كلفت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بيت الاستشارات (ارنست ويونغ) بإجراء دراسة عن التجارة الإلكترونية في دول المجلس شملت دول مجلس التعاون. دامت الدراسة ستة أشهر وذلك من شهر يناير/كانون الثاني من العام 2002م، وتضمنت العينة التي اختيرت للدراسة 30 شركة من كل بلدان مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى (54) جهة حكومية من دول المجلس.
كانت أهم نتيجة خلص إليها الفريق «أن معظم خدمات الاتصالات الأساسية متوافرة وبنوعية ملائمة، وأنه لا تمثل عقبة ملموسة في وجه استخدامها لأغراض الاستفادة من خدمات الإنترنت».
وترى الدراسة أنه على رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي لاتزال في مرحلة مبكرة من دورة تبني استخدام التجارة الإلكترونية، لكنها تؤكد «أن هناك إمكانا قويا للبدء في تنامي هذا الاستخدام سريعا، بمجرد أن تكون قد توازت معظم عناصر التجهيزات الأساسية وأصبحت قائمة، ولا شك أن جميع حكومات دول المجلس تعي تماما الحاجة إلى إقامة مثل هذه التجهيزات الأساسية، بل وبدأت بالفعل في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه».
وتعزز الدراسة تفاؤلها بشأن التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون من خلال الأرقام التي أوردناها فقد أفاد «زهاء 17 في المئة من مستخدمي شبكات الإنترنت بقيامهم بأنشطة تسويقية بواسطة الإنترنت، وأنهم انفقوا ما معدله (1068) دولارا سنويا عبر الإنترنت». وتشير معلومات تقديرات الدراسة الإحصائية «وبمستويات ثقة نسبتها 90 في المئة إلى أن حجم التجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية والمستهلكين (B2C ) في دول مجلس التعاون الخليجي تتراوح بين (310) ملايين و(650) ملايين دولار. وعلى افتراض أن انتشار استخدام شبكات الإنترنت في دول مجلس التعاون سيتضاعف بحلول العام 2005م، فمن المتوقع أن يتضاعف حجم التقديرات إلى ما بين (620) مليونا و(1300) مليون دولار بحلول العام 2005م». من جانب آخر تشير تقديرات الدراسة «إلى أن الحجم الحالي للتجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية (B2B) في المنطقة يتراوح بين (3,5) بلايين و(4,2) بلايين دولار (...) ومن المحتمل أن ينمو حجم التجارة الإلكترونية بين القطاعات التجارية (B2B) في المنطقة ليبلغ (7,25 - 9,15) بلايين دولار بحلول العام 2005م. وبالتالي فإن التجارة الإلكترونية عموما (B2C) و(B2B) في دول مجلس التعاون من المتوقع أن تبلغ (8 -10) بلايين دولار بحلول العام 2005».
هذا يعني أن الجانب التقني وكذلك حجم السوق لم يعودا - في دول مجلس التعاون - عقبة تقف أمام تدشين خدمات التجارة الالكترونية، أو الترويج لها في صفوف المواطنين.
لكن ذلك لا يعني غياب أية معوقات أمام التجارة الإلكترونية وهي ما تناولته الدراسة بشيء من العلمية والتفصيل. لكننا حين نقف أمام باب العقبات التي ترى الدراسة أنها ستواجه مؤسسات القطاعين الخاص والعام عند رغبة أي منهما في ممارسة أو التهيؤ لممارسة التجارة الإلكترونية، نجد أن الدراسة تذهب - فقط - إلى «أن قضايا الأمن، وغياب الأنظمة والقوانين الداعمة للمعاملات الإلكترونية، وعدم توفر الاهتمام الكافي لدى الزبون باستخدام الانترنت في الأعمال التجارية، تشكل أوجه القلق/ العراقيل الرئيسية التي تعوق عملية تبني التجارة الالكترونية وتقف حجر عثرة في طريقها». يضاف إلى ذلك، وكما ورد في الدراسة قضايا تتعلق بالتكاليف مثل «تكاليف شراء نظم جديدة أو تعديل النظم الحالية القائمة، كما اعتبرت التكاليف المرتبطة بتغيير الثقافة التنظيمية لتصبح أكثر توجها نحو الزبائن، والتي تقضيها المستويات الأرفع للتفاعل المباشر الناتج عن استخدام الانترنت في دوائر الأعمال، عقبة رئيسية مرتبطة بالتكاليف».
كان ذلك الشق المتعلق بالقطاع الخاص أما بالنسبة إلى القطاع الحكومي فترى الدراسة أن «قضايا الأمن والتكنولوجيا كانت العقبات الرئيسية التي حددتها الجهات الحكومية» وتحدد الدراسة أن من «الأمور التي اعتبرت قضايا أساسية الخشية من أن يؤدي الاتصال المباشر إلى المساومة بشأن الأمن الداخلي، إلى جانب القضايا المتعلقة بسرية المعلومات وتأكيد هوية المؤسسات المتعاملة». وتضيف الدراسة العراقيل التي تواجه التجارة الإلكترونية في القطاع العام بالإشارة إلى «عدم توافر الأطر الاسترشادية الملائمة، وخشية الموظفين وشكوكهم بسبب التغيير وعدم الرغبة في تقديم وتقاسم البيانات الداخلية مع الشركاء».
ما لم تذكره الدراسة صراحة وعلى نحو واضح أن الدولة في دول مجلس التعاون لها دوران كلاهما مؤثر في نجاح أو فشل التجارة الإلكترونية. الدور الأول هو دور التاجر فالدولة هي أكبر ضالع في المعاملات التجارية سواء على مستوى الداخلية أو في المعاملات التجارية الخارجية، والدور الثاني هو دور المنظم لآليات المعاملات بين الاطراف كافة. ونظرا إلى عدم تحديد هذا الدور وعلى نحو واضح لم تنجح الدراسة في تلمس، ثلاث مسائل في غاية الأهمية ذات علاقة بدور الدولة في التجارة الإلكترونية في مجلس التعاون هي: الأولى، الشفافية بمعناها الإداري، فالحكومة الإلكترونية تتطلب درجة عالية من الشفافية تختلف تماما عن تلك التي تتطلبها معاملات الحكومة التقليدية. بل ربما يصل الأمر إلى أن غياب الشفافية يعني شلل معاملات الحكومة الإلكترونية ومن ثم اجهاض معاملات التجارة الإلكترونية، ولابد لنا هنا من التأكيد على أن هناك أكثر من مستوى للشفافية: المستوى الأول، بين مؤسسات وإدارات القطاع العام ذاتها، إذ لا يمكن لأي منها أن تعمل بشكل مستقل غير مرتبط بالأخريات، ومن هنا يقتضي الأمر انفتاحا داخليا كاملا يمنع أيا من تلك الإدارات من إخفاء معلومة أو معاملة عن إدارة أخرى. المستوى الثاني من الشفافية هو بين تلك المؤسسات والمواطن، إذ لابد للمعاملات الحكومية أن تكون تحت أنظار المواطنين ووفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها، كي تتم الخدمات من دون تحريف أو انحراف.
المسألة الثانية، والتي لم تأت الدراسة على ذكرها بشكل صريح هي الفساد الإداري، فبما أن معاملات الحكومة في التجارة الإلكترونية يفترض أن تتم في نقطة واحدة (one stop shop)، سيكون من المتعذر على أي من الموظفين الاستمرار في سلوكياته الفاسدة وسيكون مرغما على الإقلاع عنها قبل أن تكشفه آليات معاملات التجارة الإلكترونية التي ستجبر طرفي المعاملة: الموظف والمواطن، على التقيد بالأنظمة والقوانين التي تسير آليا من دون تدخل من الإنسان، ورويدا رويدا سيتحول هذا الانصياع إلى سلوك طوعي يقضي - او على الأقل يقلص - منافذ الفساد الإداري وفجواته.
المسألة الثالثة والأخيرة، هي البيروقراطية بمعناها السلبي، والتي يرفضها أي نظام آلي فما بالك بنظام يسير التجارة الإلكترونية التي يفترض أن تتجاوز آفاقها الحدود الإقليمية للبلد الذي يطبقها بغض النظر عن حجم أسواقه المحلية. فالتجارة الإلكترونية التي ستفرض - على رغم إرادة من يقاومها - شروطها ومقاييسها العالمية التي لابد لها أن تمتلك حيوية ذاتية تقتلع من طريقها كل جذور بيروقراطية المعاملات التقليدية، وعلى وجه الخصوص تلك المتأصلة في دول العالم النامي
العدد 285 - الثلثاء 17 يونيو 2003م الموافق 16 ربيع الثاني 1424هـ