العدد 2313 - الأحد 04 يناير 2009م الموافق 07 محرم 1430هـ

بَعْدَ مَقْتَلِ «جَوَاهِر»: مَقَاسَاتُ الحُكّامِ لا تَصْلُحُ لِلشُعُوْبِ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في موضوع غزّة والغزّيّين حديث لا ينضب. حديث متقدم على مصائب الناس هناك. وحديث متوسّط عن معركة السلطة وحدودها هناك. وحديث متأخّر عن عُهر الموقف العربي والإسلامي والدولي تجاه ما جرى ويجري وسيجري (حتما) هناك.

ما يهمّ من كل ذلك هو التهكّم عن معركة السلطة كَفافا وكفاية. فبها باتت تُعاقَب حركة حماس وقبلها القطاع بأسره حجرا ومدرا. وهي (أيضا) عقوبة باتت تمتدّ (أو تُمَد) إلى حقّ الفرد الفلسطيني في اختيار ممثليه وتأثيمه على خياره. إنه تجريم جماعي أحمق.

في قضية شائكة مأساوية كالتي تجري في غزّة بِفعلِ حكومة رام الله وتل أبيب ومن خلفهما العالم بعَرَبِهِ وعَارِبَتِه، يبدو أننا أسرفنا كثيرا في رفض منطق التآمر ضدنا. هذا الإسراف قادنا لأن نُخرّج كل شيء على أنه منا وعلينا وضدنا. إذا نحن من يجري على أرضه الجُرم، ونحن الجناة، ونحن الشهود، ونحن الضحية. إنها حسابات أكثر خطأ من الخطأ نفسه.

نائب الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، إلفيرو دي - سوتو اتّهم في مُذكرة له مُوجّهة لـ بان كي مون واشنطن بأنها «عملت منذ البداية على إسقاط الحكومة الفلسطينية التي تشكلت بعد الانتخابات التشريعية» والتي فازت فيها حركة حماس بأغلبية المقاعد النيابية.

وهي التي (والحديث لسوتو) «دفعت منذ الانتخابات وحتى التوقيع على اتفاق مكة إلى مواجهة بين فتح وحماس». بل إن المبعوث الأميركي في اللجنة الرباعية قال صراحة وفي مناسبتين لا يفصلهما زمن بعيد تعليقا على الصراع بين الحمساويين والفتحاويين «أحب هذا العنف، هذا يعني أنه يوجد فلسطينيون يُقاومون حماس»! (راجع مذكرة نائب الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، إلفيرو دي - سوتو المرفوعة لـ بان كي مون).

ثم جاءت خطّة إليوث برامز وألستر كروك ومارك بيري (وقبلها الجنرال دايتون) لتعزيز الإجراءات المُتّخذة ضد حكومة حماس الظافرة بالسلطة «ديمقراطيا». إذا ما هو الإشكال في تسمية ما أعملته الإدارة الأميركية وحكومة الكيان الصهيوني وحكومة رام ضد حماس على أنه «تآمر»؟! بل ما هو العيب في تسمية ذلك بالصلف السياسي المنبوذ؟!.

بل الأكثر أن البعض يأتي اليوم ليقول إن برنامج حماس الحكومي قد فَشل وتعثّر! أكثر من غريب هذا القول! فإذا كان مشروع الأطلسي بإمكاناته المدارة قد تصدّع في أفغانستان أمام حركة طالبان، فكيف به مع حماس وهي تواجه مشروعا مضادا من جميع الجهات.

من يُطالب حركة حماس اليوم بالتسوية مع أبي مازن أو مع حكومة العدو (لرفع الموت والدمار عن القطاع) ما باله لا يتذكر موافقتها على وثيقة الوفاق الوطني، التي بلورتها مجموعة من قادة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني.

وما باله لا يتذكّر تصريح حكومة تل أبيب بأن قبول حماس بشروط الرباعية الدولية لا يكفي لرفع الحصار عن القطاع، ما لم تَقُم الحركة بتفكيك جناحها المُسلّح، والأذرع العسكرية الأخرى للفصائل الجهادية ما دامت هي القيّمة على غزّة.

وما باله لا يتذكّر التاسع عشر من يونيو/ حزيران المنصرف عندما وقّعت حكومة حماس وحكومة العدو (عبر الوسطاء المصريين) هدنة لمدة ستة أشهر، في تحييد جرئ لأيدلوجيتها وخطابها السياسي.

ألَم يكن كل ذلك من أجل أهل الغزّيين. بل أَلَم يكن ذاك مُدغدغا للواقعية السياسية التي يُصبح ويُمسي على سيمفونيتها أولئك المعتدلون العرب؟! فأين يكمن العذر من اللا عذر إذا؟!.

بل إن العارفين يُدركون أن ذلك الاتفاق كاد أن يمتد إلى الضفة الغربية. لولا نصيحة استخباراتية صهيونية بعدمِ فِعل ذلك لكي لا يُضاف إلى رصيد الحركة مزيد من النقاط في أنها صاحبة الفضل في تجنيب الفلسطينيين القتل والاعتقال علي يد القوات الصهيونية.

بل إن هذه الهدنة قُضِمَت أكثر عندما خَرَقَتها تل أبيب في القطاع أيضا منذ أيامها الأولى. وأيضا ما بعد انتهائها بيوم واحد فقط عندما قَتَلَت القوات الصهيونية ثلاثة من نشطاء القسّام بصواريخ مباشرة، وهو ما فجّر الأوضاع في القطاع.

مُشكلة البعض أنه لن يقبل بحماس مهما تقلّبت على فراش السياسة. إن هادنت قالوا تكرارا لسيناريو أوسلو، فَلِمَ التأسّي إذا. وإن جاهدت قالوا انتحار أرعن سيقضي على رقاب العباد. وحاله في ذلك كحال القابلين بالكُلّيات لا أقلّ من ذلك ولا أكثر.

اليوم وأمس وغدا وفي كلّ حين يجب أن يُدرك الجميع، بأن حماس لم تهبط على حكم الفلسطينيين بالمظّلات والنار، وإنما جاءت عبر صناديق الاقتراع وفازت بثمانيين مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، في عملية زكّاها المراقب الأوربي والدولي.

وعلى الذاكرة أن تنشط أكثر فأكثر. فعندما جاء شارون إلى السلطة في العام 2001 قالوا بأنّ من جاء به إلى الحُكم هو مزاج عام وشعبي صهيوني يجب أن يُحترم. ولم يُطلب منه أن يعترف باتفاقيات أوسلو ولا بواي ريفر، كما يُطلب من حماس اليوم الاعتراف بشروط الرباعية الدولية. إنه تمييز وقَلبٌ لأفهام البشر.

ليس هذا فقط، بل إن الصهاينة اليوم باتوا يتحدّثون عن نقل العرب إلى الديمقراطية بطرق مُعلّبة لأنهم يرفضونها عندما تكون بصناديق الاقتراع. فهي «قد تُسْفِر عن انتخاب غير ديمقراطيين». (راجع مقابلة شمعون بيريز في الشرق الأوسط بتاريخ 27 ديسمبر/ كانون الأول المنصرف). إنها مَقْيَسَة للحياة واختصار لأصولها ومنطقها.

هل من المعقول أن يختصر الجميع (حتى ولو كان هو الأقوى) مشاريع العالم في نماذج لا تصلح إلاّ له ولمن يليه؟! هل هذه أبجديات العالم الحُر؟! وإذا كان الحديث كذلك فليس بضارٍّ لأحد أن يجرّ البعض العالم إلى حضنه ويفعل به ما يفعل بما هو يُفكّر ويرى!. لأن المفاهيم أصبحت مُشتّتة ولم تعد الموضوعات تتوافق مع مصاديقها.

حِينَ يُصبح القتال من أجل العِرض. والاستشهاد من أجل الأرض. والتشرّد من أجل الحرية. والجوع من أجل الناس منقصة وإسفافا، فإنه ومن باب أولى أن لا يكون التعاطي مع سلوك ونوايا المقاتلين الحمساويين ضد المحتل والشهداء والجوعى من منطق الثقة والالتزام الأخلاقي. بل ويُصبح شطر كبير من تاريخ البشر والشعوب ونتاجاتهم ومعاناتهم محلّ تشكيك وتهكّم أيضا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2313 - الأحد 04 يناير 2009م الموافق 07 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً