العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ

الظاهرة الإسلامية من السياسوية الآفلة إلى مجتمع مدني أصيل

القاهرة - أحمد محمد عبدالله 

24 يوليو 2003

مما لاشك فيه ان الظاهرة الاسلامية هي اوسع حركة اجتماعية شهدتها مجتمعاتنا خلال القرن الماضي، وقد ظلت هذه الظاهرة - ومازالت - بين مد وجزر، وازدهار وانكسار يتواليان احيانا، ويتجاوزان احيانا اخرى.

ونرى انه قد حانت «ساعة المراجعة» الواسعة المفتوحة الشاملة التي ينبغي ان تتناول بنودا عدة(امثلة):

- مراجعة تراث الفقه والفكر والتاريخ الاسلامي بشأن سنن النهضة، وموقع السياسة والدولة، وإدارة طاقات وموارد الامة.

- مراجعة ادبيات وملابسات التأسيس في الحركات الاسلامية علاوة على تحليل مناخ النشأة والتكرار.

- مراجعة مسار التجارب الحركية الاسلامية في الاقطار المختلفة.

- مراجعة الخطاب الخارجي والداخلي، والهيكل الإداري، وبرامج التثقيف والتوجيه والاعداد، واهداف واسلوب العمل.

- مراجعة التجارب التي اقامت «دولة»: السودان، ايران... الخ.

وذلك في ضوء:

- التغيرات التي تحدث في العالم.

- النتائج التي وصلت اليها التجارب الحركية المختلفة حول العالم.

- البدائل الحضارية والثقافية، والحلول الاجتماعية والسياسية المتاحة.

ونرى ان هناك بضع عقبات تحول دون حصول هذه المراجعات، منها ما هو فكري ومنها ما هو حركي أو ما هو سياسي، لكن هذه العقبات - مهما كانت - ينبغي ألا تحول دون حصول هذه المراجعة التي نعتبرها مسألة حياة أو موت.

ومن اهم ما نراه جديرا بالمراجعة تلك النزعة «السياسوية» التي صبغت التفكير والممارسة الاسلامية طوال نصف القرن الماضي، وتمثلت في التمحور حول فكرة «الدولة الاسلامية» بوصفها حجر الزاوية في «اقامة الدين» و«اصلاح الدنيا» الأمر الذي اشاع مناخا من التسييس الزائد لكل نشاط «دعوي» و«خدمي» كونه وسيلة لترجيح كفة الحركات في الصراع السياسي، وكان التغيير السياسي قد صار هو المدخل والمقدمة اللازمة لكل تغيير حقيقي على اي مستوى.

وقد نتج عن هذا «الاستخدام السياسي» لكل الانشطة حذر مضاعف، وتوجس مبدئي مازال يتنامى عند السلطات باعتبار ان كل نشاط ناجح - مهما كانت طبيعته - هو خطوة تقدم في مباراة تسجيل النقاط في التنافس السياسي على السلطة.

وقد حرم هذا المناخ من تطوير افكار واطروحات وممارسات الاسلاميين، ومواقف السلطة والنخبة منهم حتى صار الصدام هو القاعدة، والتغاضي أو التفاعل هو الاستثناء.

ونرى ان تحولا كبيرا ينبغي ان يحدث في الارضية التي ينطلق منها الاسلاميون، والاستراتيجية التي يضعونها لحركتهم، والرؤية التي تملأ اذهانهم عن انفسهم وعن العالم.

كما نرى ان اقتراب «المجتمع المدني» وأرضيته يوفران سياقا أفضل لتحقق مقدمات وخطوات المراجعة والتجديد المنشود، ويوفران فرصة نادرة لـ:

- رؤية أوضح وأعمق للذات وللعالم بتوازناته، وعلاقاته، والقوى التي تعمل فيه.

- بناء التصورات النظرية، والبرامج الواقعية على نحو أكثر جدية وفاعلية.

- بناء العناصر الفاعلة «الكوادر» على نحو أكثر تخصصا وتسامحا واستيعابا.

- الاندراج في الشبكات الفاعلة لهذا «العالم» الضخم الذاخر بالفرص من دون ان يخلو من التحديات طبعا.

- خلق واقع جديد من الانفتاح، والتعددية الحقيقية بين الاسلاميين وبعضهم، وبينهم وبين الآخرين.

ونعتقد ان طبيعة هذا التحول يمكن توصيفها في الاطر الآتية:

من الاستئثار إلى المشاركة،من العموميات إلى التخصص والابداع ،من النقد و«الضديات» إلى البناء و«الكيفيات» ،من السياسي الحزبي إلى الثقافي الاجتماعي مدخلا للتغيير والنهضة، من التربص أو التجاهل للآخر إلى التفهم والتفاعل، من السكونية إلى الدينامية، من انساق هرمية منعزلة وشبه مغلقة إلى انساق شبكية متفاعلة مفتوحة، من المحافظة وقيمها التقليدية إلى التجديد بمنهج تأصيلي منفتح، من معادلة الأنا/الآخر، إلى تعددية النحن، والغير، من الصدام السياسي المستمر إلى التفاوض والمساومة، من التحصين إلى التمكين، من الاولويات التراتبية إلى الخطوط المتضافرة.

ونرى ان هذا التحول تقف في طريقه عقبات وأوضاع فكرية سياسية وتنظيمية، وان هذه العقبات ينبغي التعامل معها بغية حلها، وتجاوزها، ونرى هذا ممكنا وخصوصا في ظل الهوية والتكوين الاصلي للافكار الاسلامية فيما يخص مكانة الامة، وآليات حركتها «تاريخيا»، لكن هذه الاصول تحتاج إلى استعادة وتجديد، واعادة قراءة واكتشاف - يتضمن الحذف والاضافة - في ضوء مستجدات التجارب الانسانية، فوحي التجارب كثيرا ما يلتقي مع وحي السماء في النتائج والدروس.

ان بدء الحوار بشأن هذه المعاني جميعا يعد لازما لتطويرها، واشاعتها في اوساط الاسلاميين، ووضعها على قائمة اولوياتهم في الحوار الداخلي بينهم، والحوار بينهم وبين العالم الذي لا اخشى ان اقول بثقة انهم يعيشون في عزلة «عجيبة» «ومدهشة» عنه على رغم انهم يستخدمون ادواته، ويدخلون في علاقات ذهنية وعملية واقعية معه!

العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً