العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ

الملف المسكوت عنه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الملفات التي حملها وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إلى طهران كثيرة منها ما يتعلق بالبرنامج النووي وآخر بأعضاء تنظيم «القاعدة» ومثله يتعلق بالموضوع العراقي وآخر له صلة بالمشروع السلمي في «الشرق الاوسط» الذي يعرف بخطة «خريطة الطريق»... وغيرها من قضايا تشمل حزب الله في لبنان ونشاطات حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين المحتلة.

كثيرة هي الملفات وآخرها كان تلميح الحاكم الاداري الاميركي في العراق بول بريمر إلى دور ايراني في دعم المقاومة العراقية ضد الاحتلال. فالتلميح هو بداية اتهام ينقل مسئولية المقاومة من بقايا «النظام البعثي»، كما كان يقال سابقا، إلى النظام الايراني... وبالتالي تحميل طهران نتائج اي عمل عسكري يمكن ان يتطور في العراق وخارجه.

كثيرة هي الملفات إلا ان الاهم لم يطرح على جدول الاعمال، وربما تكون عملية التهميش، أو الاهمال، مقصودة، وهو ملف النفط.

مسألة النفط (الآبار، الانابيب، محطات التكرير، طرق النقل والامداد) وغيرها من مسائل ذات صلة بالملف لم تكن علنيا على الاقل مطروحة على جدول الاعمال. فالموضوع النفطي حساس وخطير والدول الكبرى عادة لا تذكر هذه المسألة في مخططاتها السياسية فهي تلجأ إلى التورية وتكثر الاحاديث عن «الحريات» و«حقوق الانسان» و«الديمقراطية» و«المجتمع المدني» لتغطية الهدف الاول بعاصفة من الغبار تحجب الانظار وتجعل الرؤية مهمة صعبة.

هناك صراع على النفط وهو يبدأ من العراق ويمتد إلى بحر قزوين، وايران من الدول المهمة (انتاجا وتصديرا) في هذا الموضوع وهي دولة نامية تريد الاستفادة إلى اقصى حد من احتياطاتها في اراضيها وشواطئها وتحديدا في منطقة بحر قزوين. والدول الكبرى ايضا بحاجة إلى النفط. فأوروبا مثلا تعاني من مشكلة في هذا الجانب والنفط و(الغاز) جزء حيوي من أمنها الاستراتيجي ومن دونه تنهار اقتصاداتها. كذلك الولايات المتحدة فهي بدورها تعاني من تراجع احتياطاتها النفطية ومخزونها الاستراتيجي من هذه المادة. فكل سنة يزيد استهلاك اميركا من النفط ويتراجع مخزونها الأمر الذي رفع من نسبة اعتمادها على الاسواق الخارجية. ويرجح ان الولايات المتحدة خلال فترة تتراوح بين 15 و20 سنة ستصبح دولة معتمدة كليا على استيراد هذه الطاقة من الخارج.

الملف اذا خطير وكبير ويشكل اساس التحركات السياسية الاميركية في آسيا الوسطى وبحر قزوين والعراق والخليج وصولا إلى تهديد ايران وتطويقها من الشرق (افغانستان وباكستان) ومن الغرب (العراق). وتحاول الولايات المتحدة الآن وبالتعاون والتضامن مع بريطانيا تطويق ايران من الشمال اعتمادا على نقطتين: الاولى توقيع اتفاقات أمنية واقتصادية مع الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق. والثانية سحب روسيا الاتحادية من دائرة تعاونها النووي مع ايران ومحاولة شراء سكوتها (حيادها) بطرح الكثير من الاغراءات التي تشجع موسكو على فك ارتباطها مع طهران.

ايران ايضا بحاجة إلى النفط فهو يشكل سلعة استراتيجية لأمنها القومي ويعتبر من المواد الحيوية في دفع اقتصادها إلى مزيد من النمو. إلا ان ايران دولة ضخمة ومساحتها الجغرافية كبيرة ونسبة النمو السكاني فيها مرتفعة في معدلاتها. وطهران في هذا المعنى لا تستقر سياسيا في المستقبل اذا لم تنجح في توظيف ثرواتها في عجلة تطوير اقتصادها المستقل عن التبعية للأسواق العالمية. وهذا بدوره لن يصيبه النجاح اذا لم تتوصل إلى انتاج الطاقة البديلة (البرنامج النووي السلمي).

هناك مشكلة نفط اذا وهي واحدة من عشرات الملفات لكنها الاهم والنقطة المسكوت عنها في جدول اعمال جاك سترو.

ايران بحاجة ماسة إلى النفط (وايضا للطاقة البديلة) كما هي اوروبا بحاجة إليها كذلك الولايات المتحدة. وطهران في هذا المعنى تدرك ان نموها الاقتصادي المتسارع سيزيد من نسبة استهلاكها لهذه المادة وكذلك نمو رقعة الطبقة الوسطى في المجتمع سيرفع من درجة حاجة الناس إلى الطاقة. لذلك يتوقع خبراء النفط ان ايران بعد 15 و20 سنة ستصبح دولة منتجة فقط ولا تستطيع تصدير هذه المادة بسبب ارتفاع استهلاكها الداخلي نظرا إلى عوامل ثلاثة: النمو السكاني (من 60 إلى 80 مليونا)، النمو الاقتصادي (ارتفاع وتيرة التصنيع والتقدم التقني)، وأخيرا اتساع رقعة الطبقة الوسطى وهو يعني المزيد من استهلاك الطاقة وانفاقها على حاجات الرفاهية والرخاء.

النفط مسألة مهمة لايران كذلك انتاج الطاقة البديلة (المشروع النووي) الذي يوفر عليها الكثير من استنزاف احتياطاتها النفطية ويساعدها مستقبلا على تجاوز عقبات نمو حاجاتها بسبب التطور الاقتصادي واتساع رقعة الطبقة الوسطى. وحتى تنجح طهران في رسم خطة راسخة لنموها الاقتصادي لابد لها من استكمال مشروعها النووي (السلمي) بالتعاون مع موسكو. فروسيا (الجارة الشمالية) دولة حيوية لايران وهي بحاجة اليها في ثلاثة قطاعات ضرورية: الأول، النفط (الاتفاق على تقسيم حصص بحر قزوين). الثاني، النووي (استكمال مشروع بناء محطة بوشهر). والثالث، الأمني (تأمين غطاء عسكري يحمي الجبهة الشمالية للجمهورية الاسلامية).

لا شك في ان وضع ايران يمر في فترة حرجة. فالقوات الاميركية باتت تحيط بها من افغانستان وتتهمها واشنطن بتهريب أو ايواء عناصر «القاعدة»، وتحيط بها من العراق ويتهمها بريمر بأنها وراء اعمال المقاومة. وتحاول اميركا الآن وبالتعاون مع بريطانيا فك ارتباطها الاقتصادي - الحيوي مع موسكو من خلال اغراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كل هذه النقاط ترفع درجة الانتباه لمراقبة التوتر المتصاعد في علاقات اوروبا مع ايران. فالولايات المتحدة نجحت بعد فوزها العسكري السهل على العراق في تخويف «دول الضد» وبدأت بسحبها إلى معسكرها نظرا إلى ضعف الدول المعارضة لنظرية «الحروب الدائمة».

واوروبا الآن باتت تميل إلى خيار التحالف مع الولايات المتحدة وتقسيم الادوار والحصص بعد ان فشلت في خيار الاستقلال عن هيمنة واشنطن وتسلط مظلتها الأمنية. وهذه الأمور تفسر إلى حد كبير الموقف الاوروبي الضاغط على ايران والمؤيد بنسبة عالية الموقف الاميركي المتشدد ضد طهران.

زيارة سترو لايران بعد زيارة بوتين لبريطانيا لها معان مختلفة فهي اشارة واضحة لطهران بأن موسكو في النهاية «معنا» ومع «مصالحها» ولن تضحي بعلاقاتها مع الاتحاد الاوروبي من اجل برنامج نووي أو التنازل عن حصصها في بحر قزوين.

كثيرة هي الملفات التي حملها معه وزير الخارجية البريطاني إلى طهران إلا ان الاهم (النفط) لم يدرج على جدول الاعمال علنا... ولكنه أساس المفاوضات السرية التي تريد اميركا و(أوروبا الآن) انتزاعه كورقة من اوراق القوة في يد ايران

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً