العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ

مشروعية الدعوة إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

يعتبر الجهد الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية حلقة مهمة في الطموح المشروع لتجنيب البشرية الكثير من الكوارث والمآسي، بعد أن ظلت هذه الأسلحة هاجس رعب يقلق المجتمعات الانسانية، ولاسيما أن هذا الهاجس قد استغل من قبل بعض القوى والأطراف لاستخدامه ورقة ابتزاز وضغط، بل ما ينطوي عليه ذلك من معايير مزدوجة في آلية استخدامه.

واذا كان الطموح المشروع ذاك يحرك الجهد البشرى في مستويات عدة، فان التطورات والحوادث المتلاحقة تجعل من هذا الجهد محورا لحركة سياسية تتطلب تضافر الجهود لصياغة رؤية متكاملة يكون بمقدورها العمل على تحقيق اختراق في هذا الاتجاه، يمكن أن يمثل أنموذجا للتعاطي الدولي مع هذه المسألة، ولاسيما في ظل المؤشرات التي تؤكد الحاجة الماسة لذلك الاختراق الذي يمكن أن يؤسس لعمل دولي يكون سابقة مهمة وحيوية.

لقد كانت الدعوات لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل قد انطلقت منذ عقود، ولكنها لم تلق الاستجابة والاهتمام الكافيين لأسباب تتعدد بتعدد الظروف، وكان الرفض الاسرائيلي مدى تلك العقود يحول من دون ان ترى تلك الدعوة الاستجابة المطلوبة لتتمكن من صياغة رؤية سياسية تضمن مثل هذه الخطوة، وجاءت محاباة الولايات المتحدة الأميركية لـ «اسرائيل» لتجعل من تلك الدعوات حبيسة المكان الذي أطلقت منه، ولم يساهم تكرار الدعوات في اضافة شيء يذكر.

واليوم اذ تحرك هذه الدعوة التي أطلقتها سورية العربية الآمال من جديد بامكان تحقيق ما عجزت عنه في الماضي، فان البدء بالاعداد لتقديم مشروع في مجلس الأمن الدولي يشكل الأرضية التي يمكن البناء عليها من خلال العمل الجاد لتحقيق هذه الخطوة المنتظرة، ولاسيما ان المناخ الدولي أصبح أكثر تقبلا للمساعي التي يمكن أن تبذل في هذا الإطار، بل تبدو القوى والكثير من الدول الفاعلة على استعداد للمساهمة في هذه الجهود، اذ ترى أن العمل السياسي والجهود الدبلوماسية لتحقيق اطار قانوني باشراف دولي سيكون له تأثير واضح، يمكن من خلاله تحقيق ما تتطلع اليه البشرية.

وعلى ضوء هذه التجربة يمكن للمنظمة الدولية أن تعمم نتائجها بحيث تحقق ما تصبو اليه من منع انتشار اسلحة الدمار الشامل، كما يمكن ان يفعّل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى تفعيل معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التي لم تتمكن من انتزاع موافقة جميع الدول عليها، وان كانت جميع دول المنطقة قد وقعت على هذه المعاهدة باستثناء «اسرائيل» التي ترفض التوقيع، كما ترفض السماح للوكالة بالتفتيش على منشآتها النووية التي تشير الكثير من التقارير الدولية الى أن عامل الأمان فيها بات مفقودا، وأن الاجراءات المتخذة لتفادي حدوث كوارث حقيقية لا ترقى الى المستوى المطلوب، بل في بعض جوانبها لا تتوافر الحدود الدنيا من مستويات الأمان المعمول بها وذهبت بعض التقارير الى التحذير من كوارث قد تقع في أية لحظة بعد أن تحدثت المصادر الاسرائيلية عن انتهاء العمر الافتراضي للكثير من المنشآت النووية الاسرائيلية، وبالتالي فان الخطر لا يتوقف على ما تمثله هذه المنشآت من خطر الأسلحة التي تنتجها فحسب، بل ايضا من المخاطر البيئية التي تشكل هاجس رعب حقيقي للمنطقة، وهذا يكفي كي تتضافر الجهود من أجل وضع حد لاستمرار «اسرائيل» في تجاهل النداءات الدولية التي تدعو الى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

ان تحقيق هذا الجهد على المستوى الدولي يفتح المجال واسعا أمام طموحات مشروعة طالما بقيت حبيسة أدراج التمنيات والأماني في ظل وضع دولي مختل ساهم في تعميق حالة الانخراط في ذلك الاختلال أو المساهمة فيه ولو من دون قصد.

وهذا الوضع يجب أن يدفع بقوة نحو ادراك أهمية ما تطرحه سورية العربية عبر مجلس الأمن خصوصا أنه يلقى قبولا عربيا واقليميا ودوليا، باستثناء «اسرائيل» التي لاتزال تصر على البقاء خارج الشرعية الدولية.

وهذا أيضا سيشكل اختبارا حقيقيا للنوايا الاميركية في مواجهة خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، النووية والكيماوية والجرثومية، إذ ادعاءاتها بالحرص على منع انتشار هذه الاسلحة ستكون في مواجهة تفرض الى حد كبير التوجهات السياسية المقبلة والأهداف الحقيقية التي تدعيها الادارة الاميركية، وتبرز في هذا الاتجاه اكثر من قضية حيوية لابد من التركيز عليها، والعمل على انضاجها بصورة تتيح للمجتمع الدولي فرصة لتجاوز الكثير من الاشكالات التي كانت تحول في الماضي من دون اتخاذ هذه الاجراءات الضرورية.

ومن الواضح ان جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل سيشكل في هذا الوقت بالذات مدخلا حيويا ومهما لتجاوز الكثير من المشكلات السياسية المتراكمة التي تصبح بالفعل في دائرة الضوء والاهتمام الدولي، وان كان ذلك لا يرتبط بشكل مباشر بالجهود المبذولة في الأمم المتحدة، اضافة الى ان الامر بهذه الصيغة سيعطي دفعا قويا ومهما للمنظمة الدولية وهيئاتها المختلفة ويعيد لها الكثير مما فقدته في العقود الماضية، ولاسيما على خلفية التجاوز الاميركي لهذه المنظمة وقيام الادارة الاميركية بشن العدوان على العراق تحت حجج وذرائع لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية خصوصا بالولايات المتحدة الاميركية ستوظفها لتكون اداة ضغط ليس على المنطقة فحسب، بل وعلى العالم أيضا.

من هنا كانت الدعوة التي أطلقتها سورية العربية محركا في الاتجاه الصحيح القادر على خلق جهد دولي منظم ومؤهل لحوادث اختراق، اذا ما تم التعامل مع هذه الدعوة من قبل الاطراف والقوى الدولية بالجدية المطلوبة، بل ستكون خطوة رائدة على المستوى الدولي يمكن ان توفر للبشرية مناخا صحيا يضمن لها العمل بعيدا عن هواجس القلق والرعب التي يشكلها وجود أسلحة الدمار الشامل، ولاسيما عندما تكون هذه الاسلحة بأيدي حكومة متطرفة تحتل الأراضي بالقوة وترفض الانصياع للشرعية الدولية، ولا تقبل بمراقبة منشآتها النووية التي باتت تشكل اليوم عوامل خطر حقيقي وتهدد بعواقب كارثية في أية لحظة، وقد آن الأوان لوضع حد لذلك التجاوز الاسرائيلي من خلال عمل دولي منظم قادر على تحقيق ما تتطلع اليه البشرية منذ عقود، وان كانت الادارة الاميركية جادة في طروحاتها فان هذا سيشكل الفرصة السانحة والحقيقية لتأكيد تلك الجدية في توجهاتها

العدد 297 - الأحد 29 يونيو 2003م الموافق 28 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً