العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ

الشيخ محمد صديق المنشاوي

ولد القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي في 20 يناير/ كانون الثاني العام 1920م، ورحل عن دنيانا العام 1969، وما بين مولده ورحيله فقد نشأ في أسرة معظم قرائها من حملة القرآن، إذ حفظ القرآن الكريم وعمره أحد عشر عاما على يد الشيخ محمد النمكي قبل أن يدرس أحكام التلاوة على يد الشيخ محمد أبوالعلا والشيخ محمد سعودي بالقاهرة. وقد زار الشيخ المنشاوي الابن الكثير من البلاد العربية والإسلامية وحظي بتكريم بعضها، إذ منحته اندونيسيا وساما رفيعا في منتصف الخمسينات كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية من سورية العام 1965م، وزار باكستان والأردن وليبيا والجزائر والكويت والعراق والسعودية، وقد ترك الشيخ أكثر من 150 تسجيلا بإذاعة جمهورية مصر العربية والإذاعات الأخرى، كما سجل ختمة قرآنية مرتلة كاملة تُذاع في إذاعة القرآن الكريم وتلاوته.

و«من شابه أباه فما ظلم» فإن هذا ينطبق على الشيخ محمد صديق المنشاوي الذي ورث حلاوة الصوت من أبيه، وكذلك التفرد في التلاوة والأستاذية في الأحكام، وقبل أن نتحدث عن هذا القطب الكبير نود أن نعرج وبإيجاز على قصة والده الشيخ صديق المنشاوي الذي لم ينلْ قارئ في عصره وفي اقليمه من الشهرة مثلما ناله.

نشأ الشيخ صديق المنشاوي وعاش في مديرية قنا بصعيد مصر، وذاع صيته فيها وفي الأقاليم المجاورة، واتصل في شبابه بالشيخ أبوالوفا الشرقاوي فطرب بصوته وجعله من خاصته. والغريب في قصة حياة الشيخ المنشاوي أنه رفض الاشتراك في إحياء الليالي خارج حدود مديريتي قنا وجرجا، وكذلك رفض أن يسجل له في الإذاعة أي تسجيل على رغم العروض المغرية إلا أنه وافق وبعد 40 عاما من احترافه تلاوة القرآن الكريم، وقد حدث ذلك عندما سافرت بعثة من رجال الإذاعة إلى قنا لتسجيل شريط للشيخ المنشاوي وتمت إذاعة هذا الشريط اليتيم له في محطة الإذاعة.

عاش الشيخ المنشاوي حياته كلها لا يساوم على الأجر ولا يتفق عليه، وقد حدث ذات مرة أن كان يقرأ في مأتم أحد أعيان قنا، وفي آخر الليل دس شقيق المتوفى «بشيء» في جيب الشيخ المنشاوي وانصرف الشيخ من دون أن يلقي نظرة على هذا الشيء، ولكنه حين وصل إلى منزله اكتشف أن الشيء الذي دسه الرجل في جيبه مليم واحد لا غير، وكان الشيخ يتقاضي جنيها عن كل ليلة وقبل أن يفكر فيما حدث جاءه الرجل صاحب الليلة معتذرا عما حدث من خطأ شنيع، فقد كان في جيب الرجل جنيه ذهبي ومليم وكان ينوي إعطاءه للشيخ فأخطأ وأعطاه المليم، ولكن الشيخ المنشاوي رفض أن يتقاضى شيئا فوق المليم قائلا: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» (التوبة: 51).

وكان للشيخ المنشاوي ولدان أكبرهما الشيخ محمد صديق المنشاوي، والثاني كان ذا صوت جميل وموهبة حسنة ولكنه مات وهو في مقتبل العمر في حادث، وظل الشيخ المنشاوي حتى مماته وفيا لعهده فلا يقرأ خارج حدود مديريته ولا يساوم على أجر ولا يتفق عليه، ولكنه هجر اقليمه مرتين الأولى عندما جاء القاهرة ليقرأ ثلاثة أيام متتالية في مأتم الشيخ رفعت والثانية عندما أقنعه الإعلامي الكبير فهمي عمر بلدياته بالحضور إلى القاهرة لإجراء اختبار لصوته في الميكروفون، لكن النتيجة جاءت للأسف بالسلب لأن هناك من الأصوات ولسوء الحظ كالوجوه، فبعض الوجوه الجميلة لا تصلح للتصوير وينطبق هذا على الأصوات ولسوء حظنا أن الشيخ المنشاوي من هذا النوع.

المنشاوي الابن

كان الشيخ محمد صديق المنشاوي أحد أولئك الذي وهبوا حياتهم للخدمة في دولة التلاوة، فإذا به درة متفردة لا تكاد تجد لها نظيرا أو شبيها بين هذه الكوكبة العظيمة من قراء القرآن الكريم بداية من شيوخ دولة العلامة أحمد ندا، منصور بدار، علي محمود ومرورا بأعظم من أنجبت أرض الكنانة في دولة التلاوة الشيخ محمد رفعت ومن وقف بعده في تلاوة آيات الذكر الحكيم: الشعشاعي الكبير وشعيشع والبنا والمنشاوي الكبير وعبدالعزيز علي فرج، والطوخي، والنقشبندي والفشني، وغيرهم. وعلى رغم أن الشيخ محمد صديق المنشاوي هو ابن تلميذ بار ونجيب لعلم عظيم من أعلام القراءة هو الشيخ المنشاوي الكبير فقد جاءت بداية الشيخ المنشاوي متأخرة بعض الشيء، وحدث ذلك ابان الإذاعة المصرية فيها تجوب أقاليم البلاد أثناء شهر رمضان المعظم العام 1953م وكانت الإذاعة تسجل من أسنا عندما عندما كان الشيخ المنشاوي الصغير ضمن مجموعة من قرأ القرآن الكريم وكانت قراءته هي التي أدت إلى اعتماده في العام التالي مباشرة. ولم يكن صوت المنشاوي الابن يصافح آذان جمهور المسلمين شرقا وغربا فحسب بل لقد ذاع صيته واحتل مكانة عن جدارة واستحقاق بين كوكبة القراء بفضل الله ثم تميزت قراءته بقوة الصوت وجماله وعذوبته إضافة إلى تعدد مقاماته وانفعاله العميق بالمعاني والموسيقى الداخلية للآيات الكريمة، ولعل مستمعي القرآن الكريم يلمسون تلك المزايا التي ينطق بها صوت المنشاوي الابن بوضوح فإذا بهم مأخوذون بقوة الصوت وجماله وعذوبته، وخصوصا في سورة العلق، ولعل المستمع أيضا يتأمل متذوقا هذا الأداء المعجز، والشيخ يتلو بصوته مجودا بالصوت الخفيف «كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى. إن إلى ربك الرجعى» (العلق: 6- 8)

العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً