العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ

أسئلة استفهامية بشأن «لقاء جنيف»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التقارب الأميركي - الإيراني الخجول الذي ظهر «وجها لوجه» في «لقاء جنيف» هل يتطور إلى تفاهمات ثنائية إقليمية أم يتراوح مكانه من دون تراكم في العملية السياسية؟ الخطوة الأولى دائما تكون الأصعب وبعدها تأخذ العادة دورها وتبدأ بالانسياق التدرجي خطوة بعد أخرى.

التقارب مسألة تبدو محسوبة ومحسومة، ولكنه يحتاج إلى وقت ليتمظهر في صورة واضحة ومستقرة. فاللقاء العلني الأول الذي حصل في جنيف ستعقبه لقاءات أخرى بعد أن يكون كل طرف أخذ وقته للاستراحة والتفكير والمراجعة وتسويق بضاعته أمام الجمهور. فالشارع الإيراني يحتاج إلى إقناع حتى لا تبدو قيادة طهران في موقع الطرف الضعيف والمتراجع والخاسر. كذلك يحتاج الناخب الأميركي إلى «غسل دماغ» حتى يتقبل فكرة التعايش مع نظام قاد المعارك ضد واشنطن طوال عقود ثلاثة.

تنظيف الغبار عن الملفات يرجح أن يأخذ وقته إلى نهاية السنة الميلادية الجارية وبعدها ستبدأ عملية ترتيب الملفات وفق جدول أولويات في الشهور الثلاثة من السنة الميلادية الجديدة. وبين التنظيف والترتيب ستنجلي الوقائع وستظهر الصورة على حقيقتها في مطلع أو نهاية ربيع العام 2010.

هناك أسئلة كثيرة بدأت تخرج من «صندوق الأسرار». وهي فعلا تحتاج إلى مكاشفة وشفافية حتى يأخذ كل طرف حقه من دون تنازع أو كيدية. من الأسئلة: هل سيكون التقارب الجديد على حساب تحالفات تقليدية قديمة؟ هل سيؤدي التقارب إلى إهمال الملف الفلسطيني وتأجيله إلى أمد غير معلوم؟ هل بداية التقارب ستتوجه نحو غلق ملفات وفتح أبواب؟ وهل يمكن أن يكون التقارب على حساب قوى إقليمية أخرى تمتلك مواقع مهمة وتلعب دورها الخاص في التأثير على التوازنات؟

أسئلة لا تعد ولا تحصى يمكن إدراجها في سياق قراءات تأويلية تفترض احتمالات وسيناريوهات في الفترة الفاصلة من خريف 2009 إلى ربيع 2010. والأسئلة سواء كانت دقيقة أم تبالغ في مخاوفها تعتبر مشروعة في لغة السياسة لأنها تتصل بمصالح وحقوق. والأسئلة الافتراضية كان بالإمكان تجنبها لو أن القوى الإقليمية الأخرى كانت مشاركة من بعيد أو قريب بذاك اللقاء العلني الذي عقد في جنيف.

غياب باكستان والسعودية ومصر وسورية وتركيا وغيرها من دول عربية وإسلامية عن اللقاء ساهم في إثارة تلك الأسئلة المتنامية وما تفترضه من أجوبة غامضة أحيانا ومقفلة الزوايا أحيانا أخرى. عدم مشاركة تلك القوى الإقليمية المنتشرة على خط طريق الحرير (قوس الأزمات) وصولا إلى أهم حوض بحري (نفطي تجاري) في «الشرق الأوسط الكبير» معطوفا على قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب في البحث أو الاطلاع على ملفات تؤثر على أمنها واستقرارها يفتح فعلا صفحة حوار بشأن معاني وألغاز تلك الخطوة.

الملف النووي الإيراني مثلا يعني دول المنطقة العربية والإسلامية أكثر من «الدول الست» التي شاركت في «لقاء جنيف». والبرنامج الصاروخي (منظومة الصواريخ القصيرة المدى) المرفق بتهديدات ضد المضائق ومصافي التكرير وخطوط الإمداد تثير مخاوف دول الجوار أكثر من أميركا والدول الخمس الكبرى. كذلك الملف الأفغاني المجاور لباكستان، والملف العراقي المجاور لتركيا وسورية والأردن والسعودية والكويت. أما الملف الفلسطيني فإنه يتضمن مجموعة أوراق تبدأ من غزة (أمن مصر واستقرارها) والضفة (الأردن ومشروع الدولة البديلة) وسورية (الجولان ومخاطره على العاصمة) ولبنان (تجاذبات أهلية تعطل مشروع الدولة ومهماتها).

ملفات مشتركة

كل النقاط القريبة والبعيدة لها صلة مباشرة بمصالح دول إقليمية منتشرة أو واقعة على ضفاف خط الأزمات من باكستان إلى القوقاز ومن بحر قزوين إلى الخليج والسويس والمشرق العربي وبلاد الرافدين. إهمال الدول صاحبة المصلحة في معرفة مجريات الأمور واستبعادها من المشاركة في لقاء يفترض أنه يناقش ملفات إقليمية تقع في باحات وأحياء شعوب لها الحق في الاطلاع على مفاوضات لها صلة بسيادتها وأمنها واستقرارها ونموها ومستقبلها ساهما فعلا في إثارة أسئلة استفهامية. فهل ألمانيا أقرب إلى إيران من تركيا؟ وهل بريطانيا مجاورة لإيران أكثر من باكستان أو السعودية؟ وهل أميركا أو فرنسا أو الصين أو روسيا خائفة فعلا من برنامج إيران النووي وصواريخها أكثر من تلك الدول الواقعة في المجال الحيوي والجغرافيا السياسية؟

هذه الأسئلة الاستفهامية أثارت أجوبة افتراضية عن احتمالات وسيناريوهات قد لا تكون صحيحة وهي مجرد قراءات وهمية وتحليلات متخيلة. والسبب في إثارة الشكوك واختلاق المخاوف يعود إلى اتباع «الدول الكبرى» أساليب المقاطعة والاستبعاد والإهمال والتهميش وعدم أخذ مصالح القوى الإقليمية الأخرى في الاعتبار. لماذا يحق لدولة مثل ألمانيا أن تكون موجودة، ودولة مثل بريطانيا أو فرنسا أو أميركا أن تشارك بفعالية ولا يحق لدول معنية مباشرة بكل النقاط والملفات أن تطلع على مجرى المباحثات وما يمكن أن تتوصل إليه المفاوضات من نتائج في المستقبل؟

أسئلة افتراضية واستفهامية ولكنها فعلا ساهمت في فتح الملفات على قراءات وتوهمات قد تكون صحيحة في بعض جوانبها. وتذرع الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى بـ «إسرائيل» ودورها في تعطيل دائرة المشاركة (الشراكة الإقليمية) ليس سببا كافيا للإقناع إلا إذا كان «لقاء جنيف» خطوة عملانية على حساب تأخير موضوع فلسطين وتأجيله إلى مرحلة لاحقة.

«الشرق الأوسط» الكبير أو الصغير، القديم أو الجديد هو في النهاية عربي - إسلامي مهما حاولت الولايات المتحدة وأوروبا تغيير عناوينه وهويته وتقسيمه وتمزيقه وتقويضه. فالجغرافيا الطبيعية لا تتغير بسرعة، والجغرافيا البشرية ليس من السهل اقتلاعها كما هو حال الجغرافيا السياسية وخرائط الدول. حتى تعديل حدود جغرافية الدول ليس بسيطا لأنه يتطلب الوقت للتكيف أو التأقلم. وبسبب كل هذه الاعتبارات والعوامل والدوافع لن تنجح «الدول الست» في التوصل إلى تفاهم على معالجة أي من الملفات من دون مشاركة فعلية وحقيقية من القوى الإقليمية المعنية مباشرة بكل نقطة من النقاط الساخنة والباردة.

«لقاء جنيف» لابد من توسيع آفاقه وزيادة مقاعده حتى تستطيع الدول الإقليمية المشاركة في احتواء ملفات مشتركة ولا يمكن فصلها أو عزلها أو ربطها في مكان وإهمالها في مكان آخر. ومساهمة الدول المجاورة والمتاخمة والمعنية مصلحيا بكل الأوراق في اللقاءات المقبلة تعتبر ضمانة للشراكة وخطوة ميدانية قد تساعد عمليا في ضبط التوازن تحت سقف الاحترام المتبادل. فهذه الدول في النهاية هي جزء من المعادلة السياسية - الجغرافية ولا يمكن أن تكون خارج الخريطة الإقليمية إذا أرادت «الدول الست» البحث جديا بملفات أفغانستان والعراق والخليج وفلسطين.

استبعاد دول المنطقة من الدخول أو الاطلاع على التقارب الأميركي - الإيراني الخجول أثار أسئلة افتراضية ورسم خطوط أجوبة قد تكون صحيحة أو مختلقة. وبغض النظر عن التصريحات العامة التي تصدر من العواصم ومراكز القرار لزرع الطمأنينة فإن للمسألة حق سيادي وتتصل مباشرة بالمصالح، وهي لا يمكن أن تثير مخاوف دول كبرى بعيدة جغرافيا ولا تعني تلك الدول التي تقع على خط الزلازل وفي المحيط «الشرق الأوسطي».

المسألة تحتاج إلى قراءة حذرة حتى لا تنجر المنطقة إلى السقوط في مطبات هوائية أو تصورات وهمية. ومهما كانت طبيعة الملفات التي تم تداولها أو استعراضها في «لقاء جنيف» فإن القوى الإقليمية معنية بالمتابعة والاطلاع عليها سواء اقتصر اللقاء على بحث الملف النووي والبرنامج الصاروخي كما تقول «الدول الست» أو اشتمل على كل الملفات الأخرى من دون التطرق إلى التخصيب كما تقول إيران. بغض النظر عن صحة الكلام المشاع بشأن جدول اللقاء أو اللقاءات المقبلة فإن طبيعة الملفات لا تغيّر المعادلة الإقليمية والحقائق على الأرض وحق الدول المطلة على قوس الأزمات المشاركة في الترتيبات لأنها صاحبة مصلحة في ضبط التوازن وعدم انحراف البوصلة عن إرشاداتها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:57 ص

      الدنيا لا تدوم على حال

      شكراً لوليد نويهض على استقرائه الجيد والمهم ايضا هو ان هاذا التقارب سيقود الى تغيرات اقليميه سياسيه تحالفيه ربما تجر المنطقه الى انعدام الثقه المتبادله وتساوي اديولوجيتان اسلاميتان عربيه (سنيه ) واسلاميه(شيعيه) عربيه او آسويه او افريقيه (لوجود الكثير من تنامي او معتنقي المذهب الشيعي في افريقيا وماليزيا واندنوسيا ) ولحد الآن لم تضهر دوله اسلاميه سنيه تضاهي التوجهات الايرانيه المحوريه ( الموت لامريكان الموت لاسرائيل ) فلو ترك الامر كذالك فسيكون الوجه الاوضح للاسلام هو المذهب .عبد علي عبا الصري

اقرأ ايضاً