاء وعن الجهود العربية في هذا الشأن.

بداية هل لك أن تأخذنا في جولة سريعة عن علاقتك بعلم الفلك، كيف بدأت، وإلى أين وصلت، وكيف واتتك فكرة إنشاء الموسوعة؟

- علاقتي بعلم الفلك قديمة بدأت منذ صغري، وحين كنت في الصف الخامس الابتدائي، حينها أهداني والدي كتابا بعنوان «الكون العجيب» من سلسلة إقرأ. قرأت الكتاب فأعطاني أبعادا جديدة في التفكير في اتساع هذا الكون، فوجدت نفسي بعدها أسارع لاقتناء جميع الكتب المتوفرة في المكتبات العربية في هذا الجانب. أذكر منها «مع الله في السماء» لأحمد زكي ومجموعة كتب مترجمة للكاتب المعروف جورج جامو وهو عالم روسي كبير هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية وعرف بكتاباته في تبسيط العلوم وحصل على عديد من الجوائز فترجمت بعض كتبه إلى العربية وهذه أعطتني بعدا آخر للكون. في وقت لاحق وحين قمت بتحضير الدكتوراة في علوم المواد، أبعدني هذا لفترة بسيطة عن علم الفلك لكن الهاجس والدافع لهذا العلم ظل في نفسي.

في مطلع التسعينات كنت أتجول في شوارع دمشق ولفت نظري كتاب بعنوان «الموسوعة الفلكية». سارعت بشرائه لأطلع عليه وراعني ما وجدته فيه من معلومات ضحلة لا ترقى إلى المستوى المطلوب في المكتبة العربية. من هنا جاءتني فكرة وضع عمل يليق بالمكتبة العربية، ويكون في مستوى تفخر به هذه المكتبة.

هكذا بدأت مشروع الموسوعة وكان لدي في ذلك الوقت مكتبة فلكية خاصة حاولت أن أرفدها بمجموعة جديدة من الكتب بما يتناسب مع المشروع فاقتنيت تقريبا جميع الموسوعات الموجودة والمتوفرة باللغة الإنجليزية. كذلك أتاحت لي علاقاتي الكثيرة في الوطن العربي وفي الخارج الحصول على معلومات أكثر دقة عن بعض المواضيع الفلكية وخاصة فيما يتعلق بقضايا التراث الفلكي العربي والإسلامي وأسماء النجوم وأصولها العربية أو غير العربية. ومن بين هذه الشخصيات التي قدمت لي معلومات كثيرة البروفيسور المستشرق كونتش من ألمانيا الذي يعتبر المرجع الأول حاليّا في العالم في أسماء النجوم وتاريخها وأصولها.

ما الجديد الذي تطرحه الموسوعة بالنسبة للمهتمين والدارسين لعلوم الفلك والفضاء؟

- منذ البداية أردت لهذه الموسوعة أن تكون مختلفة عن الموسوعات التقليدية المتوفرة في المكتبات العربية وحتى الأجنبية من حيث الكم والنوع وعمق المادة العلمية. من حيث الكم تشمل الموسوعة ما يقرب من 7500 مدخل، وهذا العدد من المصطلحات التي تم تعريفها والحديث عنها يفوق تقريبا مقدار الضعف مما هو متوفر في الموسوعات الأجنبية.

كذلك تحوي الموسوعة ما يصل إلى 640 شكلا توظيفيا مرسوما بالحاسوب وما يزيد على ألف صورة ملونة وغير ملونة بالإضافة إلى مئات الجداول.

أما من ناحية الموضوعات هناك عناوين كبرى للموسوعة.

اعتمدت طريق المراجع المتكاملة «cross referencing» عند كتابة الموسوعة أي أنه عند قراءة موضوع ما يمكن الانتقال بسهولة إلى أي موضوع آخر متعلق به، مثلا حين أحاول الحصول على معاني كلمة «Earth» سوف أجد كل ما يتعلق بهذه الكلمة من مفردات يمكن الرجوع إليها في مواقع أخرى في الموسوعة.

ما هي المصادر التي اعتمدتها لعمل الموسوعة؟

- مجموعة كبيرة جدا من المصادر الأجنبية لا حدود لها تتنوع بين الدوريات الصادرة من جميع أنحاء العالم والتي جمعتها على مدى سنوات، منذ مطلع التسعينات حتى تاريخ صدور الموسوعة. كذلك فإنني شخصيّا مطلع على كثير من الأبحاث والموضوعات ذات العلاقة بالمواضيع الفلكية. مصادري كثيرة جدا لدرجة أن كل موضوع في الموسوعة له مصادره المختلفة.

كيف تحصلت على هذه المصادر، وكم تطلب منك ذلك من وقت؟

- الموسوعة هي جهد عشر سنوات، أما المصادر فقمت بتحصيلها بنفسي، بعضها عثرت عليها في الدوريات الموجودة في مكتبة جامعة البحرين، وهناك دوريات استلمها بشكل شهري منذ سنوات، أما الكتب فهي من مكتبتي الشخصية التي أقوم بتجديدها سنويا.

تحدثت في مقدمتك عن صعوبة كبرى واجهتك أثناء وضع موسوعة بهذا الحجم ألا وهي صعوبة التحديث العلمي، حدثنا عن هذا الأمر

- مشكلة التحديث العلمي مشكلة صعبة جدا فمثلا أنا أتحدث عن إطلاق قمر صناعي أو مركبة فضائية، بعد شهر تكون المركبة الفضائية أطلقت وجاءت بنتائج. أحدى المشاكل التي واجهتني كانت مع المركبة الفضائية ياكوزا التي أرسلها اليابانيون لتهبط على صخرة في كويكب قطرها متر ونصف، تصور هذه الصخرة الواقعة على بعد بلايين الكيلومترات وهذه المركبة سوف تنزل عليها. كنت أتابع التطورات يوميّا على الإنترنت لأحدث معلوماتي. العملية ليست سهلة فحين كنت أكتب الموسوعة كان هناك مركبة ذاهبة لعطارد وأخرى إلى بلوتو، الذاهبة إلى بلوتو كان يفترض أن تصل 2015، أما مركبة عطارد فقد وصلت بعد إنتهائي من كتابة الموسوعة بشهرين.

من سيكون المستفيد الأكبر من مثل هذه الموسوعة في اعتقادك؟

- في العام 1998 وخلال مشاركتي في مؤتمر عالمي حول علوم الفلك والفضاء نظمته جامعة البحرين، دعوت المشاركين العرب لإقامة اتحاد عربي لعلوم الفلك والفضاء وقد لقيت تجاوبا كبيرا من البعض ومعارضة من البعض الآخر.

في نفس العام شاركت في مؤتمر آخر في الأردن قدمت خلاله، بالمشاركة مع خالد إسحاق، ورقة تناقش إنشاء اتحاد عربي لعلوم الفلك والفضاء. مسئولو الجمعية الفلكية الأردنية أقنعوني بأن نقدم المشروع سويا، أي أن يكون المشروع باسم الجمعية الفلكية البحرينية والجمعية الفلكية الأردنية.

بالفعل قدمنا المشروع سويا بعد أن درسنا النواحي القانونية المتعلقة به، ليتم إشهاره في الوقت نفسه. اجتمعنا بعد ذلك بستة شهور ودعينا مجموعة كبيرة من الدول العربية استجابت منها 15 دولة، فأسسنا الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء، الذي انضمت له فيما بعد دولتين أخريين ليصبح مجموع الدول الأعضاء فيه 17 دولة عربية.

سمح لنا هذا الإتحاد بالتعرف على جميع المهتمين بعلوم الفلك والفضاء في البلاد العربية والتواصل معهم. الآن يعقد الاتحاد مؤتمر كل عامين في إحدى الدول العربية، العام الماضي كان في تونس، أما المؤتمر المقبل فسوف يعقد في السودان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009.

هذه اللقاءات جعلت الفلكيين العرب على معرفة ببعضهم الآخر ومكنتهم من تبادل المعلومات. وقد شجعني الكثير من الأخوة على مشروع الموسوعة لكن لم تسنح لي الفرصة بعد لتوزيعها على الجميع.

كيف ترى الاهتمام العربي بعلوم الفلك والفضاء من خلال هذه اللقاءات؟

- هناك اهتمام كبير في الدول العربية بهذا الجانب، في زيارتي الأخيرة للجزائر وجدت أن لديهم عشرات الجمعيات الفلكية في كل مدينة جزائرية تقريبا، وهم الآن يسعون لتوحيد هذه الجهود تحت مسمى جمعية وطنية. في سوريا ومصر أيضا هناك توجه كبير لعلوم الفلك والفضاء، في مصر يوجد أقدم مرصد عربي في حلوان وإن كان توقف لفترة لقضايا فنية لكن الآن أكثر المؤتمرات عن علم الفلك تتم في مصر. الأردن أيضا رائدة في هذا المجال، فيها جمعية فلكية قديمة ولها نشاط مشهود والحكومة تدعم هذه الجمعية بشكل كبير.

في الخليج لدينا أنشطة محلية ولدينا الملتقى الخليجي وهو ملتقى سنوي يعقد كل عام في أحد الدول الخليجية يجتمع فيه المهتمون والباحثون العرب في علوم الفلك والفضاء لطرح مواضيع مختلفة والتعرف على الشباب ومساعدة من يجب أن يدخل في هذا المجال، وقد استضافت الجمعية الفلكية البحرينية هذا الملتقى مرتين، ويفترض استضافته للمرة الثالثة العام 2010. على مستوى الجمعيات إذن هناك شغف كبيرة لعلوم الفلك والفضاء في البلاد العربية.

أيضا من خلال الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء حاولنا أن نقوم بمشاريع كثيرة على مستوى الخليج العربي منها مشروع المرصد الخليجي المشترك وهو مرصد كبير يقام في إحدى الدول الخليجية عدا عن مشروع مرصدي الشام وشمال إفريقيا. أيضا لدينا مشروع إنشاء وكالة فضاء عربية وهو مشروع خطونا فيه خطوات كبيرة بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.

كيف تنظر للجهود العربية في علم الفلك، هل تجدها متصلة بتاريخ العرب في هذا المجال، أم إنها جهود منقطعة؟

- الجهود العربية الرسمية ما زالت متواضعة في هذا المجال، هناك توجه فردي ومن خلال الجمعيات في بعض الدول العربية نحو علوم الفلك والفضاء.

كنت في الجزائر لحضور ملتقى فلكي فاكتشفت وجود عشرات الجمعيات الفلكية، كما اكتشفت أنها الدولة الوحيدة التي يوجد لديها وكالة فضاء خاصة بها، وهي الدولة العربية الوحيدة التي صنعت قمرا صناعيا جزائريا 100 في المئة.

بالطبع شجع الاتحاد العربي على تشكيل عدد من الجمعيات الفلكية في دول عربية أخرى، مثل سوريا والإمارات وقطر وعمان وغيرها.

هل تعتقد أن هناك استعدادا عربيا يمكننا من أن نحصل على موطئ قدم في هذا المجال؟

- هذا الأمر يشكل قضية استراتيجية بالنسبة لأي دولة، وأنا أعتقد أن لدينا إمكانات كبيرة في الدول العربية. الغرب يحاول دائما أن يصور الأمر على أنه قضية مستحيلة بالنسبة لنا، ونحن كأساتذة جامعة نعرف أنه لا يوجد ما هو مستحيل في العلم، والدليل أن إيران تسير بقوة في قضية تطوير الطاقة النووية. الدول العربية كلها تملك قدرات عالية سواء في مصر أو سورية أو حتى العراق برغم أوضاعها المأساوية.

في اعتقادي الشخصي لو يسمح للدول العربية بجمع إمكاناتها وتركيزها لأمكننا إلغاء الهوة بيننا وبين الغرب خلال عقد من الزمان فقط. لدينا جيش من العلماء العرب في الخارج، في كل المجالات من الهندسة الجينية إلى الفلك إلى الحاسوب إلى الطاقة النووية.

لنأخذ باكستان مثالا، هذه الدولة التي تعد متأخرة قياسا بالدول العربية، لكنها تملك برنامجا نوويا يقول عنه عبدالكريم خالق خان أبو القنبلة النووية الباكستانية «برنامجنا النووي 100 في المئة باكستاني، حتى الأشياء الصغيرة نصنعها في باكستان». الكمبيوترات التي لم يتمكنوا من شرائها قاموا بتصنيعها بأنفسهم، كان لدى خان فريق يذهب لشراء الرقائق الصغيرة من أوروبا وأميركا ثم يعودوا بعدها لتركيب أجهزتهم بأنفسهم. اليورانيوم يخصب في باكستان وهي دولة ترتفع بها نسبة الأمية لتصل إلى 80 في المئة وعلى رغم ذلك يتمكن هذا العالم هو والإرادة الرسمية أن ينقلا باكستان إلى النادي النووي.

في المؤتمر العالمي الذي أقيم العام 1998 في البحرين والذي حدثتكم عنه، عرضت الصين، التي كانت إحدى الدول الداعمة للمؤتمر، تقديمها ورشة عمل حول «كيفية تصنيع قمر صناعي». وعلى الرغم من أن كثيرا من الدول الآسيوية حضرت الورشة، إلا أن الدول العربية لم تتمكن من ذلك بسبب صعوبات كثيرة أولها الموافقة الرسمية.

العالم الثالث الذي يتحدث عنه الغرب ويصفه بأنه عالم متأخر ومتخلف لا وجود له. وباكستان المتأخرة هي في واقع الأمر متقدمة بفضل الإرادة الرسمية بأن تكون باكستان في طليعة الدول المتقدمة. العرب منذ قدم التاريخ كانوا يهتمون بمختلف العلوم، ثم إن علوم الفلك نشأت أصلا لدى البابليين ثم انتقلت إلى مصر ومنها إلى الإغريق لتعود إلينا أخيرا ولنتصور أنها علوم إغريقية. العرب في واقع الأمر أحدثوا نقلات كبيرة في هذا العلم فهم من أنشأ المراصد والأزياج (التقاويم الفلكية) وهم من حسب قطر الأرض بطريقة قريبة جدا من الأرقام الحديثة.

ليس هناك شيء اسمه تخلف، التخلف هو عبارة عن حاجز يمكن أن نجتازه في أي وقت، الحاجز الكبير الذي يعيق الإنسان العربي هو حاجز نفسي. الغرب يحاول أن يهزمنا نفسيا ويصورنا وكأننا عاجزون عن التقدم ومواكبة العلم ومع الأسف هذا الموضوع أصبح له جذور في القرار السياسي العربي، الآن أي قرار سياسي على مستوى رسمي يأخذ في الاعتبار أننا متخلفون جدا. نحن في المجال الأكاديمي نعتقد ونعرف أن هناك قدرات وإمكانات وأن الحاجز بيننا وبين الغرب هو في الأساس نفسي، لكن متى ما اتخذ القرار الرسمي لن يكون هذا الحاجز موجودا.

ما دامت الإمكانات والقناعات موجودة كيف يمكن الوصول لإنجازات في هذا المجال أو أي مجال آخر؟

- أنا دائما أكرر أن العمل في هذا الجانب يجب أن يكون على جهتين، جهة شخصية فحين أقضي عشر سنوات في كتابة هذه الموسوعة لا يهمني أن يشتريها أحد أو لا يشتريها أو أن تبرز أو لا، ما يهمني هو أن أضَيف للمكتبة العربية وأن أقدم ما يمكن أن تفخر به هذه المكتبة. أما على مستوى المؤسسات غير الرسمية وأنا أتحدث عن الاتحاد العربي لعلوم الفلك والفضاء الذي أصبح له الآن صيت في الوطن العربي، إذ يعقد اجتماعاته كل عامين في دولة عربية، كما يفتتحه دائما وزراء أو رؤساء دول. هذا الاتحاد أصبح الآن يطرح مشروعات على مستوى الوطن العربي، فهناك مشروع مرصد خليجي مشترك ومرصدا مصر وسورية، ومشروع إنشاء وكالة فضاء عربية.

لا ألوم الجهات الرسمية فنحن كجهات أكاديمية يجب أن يكون لنا دور في تفعيل الأفكار، وحينها سنوجد قناعة لدى الجهات الرسمية بإمكانية التقدم والمواكبة وأن نصبح في يوم من الأيام إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.

أليس هناك جهود من قبل الجامعة العربية في هذا الجانب؟

- الاتحاد عضو في الجامعة العربية، ويجري العمل الآن على مشروع وكالة الفضاء العربية التي يفترض إشهارها قريبا في مصر ربما في نوفمبر المقبل.

كيف يستشعر المواطن العربي أهمية علم الفلك في حياتنا، وخصوصا مع وجود الخلط الكبير بين علم الفلك وعلم التنجيم ومحاولة البعض للاستفادة من علم الفلك في مجال غيبيي، فهناك ليالي نحاس، وليال سعد، والكثير من المعتقدات الشعبية المرتبطة بالفلك؟

- نعم، هناك خلط كبير بين علمي التنجيم والفلك، ولذا نحن في الجمعية الفلكية العربية حين نختار موضوعا للجمهور دائما نبدأ بإيضاح الفرق بين الفلك والتنجيم، بين علم يعتمد الحساب والرياضيات وبين علم يعتمد اللاهوت أساسا.

عموما هذا موضوع قديم، الفلك والتنجيم أصبح موضوعا متداخلا مع الكثير من الحضارات القديمة، حين كان لكل ملك وكل أمير منجمه الخاص. وهذه نقطة ضعف في الإنسان فهو يحب أن يطلع على الجانب الغيبي في أموره وأن يستشرف المستقبل ويتنبأ به، وقد حاول منجمو البلاط الملكي استغلال هذه النقطة على مدى التاريخ. العرب في البادية التقطوا هذه الفكرة فصاروا يعتبرون بعض النجوم نجوم سعد وأخرى نجوم نحس، بالطبع يعود سبب ذلك إلى مرافقة ظهور نجم معين لمواسم وفصول محددة، فحين يظهر الدبران مثلا في موسم القحط وانقطاع المطر يكون نجم نحس والعكس صحيح.

حتى الأبراج التي يتم التحدث عنها ليس فيها أي دقة لأن المنجمين اليوم يتحدثون عن أبراج هي في الواقع ليست في موقعها الذي كانت فيه منذ ألفي سنة، فما يسمى برج الحمل اليوم لدى المنجمين هو ليس في موقع برج الحمل، النجوم انتقلت وأصبح البرج في موقع آخر من السماء.

كما أن عدد الأبراج الآن أصبح 13 برج وليس 12، فقد دخلت مجموعة جديدة من الأبراج منذ العام 2000. الحسابات الفلكية لدى المنجمين ليس لها أساس لكن لدى الفلكيين يتم دراسة مواقع النجوم بعدة طرق يتم فيها حساب الإحداثيات.

ماذا عن الثقافة الدينية التي تعتمد على الأهلة في الحساب وقضايا الزواج وما إلى ذلك كيف يمكن تخليصها من هذه الحسابات القديمة؟

- هذه ليست حسابات قديمة، وكما أخبرتك فإن أول المحاضرات التي نقدمها في حال اختيار أي برنامج جماهيري هي الفلك والتنجيم، ومن مشاريعنا في الجمعية الفلكية البحرينية للعام 2009 هو عقد ورشة للصحافيين وأخرى لرجال الدين وثالثة لطلبة المدارس حول هذا الأمر. كذلك فإننا نقوم بتدريس علوم الفلك في جامعة البحرين وهي الجامعة العربية الوحيدة التي يوجد فيها تخصص فرعي في علم الفلك. كثير من الجامعات لا تقدم علم الفلك أصلا، في سوريا حين كانوا يتبعون النظام الفرنسي في الخمسينات وحتى مطلع الستينات كان هناك مقرر لعلم الفلك في المرحلة المتوسطة، لكن في الوقت الحالي لا يوجد أي شيء.

تتأسف في الموسوعة على عدم وجود مرصد فلكي في العالم العربي، سوى في تونس والكويت وفي مصر. حدثنا عن موضوع المراصد؟

- أكبر مرصد فكلي عربي يوجد في مصر ويبلغ قطر عدسته مترين وقد قامت شركة زايس بتركيبه، لكن حدث فيه تداخل للألوان، وبالتالي فإن الجرم السماوي لا يظهر واضحا. المرصد تم تصليحه أخيرا بعد مشكلة ظلت عالقة لمدة عشر سنوات مع شركة زايس.

هذا أكبر مرصد فلكي عربي ونحن حين نتحدث عن مراصد العالم التي يبلغ قطر عدستها مترين فإننا نتحدث عن أمر هزيل، الجامعات مثل جامعة ليفربول لديها مثل هذا المرصد. وآخر مرصد تم تركيبه في أسبانيا يبلغ قطر عدسته عشر أمتار ونصف، وهناك أكثر من عشرة مراصد في العالم يبلغ قطرها عدستها أكثر من 8 أمتار، عدا عن عشرات أخرى يزيد قطرها على مترين. مرصد الهابل في الفضاء له أكثر من 20 عشرين سنة وقطره 2.4 متر. وهناك مشاريع لمراصد يبلغ قطرها 30 متر وليس مترين، ونحن نتحدث في العالم العربي عن مرصد واحد في مصر ولا يعمل بالكامل، وآخر في الكويت.

ما رأيك في الخلاف الذي يحصل سنويا في مسألة الأهلة، هل بالإمكان حسمه فلكيا، كيف تنظر إليه وكيف تعالج المسألة كفلكي؟

- الأمر فلكيا محسوم، دقة الحسابات الفلكية تحسم هذا الأمر، ممكن تبعث مركبة فضائية إلى كوكب بلوتو على مسافة ملايين الكيلومترات إلى أي مكان، يمكن أن تبعث صاروخ إلى أحد النجوم على مسافة أربع سنوات ضوئية أو أكثر. يمكن حساب الإحداثيات فلكيا لآلاف السنين بدقة متناهية جدا، الحساب الفلكي هو حساب دقيق جدا الموضوع كما أعتقد يتعلق بالشريعة وكيف نترجم القضية العلمية إلى مسألة دينية فقهية، الخلاف فقهي وليس فلكي. الأمر يفسر بشكل مختلف وهناك أيضا تسييس في الأمر.

هل هناك إنجازات على المستوى الفلكي عربيا وهل هناك إضافات عربية في هذا العصر؟

- لدينا الكثير من الفلكيين العرب، لكن ليس هناك أي إضافات عربية في هذا العصر، وكيف يمكن ذلك في دول لا تملك حتى مراصد فلكية

العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً