العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ

توجُّه جديد للمعونة الأميركية في العالم الإسلامي

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تشكل الجامعة الأميركية في بيروت، التي تخرَّج منها عشرات الألوف من القادة العرب خلال السنوات المئة والأربعين الماضية، مثالا مشرّفا للمعونة الخارجية المستخدمة بشكل جيد. ليست القيادية والشعور بخدمة العالم العربي هما ما يميز خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، فخريجو هذه الجامعة المرخّصة من جانب جامعة نيويورك هم مؤمنون في الغالب وبقوة بالثقافة والمُثل الأميركية.

إلا أن المعونة الخارجية للدول الفقيرة لا تُستخدم دائما بشكل جيد. يستطيع المانحون الوصول إلى قلوب المستفيدين وعقولهم عندما تتعامل المعونة بشكل خلاّق مع الاحتياجات البشرية مثل التعليم وفرص العمل والمساواة في النوع الاجتماعي أو الصحة. إلا أنه ولسوء الحظ، جرى استخدام المعونة كذلك كتعويض عن أضرار نتجت عن حروب عقابية، وجرى أحيانا تبديدها بسبب الفساد من جانب المانح أو المستفيد. ففي العراق على سبيل المثال، يحتسب مؤشر الالتزام للتنمية التابع لمركز التنمية العالمية في العام 2008 أن 11 سنتا فقط من كل دولار تذهب فعليا إلى المعونة، بسبب الفساد الواسع المستشري، وهذا أمر يتسبب بإحباط كبير للشعب العراقي.

المؤسف أن الجزء الأكبر من المعونة الخارجية في العراق، كما هو الحال في دول أخرى في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، لها قاعدة عسكرية. تشجع المعونة العسكرية الدول النامية على الاعتماد على السلاح لتحقيق الأمن.

تتسلم «إسرائيل» ومصر والعراق وباكستان وتركيا حصة الأسد من المعونة الأميركية الخارجية، ومعظمها على شكل عقود دفاعية تفيد في نهاية المطاف الشركات الأميركية، وتخدّر حساسية المستفيدين حيال السلام والتسوية. تستهلك «إسرائيل» ومصر وحدهما ما يزيد على نصف موازنة المعونة الخارجية الأميركية.

تنفق أميركا، بصورة مطلقة (أكثر من 25 - 30 مليار دولار سنويا) أكثر من أية دولة أخرى على المعونة الخارجية. إلا أنه رغم المبلغ المثير للإعجاب، تُعتبر المعونة الأميركية ضئيلة مقارنة بثروتها الوطنية. تتبرع أميركا بنحو 0,016 من ناتجها المحلي الإجمالي، كما يقول روبرت مكماهون من مجلس العلاقات الخارجية. إلا أنه حسب المعايير العالمية، يتوقع أن تدفع كل دولة مانحة 0,7 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي كمساعدات خارجية.

إلا أن الولايات المتحدة أدركت خلال العقد الماضي وخاصة في ضوء هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، أن الوضع الراهن يجب أن يتغير.

نتيجة لذلك كان هناك تقدم جاد في إصلاح عملية إيصال المعونة الأميركية الخارجية. تحدّت الأدبيات الجديدة، حول بناء الدول مثل كتاب توماس كاروذرز خبير المساعدات الخارجية والإنسانية في صندوق كارنيغي للسلام العالمي «مساعدة الديمقراطية في الخارج»، سيطرة السياسة في مجال المعونة الخارجية. يناقش الاقتصاديون وبيوت الفكر الذين يفضلون التجارة الخارجية والاستثمارات الخارجية كأساليب استراتيجية لبناء الثروة والحد من الفقر، أن المعونة الخارجية لا قيمة حقيقية لها على المدى البعيد للدول المانحة أو المستفيدة. يتكلم خبراء التنمية كذلك عن الحاجة إلى تحسين مستوى وفاعلية المعونة الإنسانية وفي الوقت نفسه تحسين مجالات أخرى للتنمية.

يفترق التوجه الأميركي الجديد حيال المعونة الخارجية عن ممارسة ربط المعونة بالدرجة الأولى مع احتياجات الولايات المتحدة «الاستراتيجية»، الأمر الذي يترجم أحيانا بمكافأة الأنظمة الاستبدادية بمعونة إنسانية أو عسكرية لتحقيق الإذعان السياسي.

تربط مؤسسة تحدي الألفية، وهي هيئة حكومية أميركية أُنشئت في العام 2003 تحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، كميات ضخمة من المعونة الخارجية الأميركية المتأتية من أموال الضرائب مع الأداء المنافس للدول المستفيدة. لا تتأهل سوى الدول التي تستثمر في التنمية البشرية وتحترم حكم القانون وتمارس مبادئ السوق الحرة لتسلُّم منح أميركية كبيرة في الاستثمار البشري.

وقد زادت شعبية مؤسسة تحدّي الألفية من التزام الولايات المتحدة بالتنمية وحسّنت من نوعية مبادرات التمكين. وتعتبر الدول التي تتوجه نحو الإصلاحات، مثل مالي والسنغال وغامبيا والمغرب والأردن وماليزيا وإندونيسيا من بين الدول ذات الغالبية الإسلامية التي حصلت على دعم مؤسسة تحدّي الألفية أو المتوقع إعطاؤها منحا أميركية كبيرة في المستقبل.

وفي الوقت الذي تحاول فيه أميركا تحسين صورتها في العالم الإسلامي، أخذت تدرك ببطء أن توفير المعونة لبرامج تعود بالفائدة على شعب الدولة وليس الدولة فقط، يمكن أن يساعد بشكل كبير.

سوف يحتاج تحرير معونة الولايات المتحدة الموجهة نحو التنمية من أهدافها الاستراتيجية السياسية والعسكرية لفترة من الزمن، إلا أن الاستثمارات الأميركية في هيئات مثل مؤسسة تحدي الألفية، والدول المستفيدة منها، تثبت أنها على الطريق الصحيح.

*معلّق عربي أميركي حول مواضيع التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط في اتحاد الكنائس العالمي ومركزه جنيف، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً