العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ

سيف الرحبي: الشاعر يُعوّل على نصّه حتى الفناء

في برنامج مسامرات ثقافية الذي يبث اليوم على «الوسط أون لاين»

دلفت إلى عمان محمّلا بتحيات كريمة للشاعر سيف الرحبي فكان لبرنامج مسامرات ثقافية فسحة مع شاعر عمان الذي أخذنا في هذه الفسحة إلى ظلال المشهد العماني، وفورة جيل جديد طالع وما الجيل بحسب الرحبي سوى مسألة إجرائية وأن الرهان في العبور إلى زمن قادم، وأخذنا الرحبي إلى مجلة نزوى في محاولتها تقديم أصوات ناجزة كرافد حيوي على السياق البحثي، وإلى استعاراته كشاعر حين تستهويه الطبيعة العمانية بوحشيتها الآسرة وبقسوتها العذبة، من جبال جرداء موحشة وبحار شاسعة وصحاري ناطقة رغم صمتها، وإلى أن الشاعر حين تهويمه الأبدي لا يسوق أحلاما بل يحفر في الجراح، في شكل جمالي فكري أدبي مقدما شهادة المرحلة، وأن لا تعويل من قبل الشاعر إلا على لحظة المغامرة أو على نصه حتى الفناء في اللاشيء.

كيف تنظر للمشهد العماني وأين تضعه على مستوى الحراك الثقافي، ما أهم ملامح هذا المشهد، أجياله، شعرائه، قضاياه، انشغلاته، حضوره منجزاته؟

- المشهد الثقافي العماني بمختلف تجلياته الثقافية والتعبيرية ربما جاء متأخرا كإنجاز عن المشهد الثقافي في البحرين والكويت، ولكن في السنوات العشر الأخيرة يلاحظ المشاهد والناظر والقارئ أن هناك نوعا من القفزة التعبيرية والإبداعية في هذا المشهد، وهذا التحقق الإبداعي يمكن قراءته في الشعر، قراءته في القصة والسرد والرواية، هناك روايات تكتب في عمان الآن على نحو الخصوصية والجدية، وهناك ما يمكن رصده في المشهد الأكاديمي والنقدي وأتصور أن هناك نوعا من فورة ثقافية في عمان يتحمل عبأها الإبداعي أفراد وأصوات من الجيل الجديد الطالع الآن في عمان وهذا جيل يبحث ويكافح ضمن من بيئة شبه معادية للثقافة الجدية ونحن في مجلة نزوى نحاول أن نقدم هذه الأصوات في حدود الممكن كونها مجلة فصلية للعالم والقارئ العربي ويمكن باستقصاء المجلة التي قاربت أعدادها الستين الآن أن يلم القارئ والناقد بأطراف أساسية من هذا المشهد الثقافي العماني الذي هاجسه الأساسي على ما يبدو الآن هو البحث في الأساليب في الإبداعية، وفي الوصول إلى مستوى مقبول من النضج والممارسة الثقافية.

قد يجد السابر أحيانا شيئا من الخصوصة هنا أو هناك لكل نتاج بحسب البيئة أو حتى طبيعة الإنسان ومكوناته الثقافية والاجتماعية، هل من خصوصية تميِّز الأدب العماني، وما ملامح هذه الخصوصة؟

- لا أريد أن أُكبر مسألة الخصوصية التي بدأت تكتسب طابعا فلكلوريا وإعلاميا، ولكن بطبيعة الحال الكاتب الفرد أو الجماعة كبشر في مكان معين في هذه الجغرافيا له نكهته ومذاقه الخاص له خصائصه الجغرافية الجيولوجية والروحية التي تحفز روح الكاتب الإبداعية على نحو ومذاق خاص وتقديم مشاعر مكانية وزمانية خاصة في خضم الشعرية العربية أو العالمية نلاحظ أن الصوت العماني والروائي والشاعر يسعى في محاولة التقاط هذا البعد الجغرافي والروحي وصياغته أدبيا، أتصور أن هذه المسألة يُنظر إليها في خضم وركامات ما تحقق سابقا وبما يبقي البصمة الإبداعية لهذا المذاق وهذا الشعور الخاص.

ما أهم الأسماء التي تصنع الخريطة الثقافية في عُمان ما أهم إنجازاتها؟

- هناك أسماء كثيرة وفي مناحٍ متعددة في الممارسة الثقافية والإبداعية في عمان، وربما لا أستطيع سردها الآن كي لا أقصر في أسماء ربما تكون أساسية من جيل صار معروفا على الصعيد الخليجي والعربي، وتأخذ طريقها إلى المعرفة الأدبية، وبصورة إجمالية هناك نوع من الازدهار الإبداعي للبحث والتطلّع والجديّة.

تطرقت لمجلة نزوى أين تضعها على مستوى الحراك الثقافي والنقدي والإبداعي عبر المشاريع التي أنجزتها؟

- مجلة من هذا النوع كان همّها وبحثها الأساسي في لملمة أطراف هذا المشهد الثقافي حتى في قديمه الإبداعي بصورة جديدة في إطار نقدي حتى آخر الأصوات الإيجابية في عمان والخليج العربي بصورة عامة. فهي مجلة تنطلق في الأفق العماني وخصائصه ومذاقاته لتصب في الثقافة العربية والعالمية عبر الترجمة المضطردة والمستمرة، أتصور أن المجلة أنجزت إلى حد ما يمكن أن تنجزه مجلة فصلية وشكّلت رافدا حيويا على السياق البحثي في الخروج من السلفية الثقافية من الانغلاق الثقافي إلى أفق العالم الرحب بحداثاته، بصراعاته، بتناقضاته الكثيرة.

الحلم مدخل شعري وفضاء مفتوح ولكل شاعر أحلامه إلى أين يأخذنا سيف الرحبي بأحلامه وما حلمه لقارئه؟

- الحلم الأساسي أن يقرأ القارئ ما أكتبه في هذه المرحلة المأساوية والمتشظية والمرتطمة بأكثر من عدم ويأس، القراءة في حد ذاتها هي ولادة جديدة للنص، وتعطي دفعة صحية على الصعيد الروحي للكاتب والقارئ وللقراءة نفسها، ولا يمكننا أن نسوق أحلاما وأوهاما ولكن يكفي أن نحفر في هذه الجراح في الفضاء المدلهم كي نحفر بشكل جمالي فكري وأدبي كي نقدم شهادة على الأقل في هذه المرحلة التي نعيش، إن لم نستطع التغيير كما درجت هذه الأطروحة السياسية التي تربط الأدب بالالتزام السياسي ببعد مباشر.

من الطبيعي أن لكل شاعر بصمته الخاصة واختياراته، واجتراحاته ما الأشياء التي يلذ للرحبي أن يعبئ معانيه فيها، ما الاستعارات التي تلذ لك، تستهويك تجعلك تنجز القصيدة من خلالها؟

- حين عدت إلى عمان كانت الطبيعة العمانية بوحشيتها الآسرة وبقسوتها العذبة تستهويني حين تكون في إطار النص الجمالي والرؤيوي، هذه الطبيعة كانت المحفز الأساسي بالنسبة لمخيلتي الشعرية هذه المجرَّات من الجبال الجرداء الموحشة هذه البحار الشاسعة هذا الربع الخالي، هذه الصحارى الناطقة بصمتها المثالي الرهيب، هذه العناصر في الطبيعة العمانية هي الأكثر تحفيزا للخيال الكتابي بالنسبة لي وفي الفترة الأخيرة هي أكثر إلحاحا وحضورا في القصيدة.

تمثّل اللغة المدخل التواصلي ما بين الشاعر ورؤاه ومتلقيه، كيف تتعامل مع اللغة باعتبارها حاملا لكونك الشعري كيف تؤثث بها كونك الشعري؟

- اللغة هي كل شيء بالنسبة للشاعر هي عدته الأساسية والوجودية والتاريخية وكل شيء خارج اللغة والأسلوب يبقى محض كلام لا قيمة له، والاعتناء باللغة والأدوات التعبيرية والجمالية هو الأساس لقيام نص حقيقي يستطيع أن يحمل كل هذه الرؤية المتشظية والفجيعة الإنسانية والبؤس البشري الذي نعيشه لذلك فالحفر في تضاريس اللغة ومحاولة البحث في تخوم دلالات جديدة باستمرار هو جهد أساسي بالنسبة للشاعر وللكاتب بصورة عامة، اللغة التي لا تتجاوز جماليتها السياق أو المدى الإنساني للكائن وفي نفس الوقت لا تخسر هذا المدى لصالح بهلوانية لفظية أو جمالية شكلانية فارغة هناك مأزق ومسيرة خطرة للشاعر في هذا الاتجاه بمثل ما يشبه لاعب السيرك وهو يمشي على هذا الحبل وعلى مشارف الهاوية.

في ظل تسيّد الرواية الآن وتخلخل الإيمان بالشعر كجنس أدبي، وفي قبضة نقد ثقافي صادم مفتت للشعرية وتمثيلاتها للأشياء، أين يضع الشاعر تجربته أمام هذه الحالة من تآكل فلسفة الجدوى الشعرية؟

- إن هذه المسألة دخلت في إطار المبالغة على الصعيد الإعلامي والنقدي، هناك انحياز لطرح ثنائية اللغة والشعر وكانت هناك سجالات وجدل، فجابر عصفور أصدر كتابه المعروف الذي ناقشناه فيه أكثر من مرة وهو «زمن الرواية» ومن المؤكد أن الرواية الآن أخذت تتسيد في المشهد إلى حد ما بالمعنى السياسي والإعلامي ولكن هذا التسيد، وهذه الصدارة لا تعطيها شرعية إبداعية أكثر من الشعر ومن فنون أخرى، والمسألة معيارية فهناك في الشعرية العربية تحقق إبداعي مهم جدا وفي الرواية أيضا لكن ليس هناك فن بالمطلق أهم من فن آخر، ليس هناك شكل تعبيري بالمطلق أهم من شكل تعبيري آخر، وهنا لابد من استعمال معيار القيمة لحد كبير والرواية تغامر في مأزق حين دخولها للمشهد الاستهلاكي فطالما استهلكت فسترى توافد كتّاب كثيرين بدون قيمة بدون معيار إبداعي على الإطلاق وإنما المشهد يتطلب ذلك، وهناك أيضا كتابة تحاول أن تتاخم بين فنون إبداعية - وأنا أضع نفسي في هذا السياق - الشعر في النثر والنثر في الشعر ثمة انفتاح للحالة المشهدية على مدى شاسع أكثر من غلق التعبير على حدود وتصنيفات، أتصور أن الكتابة العربية تتجه هذا الاتجاه في جوانبها الأساسية.

كل نص ينجز قارئه الخاص ويفترضه بشكل عام قبل أو حتى بعد القراءة، ولعله في ظل معنى متفلِّت وقارئ سريع عابر للحالة الشعرية، ما ملامح القارئ الضمني الذي تستبطنه وأنت تكتب النص؟

- في لحظة الكتابة لا أستبطن أي قارئ أفترض فقط الكتابة أفترض في لحظة دخولها في هذا الزمن، في هذه المغامرة، في هذا المجهول، الذي يفضي ربما إلى اللاشيء بعد إنجاز هذه الكتابة ربما هناك قارئ ربما هناك مكان تقرأ فيه سواء في البلد الذي أعيش فيه أو بلدان أخرى هناك هذا القارئ الافتراضي لكن ليس المحددة سلفا قبل الكتابة على الإطلاق.

الجماعة الشعرية أحيانا تكون حقيقة وأحيانا مجرد نسق مصطنع، حاجز، قيد، وكذلك الجيل الشعري، أين يضع الشاعر تجربته مع مجايليه في ظل الجماعة وهل يصنع الشاعر قصيدته بذاته أم عبر الآخر أو الجماعة الشعرية؟

- هناك الكثير من التصنيفات الجلية والجماعات الأدبية التي فيها الكثير من المبالغة ومؤرخو الأدب لا يعنون بهذه المسألة سوى مسألة إجرائية لكنها ليست معيارا في أن هذا الجيل إبداعه يتصف بهذه الصفات عن الجيل الآخر، وهكذا هناك أصوات وحالات إبداعية هي التي تدرس أكثر مما يدرس الجيل على عواهنه وفي الفترة الأخيرة كثرت هذه النبرة التصنيفية جيل الستينيات، السبعينيات، الثمانينيات، التسعينيات، وهكذا فكل كم سنة يولد جيل أدبي، وهذه فيها الكثير من الاصطناع والمبالغة في النهاية أصبح من البديهي أن الإبداع يعبر زمنه إلى أزمنة أخرى وهذا التصنيف ليس إلا تصنيفا إجرائيا دراسيا فقط.

على من يعوّل الشاعر في عمله الإبداعي على النص نفسه، على المتلقي، على اللغة، على ذاته كشاعر، على من يعوّل في صناعته الشعرية؟

- الشاعر يعوّل على النص في حد ذاته، بل على العدم على اللاشيء فمنه ربما ينبثق كل شيء، أما التعويل على مصادر وروافد خارجية فيضيع النص في أوهام مسبقة سواء كانت هذه الأوهام معرفية أو واقعية تستند إلى وقائع معينة من دون أن تختمر الفكرة أو اللغة مسافة زمنية لتخلق هذا النص الذي يحمل كل هذه الهموم، هموم الواقع هموم التاريخ هموم الوجود في بعده الحسي والميتافيزيقي، إن لحظة تشكل النص هي لحظة مغامرة بدون تحديدات معرفية أو وقائعية مسبقة حتى ولو انطلقت أحيانا من وقائع أو من تاريخ.

العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً