العدد 312 - الإثنين 14 يوليو 2003م الموافق 14 جمادى الأولى 1424هـ

خيارها الوحيد

الأحساء - زهراء موسى 

تحديث: 12 مايو 2017

اليوم أكملت (غادة) شهرها الرابع، اليوم ستتذوق طعما جديدا...

طبق خزفي ملون، ملعقة صغيرة مسطحة، صدرية بجيب ورسوم (كارتونية).

لعبة موسيقية متحركة تحتال بها لصرف انتباهها عن الطبق، فلا تقلبه كسابقه.

دعيني أطعمها!

هل ستعرف؟

اختطف الملعقة وتربع أمام كرسيها الصغير.

احتضنت راحته هامتها برفق، وغافلها ليضع الملعقة عنوة في فمها.

لا تدفع بالطعام إلى فمها!

لفظته كله، وعاود ملء الملعقة.

لا تملأها حتى آخرها!

اصطنع جلبة، وعيناها المشدوهتان تلاحق إشارات يده السريعة، مطبقة فكها الصغير، قابلت محاولته الثانية:

ليس هكذا!

دعيها تتذوقه فقط، وستحبه.

ألقى بالملعقة يائسا أمام بكائها

أريني أنت كيف ستصنعين؟

ضمت الطفلة المنزعجة، ورفعت طبق الطعام.

ليس الآن... تحتاج إلى وقت لتنسى هذه التجربة السيئة.

كرات البازلاء الخضراء، مكعبات الجزر البرتقالية، الكوسا، البطاطا... تفقد أشكالها وتمتزج ألوانها بلمسة زر واحدة.

وضع حقيبة السفر جانبا، وراح يراقبها.

بدا ببذلته الرمادية الشاحبة أكثر سمرة، شعره اللامع الكثيف، غرته المنسدلة حتى حاجبيه، نظارته، شاربه ولحيته، فوضى أكبر من أن تحتملها مساحة وجهه النحيل.

ألم تذهب بعد؟

لديّ بعض الوقت، سأراك وأنت تفشلين في إطعامها (يضحك)

سأخبرك حين تتصل أنها أكلت كل الطبق... هل ستتصل؟

ربما ستفعل من أجل (غادة)... أعرف أنك لا تشتاق إليّ... تذهب وتنسى كل شيء وراءك!

... إنه العمل... هل تغارين من عملي؟

قل لي بصراحة .. ألا أعجبك؟

أنت رائعة... رائعة مثل يدك هذه... تصنع كل شيء، تقطع، تعجن، تهرس، تكنس، تمشط، تمسح، ...

تفعل ما لا يستطيع سواها فعله... لكن لديها مشكلة واحدة؛ انها ليست متخصصة في شيء.

ليست حادة كسكين، ولا كثيفة كمكنسة، ولا سريعة كغسالة... تؤدي كل شيء، ولا تبرع في شيء!

وتلك التي بحاجة إلى من يصنع لها طعامها، إلى من يغسل ملابسها... من تخلت عن وظيفتها الطبيعية كأم، أتسميها امرأة؟

نعم... امرأة متخصصة...

... هل تستغنين أنت عن أدواتك؟ خلاطتك الكهربائية... سكاكينك... ملاعقك... تخلصي منها كلها، واكتفي بيدك!

لو استطعت أنت فسأستطيع...

....

سرت فيه حيوية مفاجئة، صدرت عن يديه ورأسه حركات عشوائية، وأخذ صوته نبرة أعلى:

إذا... هل ستريني كيف تطعمينها قبل أن أذهب؟

بجهد ترفع ذراعها، صوتها كما أطرافها، لا يسعفها، تبحث عن صوتها الضائع، وعيناها تحدق سدى في الطبق...

تضع القليل فقط من الطعام على طرف الملعقة، وتقربه من فمها.

لا تدفعه. دعه يلامس شفتيها فقط، واتركها تمصه بمحض إرادتها... هكذا.

حمل حقيبته وهو يضحك فقد لفظت (غادة) الطعام.

إذا! ليست طريقتي في إطعامها هي السبب. أم ستقولين إنها مازالت تعاني إثر تجربة أمس؟!

ربما نعم... وربما...

مبتسما وملامحه تنضح بدلال أنثوي :

هل تجدينني جذابا؟

ما معنى سؤالك؟

ليس سؤالي... بل سؤال صديق... يقول: يشكو الرجل أن زوجته لا تعجبه، لكنه لا يتساءل إن كان يعجبها أو لا؟!

صديقك غبي... ولم لا تعجبني؟ الرجال مخابر لا مناظر.

نادرا ما تلتقي عيونهما، تفزعها عيناه، عيناه البنيتان الغائرتان كفنجان تلتف في قعره ثعابين الماضي وترتسم على جدرانه أشباح المستقبل.

تنتفض، تلوذ عيناها الهاربتان ببحيرتي اللازورد عيني (غادة)، تند عنها تنهيدة، وتتمتم:

(غادة) لم تحب هذا اللون من الطعام... غدا سأقدم إليها نوعا ثانيا... وثالثا... ستجد الطعم الذي يلائمها...

لديها خيارات كثيرة.


تنويه

نشرنا يوم الاثنين الماضي قصة قصيرة بعنوان «لأنها.. هي... مجرد أنثى»، وحدث سهوا أن نشرت القصة بإمضاء زهراء موسى، والصحيح أن القصة لنعيمة محمود، والتي حققت من خلالها جائزة ضمن مسابقات جامعة البحرين الثقافية، نكرر اعتذارنا عن السهو غير المقصود مرة أخرى للكاتبتين





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً