العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ

المسرح الفرنسي ودوره الطليعي المحسود

انعكس وضع فرنسا السياسي كأقوى دولة في أوروبا اثناء عهد لويس الرابع عشر على التفوق الذي احرزه الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر. ومازال ادب العصر الذهبي يشكل اساس التعليم الليبرالي الفرنسي. وتظهر تلك الفترة اتجاها مستمرا نحو تعزيز السلطة الملكية، باستثناء نهاية النفوذ الكاثوليكي. في العام 1635 أسس الكاردينال ريتشيليو الاكاديمية الفرنسية بهدف تنظيم اللغة والتعبير الادبي، وقد تحول النزاع بين نزعتين ادبيتين - احداهما متجهة نحو حرية ابداعية أكثر، والتي يطلق عليها النقاد الحداثيون الاسلوب الباروكي ذي الدقة والتعقيد والصور الغريبة الغامضة في الادب، واخرى متجهة نحو القبول بالقواعد الادبية عمليا لصالح الكلاسيكية (أي قواعد الادب والفن عند الاغريق والرومان وهي تشمل البساطة والتناسب والسيطرة على العواطف) بحلول العام 1660. وقد صنفت عناصر هذه العقيدة بواسطة نيكولاس بويلبو - ديسبريوكس، مؤسس النقد الادبي الفرنسي في كتابه فن الشعر (1674)، الذي فيه عرّف السبب، المستوى والانسجام بانهما القيم الادبية المرموقة.

وقد ظهر أعظم الروائيين الفرنسيين في هذه الفترة. بيير كورنيل، الذي عبرت تحفته التراجيدية السيد (1637) بطريقة المسرح عن الصراع بين الواجب والعاطفة، إذ بقيت لا مثيل لها في نبل فكرتها. كتب كورنيل أكثر من 30 مسرحية، غالبيتها بعد العام 1634، في توافق مع الوحدات الارسطوطاليسية المتمثلة في الوقت المكان والعمل. وقد تفوق عليه في الشعبية والتقدير النقدي فقط بواسطة جين راسين، الذي اظهر اسلوبه البسيط وشخصياته الواقعية أكثر، وبنيات حبكة مسرحيته كما في اندرو ماك (1667) وفايدرا (1677)، عالم من العواطف الصارمة تحت طبقة خارجية من الشعر الرائع. وفي المجال الكوميدي، يجر موليير من الاستكشافات الهزلية إلى استكشافات حادة لأسئلة اجتماعية ونفسية وخارقة للطبيعة، مبدعا في مجموعة مسرحيات تبدو حديثة وحيوية اليوم كما هي عندما انتجت أولا. ومن تحفة المسرحية تارتوف فُِّّْننم (1664) وميسانثروب (1666). خلال القرن التالي، ألهبت المسرحيات الحيوية لبييردي ماريفوكس مصطلح ماريفوداج أي الاسلوب الذي يتم به اظهار عناصر الحب والمداعبة البارعة بواسطة الكاتب المسرحي. وفي نهاية القرن الثامن عشر استحوذ بيومارسيس على المسرح بمسرحياته الكوميدية الشعبية «ذي باربر أوف سيفايل» (1775) و«ذي ماريدج أوف فيغارو (1784) التي هدفت إلى إيصال رسالة سياسية متمردة على نحو حاذق.

كان المسرح الفرنسي في القرن التاسع عشر تسوده في البداية المسرحيات الرومانية لفيكتور هوغو، الذي حررت مسرحيته هيرناني (1830) الكتاب المسرحيين من التقيد بتقاليد الماضي وبمسرحيات الكسندر دوماس بير. هذه تلتها في الشعبية بالمسرحيات الرائعة لـ يوجين سكرايب، فيكتورين ساردو، والكسندر دوماس فلس، الذي دافع عن الاطروحات الاجتماعية.

لقد أوضح المسرح الفرنسي، ربما أكثر من أي شكل آخر، الثورة الادبية السائدة التي عمت فرنسا منذ أيام مسرحية ايدموند روستاندة سيرانو دي بيرجيراك المزخرفة باسراف (1897). المسرحيات الشاعرية لجين جيرودوكس خصوصا مادوومان أوف تشيلوت الصارمة (1945) إذ استمرت في جذب المشاهدين بعد الحرب، كما فعلت مسرحيات جين انيوله، التي بعضها بهيجة والبعض الآخر صارمة. ولكن مع ظهور مسرحية يوجين ايونسكو «ذي بالد سوبرانو (1950)، جاءت إلى الوجود مسرحيات جديدة بالكامل اطلق عليها المسرح السخيف، مدشنة عهدا فاصلا عن الماضي. وقد مثل صمويل بيكيت جيدا قوى وحدود هذا المسرح في مسرحياته في انتظار جودر (1953) وايندغيم (1957). في هاتين المسرحيتين تحللت الأجهزة، الشخصيات واللغة نفسها إلى فراغ رهيب. وتهدف مسرحيات جان جينيه، مثل ذي بالكوني (1956) وذي بلاكس (1958 ترجمة الانجليزية)، ايضا إلى التحطيم، ولكن بطريقه مسرحية مقدسة أكثر على رغم حيرة وكآبة هذه المسرحيات فلاشك انها اضاءت المخاوف المعتمة الاساسية للعصر الحاضر، وفوق كل ذلك صادقت على الاصالة الدائمة وحيوية المسرح الفرنسي وأكدت دوره الطليعي المحسود

العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً