العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ

التحديات التي تواجه الناشطين الإسلاميين في القرن الحادي والعشرين

كوالالمبور - تشاندرا مظفر 

24 يوليو 2003

في البحث عن التحديات التي تواجه الناشطين الاسلاميين في القرن الحادي والعشرين، أود أن أبدأ بتوجيه ثلاثة أسئلة، أولها: ما هي تلك التحديات في القرن الحادي والعشرين؟ ثانيها: كيف يستطيع الاسلام مواجهة هذه التحديات؟

وثالثها: ما هو دور الناشطين الاسلاميين في ايجاد الحلول لهذه التحديات؟

التحديات

دعونا نبحث في هذه التحديات من منظور عالمي، ومع ذلك، بعض هذه التحديات تكون ملائمة للتطبيق في ماليزيا، وهنا نستعرض التحديات المهمة فقط لأنه من الصعب مناقشة جميع التحديات. لذلك سنبدأ التحقيق في ثلاثة تحديات متداخلة في القرن الحادي والعشرين. الأول ما أراه أنه تحد متعلق بتمركز الثروة، والسلطة والمعرفة في أقلية من الأسرة الانسانية. هذا هو التحدي الأول.

الثروة والسلطة والمعرفة

لا شك على الاطلاق إذا اختبر المرء اتجاهات نهاية القرن العشرين أنه في العقود القليلة الأولى من القرن الحادي والعشرين، ستكون الثروة متركزة في أيدي أقلية، غالبا في الشمال، ولكن ايضا في الجنوب.

ولاعطاء فكرة عن اتجاه الثروة فقد أخبرتنا الأمم المتحدة أن 20 في المئة من الأسرة الانسانية فقط تعتبر في قمة المجتمع، وتكسب نحو 150 مرة ما تكسبه 20 في المئة من الأسرة الانسانية في السطح السفلي للمجتمع وهو تباين في الثروة أكبر من أي تباين في دولة في العالم. بمعنى آخر يفوق التباين العالمي في الثروة كل تباين دخل في كل دولة في العالم. وتعتبر الدولة الاسوأ تباينا الآن هي البرازيل، إذ إن الفرق بين 20 في المئة من قمة المجتمع و20 في المئة من اسفل المجتمع يصل الى 60 مرة ولكن على المستوى العالمي الفرق 150 مرة.

ولاعطاء وصف توضيحي أكثر لما يعنيه هذا، فقد أخبرتنا دراسة أخرى للأمم المتحدة حديثا، أن 358 بليونير، تفكَّر بليونير وليس مليونير في العالم يسيطرون على ثروة تعادل ما عند 2 بليون من الفقراء الموجودين في الكوكب.

وهنا عظم وضخامة الكارثة التي تواجهنا، الفجوة بين الاغنياء والفقراء تعتبر كبيرة للغاية.

دعونا نبحث في التباين في السلطة. يوجد بلايين من البشر في هذه الأرض لا سبيل لهم الى السلطة السياسية على الاطلاق. وهذا أمر واضح. لا يشاركون في العملية السياسية. ولا حتى يصوتون وهي أدنى عملية بقدر ما تعنيه المشاركة السياسية. لا يستطيعون التأثير في القرارات، لا يستطيعون تغيير مجرى الحوادث، انهم مجرد أناس متشردون، وتافهون في هذا المد العنيف من التاريخ الانساني.

ولكن حتى أولئك الذين صوتوا، حتى أولئك الذين لديهم من الواضح سلطة سياسية هم في الواقع عاجزون. إذا نظرت للوضع الحقيقي فستدرك ذلك. وليس هناك مكان يعكس هذا السلوك الدراماتيكي مما يحدث في البوسنة - جيزيغوفينا.

يرغب كثير من الناس في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة و أيضا في أجزاء من أوروبا الغربية أن تتم حماية الناس العاجزين في البوسنة - حيزيغوفينا. هذا هو شعور الناس العاديين في الغرب. دعونا لا نذهب بعيدا في الانطباع بأن الناس العاديين في الغرب لا يكترثون بما يجري في البوسنة - حيزبغوفينا.

ليس ذلك حقيقة في الواقع. كثير منهم يهتمون ولكنهم لا يستطيعون إجبار حكوماتهم، واقناع حكوماتهم بفعل شيء. ولن تعمل حكوماتهم شيئا لأن هذه الحكومات تقرر على أساس السلطة والمصالح وليس على أساس المبادئ الاخلاقية، ليس على اسس الصواب والخطأ وليس على أسس الخير والشر. بالاساس السلطة والقوة هي التي تهتم. انها المصالح التي تعمل وليس المبادئ.

إذا البشر العاديون هم عاجزون، نحن نعيش في نظام عالمي إذ بلاييت وبلايين من خلق الله الذين يقطنون على كوكب، الارض في الواقع لا قوة لهم. في النهاية ما يهم هو كيف تزيد النخبة سلطتها وقوتها إلى أسقصى حد، سواء كان ذلك على المستوى العالمي أو على المستوى القومي. انه ليس الحق وليست الاخلاق وليست القيم والمبادئ تلك التي تحسب وتقدر. انها السياسة، السياسة الدولية التي تسيِّر الشئون الانسانية. يمكنك ملاحظة بأم عينيك في البوسنة - حيزيغوفينا ما تعنيه القوة والفجوة بين الأقوياء والضعفاء.

هناك أيضا فجوة أخرى وهي في المعرفة. ليس لدى كثير من الناس مدخل الى المعرفة الاولية، لانهم لا يستطيعون القراءة، والا الكتابة. في عالمنا هذا، في آخر عقد للقرن العشرين، ومع الوسائل المتعقدة للاتصال، والمعرفة المتنقلة، مازال لدينا 1,5 بليون من البشر لا يستطيعون القراءة والكتابة، ولكن حتى اولئك الذين يستطيعون القراءة والكتابة هم أميون ومازالوا لا يستطيعون الوصول الى المعرفة. لماذا؟ لأن المعرفة اليوم اصبحت معقدة بحيث كثير من الناس الذين يستطيعون القراءة والكتابة هم أميون لا يستطيعون لحد ما الوصول الى المعرفة. فالمعرفة مرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا، وبالعمليات المعقدة للعلوم والتكنولوجيا وهي في الواقع بعيدة عن ادراك الغالبية العظمى من البشر. لا نستطيع الوصول الى المعرفة بسبب الطريقة التي شكلت بموجبها والطريقة التي قدمت بها، وهذه مرة أخرى تجعلنا ضعفاء وعاجزين.

فأنت لديك القوة للقراءة والقوة للكتابة، ولكن لا تستطيع الوصول الى المعرفة التي في النهاية تحدد حياتك، المعرفة المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا في أعلى مستوياتها المعقدة. اذا مازالت لديك فجوة بين أولئك المتعلمين وأولئك الأميين، ولكن الاسوأ هي فجوة بين أولئك ربما أميين وأولئك الذين يسيطرون ويوجهون الطرق الرئيسية المعقدة للمعلومات والمعرفة. هذه هي الفروقات التي تبقى في الثروة والسلطة، والمعرفة وان هذه الحقيقة ستظل معنا في القرن الحادي والعشرين.

إن الفجوة بين أولئك الذين يمتلكون ثروة، وسلطة ومعرفة وأولئك الذين لا يمتلكون ثروة، وسلطة ومعرفة ستحدد نمط التحدي الثاني الذي سيواجهنا وهو العولمة، والتحدي الثاني متعلق بالتحدي الأول.

العولمة

لاشك على الاطلاق أننا نسير في اتجاه النظام العالمي، لا أسميه المجتمع العالمي، إننى بتعمد اطلق عليه النظام العالمي. إنه ليس مجتمعا لأن المجتمع يفترض أن يتقاسم قيما، يتقاسم مبادئ ومصيرا مشتركا، ان النظام العالمي الذي ظهر لا يتقاسم قيما ومبادئ ومصيرا. لماذا؟ لأنه غير عادل، نظام عالمي جائر، نظام للسيطرة، نظام للهيمنة.

لماذا اذا غير عادل؟ لأنه كما أشرنا سابقا، هناك فجوة كبيرة في الثروة والسلطة والمعرفة، النظام العالمي الذي يتطور الآن هو انعكاس للتباينات في الثروة والسلطة والمعرفة. اذ يسيطر قليلون على الاقتصاد العالمي يهيمن قليلون على السياسة العالمية. كما أن قليلا يهيمنون على نظام الثقافة العالمي. من خلال البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، والآن آخر وسيلة للهيمنة والسيطرة، منظمة التجارة العالمية، فقد حددوا نمط الاقتصاد العالمي. إنهم أولئك القليلون الذين يقرو قيمة عملتك وليس وزارة المالكية لديك. هذه هي الحقيقة.

شكل الاستثمارات في الدولة، كيف توفر الاعمال ما اذا كان الناس سيبقون عاملين أو متعطلين، كل هذه المظاهر يتم تحديدها في القرن الحادي والعشرين ليس بواسطة الحكومات القومية ولكن بواسطة القوى العالمية. ستكون التنمية الاقتصادية للدولة خارجة عن سيطرة الحكومة القومية. وكما أشار المفكر الأميركي المشهور والمحلل الاقتصادي نعوم تشومسكي ذات مرة إنه لاتوجد دولة في العالم لها سيطرة فعلية على موازنتها. هذه هي الحقيقة. الموازنة تعني توازن الدخل والانفاق. لا توجد دولة تسيطر في الواقع على موازنتها لأن القوى التي تحدد دخل الدولة خارج سيطرة تلك الدولة.

في السياسة نجد السيطرة ممارسة من خلال مجلس أمن الأمم المتحدة وهو الذي يقرر ما اذا كان 18 مليون عراقي سيستمرون في البقاء أو يقتلون، وهو الذي يقرر ما اذا كان الضعفاء في مجتمع معين تتم حمايتهم أولا. انه مجلس الأمن الذي سمح بضحايا العدوان في البوسنة - حيزيغوفينا بأن يقوموا بحماية أنفسهم.

انه مجلس الأمن الذي سمح بقتل نصف مليون رواندي. السياسة الدولية مسيطر عليها ايضا بواسطة مؤسسات اخرى تحت إمرة الاقوياء من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية. يقرر الاقوياء دولا معينة تستطيع امتلاك أسلحة نووية، وأخرى لا تستطيع ذلك، وتلك هي القوة والسلطة والهيمنة، إنهم يقررون من خلال معاهدة انتشار السلاح النووي بان يظل «النادي النووي» محصورا وخاصا بدول معينة، وتلك ايضا قوة وسلطة سياسية.

يقرر قليون من خلال قوانين جديدة لحقوق الملكية الفكرية، كيف يمكن السيطرة على المعرفة، ما اذا كان شيء بعينه مرخص به ببراءة أولا، وكيف يمكن ان يصان ببراءة إنهم يقررون ذلك، إنها سلطتهم.

ونتحول الى النظام العالمي، اذ الاقتصاديات في مصطلحات مظاهرها العامة ومميزاتها الخاصة على حد سواء في طريقها لأن تكون متجانسة، السوق وحدها هي التي ستكون مسئولة عن ذلك. التخصيص والسعي وراء الربح بحد ذاتها ستكون مميزات تلك الاقتصاديات في كل مكان، ستكون القاعدة والمبدأ وليس الاستثناء كما كانت في الماضي

العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً