العدد 2608 - الإثنين 26 أكتوبر 2009م الموافق 08 ذي القعدة 1430هـ

كلهم في الإجرام سواء

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

قامت قيامة «إسرائيل» ولم تقعد بعد بسبب تقرير «غولدستون» فالصهاينة لم يتعودوا مطلقا أن يقول لهم أحد: إنكم أخطاتم مهما فعلوا فكيف بمن جاء اليوم ليقول لهم: إنكم مجرمو حرب ويجب أن تقدموا للمحاكمة!

ومع أن «غولدستون» قاضٍ يهودي، ومع أنه جاملهم كثيرا وحمّل حماس ما لم تحتمل، واتهمها بما لم تفعل، إلا أن الصهاينة وصفوه بأبشع الصفات، بل وحملوا بعنف على المنظمة الدولية التي ينتمي إليها ووصفوها بالفساد والانحياز وعدم الإنصاف!

الشيء الذي لفت نظري في بعض أقوال قادتهم أنهم اتهموا أميركا وبريطانيا وروسيا بممارسة جرائم حرب قياسا على اتهام القاضي «جولدستون» لهم بارتكاب جرائم حرب!

قالوا: إن أميركا هاجمت العراق وأفغانستان ومثلها بريطانيا بحجة الدفاع عن النفس، وأما روسيا فهاجمت الشيشان ولنفس السبب أيضا فلماذا لا يحق لنا أن نهاجم الفلسطينيين تحت نفس الحجة أيضا؟! ما الذي يبيح لهم ذلك الفعل ويجعله محرما علينا!

تذكرت المثل القائل: إذا اختلف اللصوص ظهرت المسروقات... فلم تكن «إسرائيل» تطلق مثل هذه الاتهامات على حليفتها الكبرى أميركا، ولا على بريطانيا التي كانت السبب في وجودها ولا زالت معها بصورة كبيرة، ولكن يظهر أن تأثيرات التقرير وتوقعاتهم المستقبلية جعلتهم يخرجون عن حدود اللياقة وقواعد الاحترام للكبار حسب المتعارف عليه بينهم سابقا فسارعوا إلى القول: إذا كنا مجرمين فأنتم مثلنا تماما، فأما أن تسكتوا وتقفوا معنا في كل شيء وإلا فعلى المجتمع أن يحاسبكم مثلنا!

أقول: لعلها للمرة الأولى - فيما اعلم - يتحدث فيها بعض الصهاينة بصدق، فهم ومن تحدثوا عنهم في الإجرام سواء! ولو كان في الكون عدالة لوجب أن يحاكم الجميع بتهم الإرهاب والإبادة الجماعية.

ولكن ماذا فعلت أميركا وبريطانيا؟ ماذا يريدون منهما أن تفعلا أكثر مما فعلتا؟! أميركا وقفت ضد التقرير، وبريطانيا صمتت، فأي شيء أفضل من ذلك!

كل الادعاءات الأميركية والبريطانية بالوقوف ضد الإرهاب والإبادة ذهبت أدراج الرياح! كل الادعاءات باحترام القوانين الدولية لم يعد لها وجود في تعاملاتهما العملية! تقرير «جولدستون» جاء بتكليف من جمعية عالمية تنتمي للأمم المتحدة فلماذا لم تقف أميركا معه؟! لماذا اعترضت عليه؟ أين صدقية أميركا وانجلترا؟

رئيس الوزراء الصهيوني أكد أكثر من مرة أنه لن يقبل بإحالة أي مسئول أو جندي إلى محكمة دولية، بل أن هناك شبه اجماع بين الصهاينة مع عدم إجراء محاكمات محلية لأن جنودهم - كما قالوا - كانوا يقومون بواجباتهم في الدفاع عن حياتهم!

ومن المضحكات التي رددها بعض الصهاينة أن إعادة هذا التقرير لمجلس الأمن أو سواه سيؤثر على المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية وكأن هذه المحادثات تقدمت ولو خطوة واحدة... ولكن البركة في السيد أبومازن الذي استجاب لهم في حجب التقرير في المرة الأولى ولما رأى الضغوط الهائلة عليه من الجميع عمل على تمريره ولكن ربما التزم لهم بأشياء أخرى تعوضهم كثيرا وتؤخر متابعة التقرير بجد، فكان أن تفتق ذهنه عن الانتخابات التشريعية والرئاسية وفي موعدها المحدد وبحسب الأنظمة التي يحترمها كثيرا! وعلى المصالحة الفلسطينية أن تذهب إلى الجحيم فهناك ما هو أهم منها وأعظم!

المجرمون الصهاينة -كما قال كبيرهم- من يسلموا إلى محكمة لاهاي، وسيكون هناك من يؤيد المجرم على قوله، ولكن السيد البشير لابواكي له؛ وها هي العدالة الدولية تلاحقه! أرأيتم أحسن من هذه العدالة؟!

تقرير «غولدستون» أحدث تأثيرا بالغا في الوضع الصهيوني وربما لأول مرة؛ فهناك تهديد جدي بملاحقة بعضهم كمجرمي حرب، وهناك -أيضا- قلق حقيقي على مكانتهم المزعومة كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان؛ ومع بطلان هذا الزعم ومنذ مدة طويلة وبكل الشواهد- إلا أن الإدانة الدولية كانت المرة الأولى ومن هنا جاء القلق والخوف.

من الواضح أن هذا التقرير لن يمر بسهولة، فرئيس وزراء «إسرائيل» تعهد بمحاربته لكل الوسائل، ومثله فعل وزير خارجيته، والضغوط على السيد أبومازن لن تتوقف، ووسائل التأخير ومافي حكمها قد تحقق ما يريده الصهاينة أخيرا، ومع هذا كله فإن هذا التقرير كشف حجم التخاذل عند الحكومة الفلسطينية، وكذلك ضعف حكومة الصهاينة لو أنها وجدت وقفة حازمة من بعض العرب وليس منهم جميعا، كما أنه أثبت أن الصهاينة ومن فعل مثلهم كلهم في الإجرام سواء وقد يأتي اليوم الذي تأخذ العدالة طريقها إليهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2608 - الإثنين 26 أكتوبر 2009م الموافق 08 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً