العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ

سمير صبح

«مغربية» الصحراء وعودة لعبة الدويلات

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

هل بدأت سياسة التورط الأميركي الخاطئ في العراق تحاسب نفسها على كل الملفات العالقة في العالم العربي؟ وهل تهدف واشنطن من وراء محاولة تسخين الاجواء في المشرق العربي ومغربه على السواء، إلى تحويل الانظار عن بداية اخفاقها سياسيا بعد احراز نصرها العسكري الساحق الذي لم تعكس ابعاده الحقيقية حتى اللحظة؟

ففي التاسع من يوليو/ تموز الماضي فاجأ سفير أميركا في الأمم المتحدة «جون نيغروبونتي» نظراءه عبر تمرير بيان في أروقة هذه الجمعية يشير الى دعم بلاده لحل نزاع الصحراء الغربية وفق خطة «جيس بيكر» التي فيما لو اعتمدت من قبل مجلس الأمن فانه يتحتم عندئذ على المغرب القبول بخيارين لا ثالث لهما قبل حلول العام 2008، إما استقلالية المحافظات الصحراوية ضمن اطار مملكة فيدرالية مجهولة الترسيم الحدودي حتى الآن؟ وإما التنازل والموافقة بكل بساطة على التقسيم ما يؤكد نوايا الولايات المتحدة الهادفة الى استخدام لعبة الدويلات العرقية والطائفية لاستعادة زمام أمور هيمنة بدأت على ما يبدو بالافول.

تخبط أميركي وليس اعلان حرب

لقد استند ممثل إدارة بوش في تبريره لهذا التحول بنسبة 180 درجة الى «ملاحظة غياب اي تقدم ملموس لحل نزاع الصحراء» خصوصا بعد الجهود المبذولة لايجاد صيغة توافقية بين الاطراف المعنية. موقف فاجأ جميع الاوساط المراقبة الأميركية منها على وجه التحديد التي وجدت صعوبة في تحليل اسباب هذه الخطوة التي تتناقض مع ثوابت السياسة الخارجية الأميركية، بحدودها الدنيا، على الاقل، ذلك على رغم من السمعة «غير العطرة» التي اتسم بها صانعو القرار فيها منذ نحو من عقدين.

في هذا السياق ذكرت الاوساط عينها بالموقف الذي اعلنه الرئيس الأميركي منذ أكثر من عام خلال وجود الملك محمد السادس في زيارة رسمية لأميركا، تحديدا خلال وجوده في مزرعة العائلة بتكساس بضيافة والده. لقد اكد جورج بوش الابن في حينه ان المملكة المغربية دولة صديقة تاريخيا وان مشكلة الصحراء يجب ان تحل بشكل يضمن مصالح وسيادة هذه البلد الحليف.

لكن على ما يبدو فان بعض مراكز القوى في ادارته والتي دفعت بها لخوض مغامرات غير محسوبة النتائج، كما تثبته الايام والوقائع تبحث عن مخارج عبر محاولة تحويل الانظار الى بؤر توتر محتملة وانتقائية يكون فيها تسجيل النقاط، اسهل مما حصل في العراق أو أفغانستان انطلاقا من هذه الفرضية يمكن تشريح ما ورد على لسان بعض المسئولين في البنتاغون من انهم يستخلصون الدروس من العراق للتأكد من ان احتلالهم إلى أي بلد آخر أو منطقة متنازع عليها، ذات فائدة جغراستراتيجية سيكون أكثر اتقانا في المرة المقبلة.

فاذا كان هذا الموقف الأميركي المستجد - والذي لا يمثل بحسب مصادر مغربية رفيعة المستوى محصلة في الادارة والكونغرس وذات الغالبية الجمهورية المعروفة بتعاطفها مع العرش العلوي - قد أحدث ارباكات لجميع المتعاطين في هذه القضية عن كثب في طليعة هؤلاء فرنسا، التي تعتبر الحليف الاستراتيجي المضمون للمغرب واسبانيا المستعمر السابق لهذه الصحراء واساس المشكلات التي عدلت أخيرا من موقفها بحيث مالت للرباط. ومن المتوقع ان تلعب مدريد التي يمكن الاستنتاج بأن منطقة شمال افريقيا برمتها باتت في عين العاصفة. ما أكده بأية حال البيان الذي حاول التذكير ان النزاع القديم العهد منذ اكثر من ربع قرن بات يشكل مصدرا «محتملا» لعدم الاستقرار في المنطقة وعائقا. أمام النمو الاقتصادي في المغرب الغربي.

لكن اخطر ما ورد في البيان بحسب رأي المراقبين هو العبارة التي اشارت الى ان الاستمرار في غياب تقدم باتجاه الحل يزيد من معاناة شعب الصحراء الغربية يضاف الى ذلك التصعيد الجزائري المفتعل والمضخم من دون سابق انذار علما بان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه قد حمل رسالة الى ضيفه الباكستاني برويز مشرف عيشة انتقال هذا الاخير للمغرب. من أهم ما جاء فيها عزل الصحراء جانبا في مسائل العلاقات المغربية - الجزائرية.

لكن ما حدث بعد ذلك بساعات يناقض تماما هذا التوجه. اذ شنت وسائل الاعلام الجزائرية حملة لا سابق لها منذ فترة ضد المغرب وصل الى حد اتهامه بدعم الارهاب في الجزائر كذلك دعم تجارة المخدرات. كما ذهبت وسائل اعلامها بتشجيع رسمي الى حد اجراء حوارات مع هشام المنذري - المختلس الذي زور ملايين الدنانير البحرينية واعتقله الانتربول وسجن في اميركا وفرنسا - الذي وصفته وقدمته الصحافة الجزائرية على كونه شخصية معارضة بارزة للنظام المغربي.

يبدو ان هذا التبدل في الموقف الأميركي الذي لم تتمكن أية جهة معنية تفسير ابعاده لسبب أو لآخر من جهة؟

ومن جهة أخرى لعدم القناعه بان هذا الموقف لا رجعة فيه من قبل واشنطن. لقد سبق لهذه الاخيرة ان بدلت مواقفها في أكثر من قضية من دون تكليف خاطرها بشرح ذلك للرأي العام العالمي ولا حتى لشعبها غير المهتم اساسا بمشكلات بعيدة كقضية الصحراء لذلك الأمر لا يعدو بحسب احد المحللين الأميركيين المتعاطفين بالشأن الافريقي الى تضارب الخطط المطروحة داخل دوائر القرار في الادارة الأميركية وعدم وجود رؤى واضحة بالنسبة الى الكثير من المشكلات المطروحة.

واذا كانت بعض الاطراف المغربية تراهن على هذا التحول الأميركي لتصفية حسابات سياسية داخلية مشركة بعض وسائل الاعلام المحلية في لعبتها وصولا الى حد الترويج بان أميركا قد اعلنت الحرب على المغرب من خلال قضية الصحراء فانها هنا تحلل بامانيها فلا واشنطن مستعدة لخسارة حليف ثابت كالمغرب، كما اثبت ذلك في الملفات الأميركية وليس هنالك نية بحسب بعض المصادر الجزائرية، بالذهاب الى نهاية المطاف في موضوع الصحراء فالموقف الأخير ناجم عن عدة عوامل تداخلت مع بعضها في المرحلة الأخيرة، معطية الفرصة لفريق من صانعي القرار للهروب للامام وطرح قضية الصحراء لتحويل الانظار عما يجري في العراق، فالعوامل الست التي ترى فيها الاطراف المغربية بانها تلعب ضد مصلحة المغرب كانت على الدوام واردة في خطة بيكر وبالتالي ليس هنالك اضافات عليها، وليس هنالك اي جديد في هذا الشأن.

مخطط مرفوض ودور عربي مطلوب

لقد سبق للمغرب ان أعرب في رسالة جوابية على المقترحات المتعلقة بهذه القضية وجهها في 15 مايو/ أيار الماضي عن معارضته الشديدة لها. كما اشار الى ان البحث عن حل سياسي أو ما يسمى الحل الثالث قد تأسس منذ البداية على محاولة المملكة تطوير اختصاصات قانونية تخول لسلطة لا مركزية ادارة شئونها الخاصة على المستوى المحلي ويرى المغرب ان ضمان نجاح هذا العمل يقتضي استبعاد اي خلط بين هذا الحل السياسي او «الحل الثالث» ومخطط بيكر للتسوية وكانت الرباط اعلنت بشكل واضح موقفها خلال المشاورات التي تمت بين اعضاء مجلس الأمن التي سبقت القرار 1429 بتاريخ 30 يوليو 2002 اعتراضها على ضم 22 بندا على ما يسمى «بخطة السلام من اجل تقرير مصير سكان الصحراء المغربية».

على رغم من الاحياء المفاجئ لخطة بيكر وتهريج الولايات المتحدة لها لحد الضغط على مجلس الأمن لفرضها ان عدة اوساط مطلعة غربية تستبعد ان تنجح واشنطن بتحقيق هذا الهدف وتبرر هذه الاوساط وجهة نظرها كون مجلس الأمن بحسب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يقضي بالعمل على مساعدة الاطراف المعنية بالصراع على التوصل الى حل سياسي تفاوضي يحفظ الأمن والسلام ولا يدفع الى التوتر وحافة المواجهة.

في الوقت نفسه ذكرت مصادر مسئولة بانها قدمت مشروعا مخالفا للطرح الأميركي الاخير لا يشير من قريب او من بعيد لخطة بيكر وانما الى شيء يشبه «اتفاق - اطار» يأخذ بعين الاعتبار جميع الافكار ما يعني ان تحرير الموقف الأميركي في ظل تصاعد الانقسامات داخل مجلس الأمن يبدو صعبا ناهيك من انه لا توجد سابقة في سجلات النزاعات التي عالجها مجلس الأمن حتى الآن بين قضية مشابهة بالتصويت. يبقى السؤال: من الجهات في الولايات المتحدة التي تقف وراء تحريك هذه القضية على هذا النحو؟ وما الاسباب الموجبة التي دفعت بالادارة الأميركية للتمسك بخطة بيكر الآن؟

على أية حال، فالمعلوم ان ما يجمع بين اميركا والرباط أكثر بكثير مما يفرق ذلك على رغم اثارة هذه المسألة في هذه المرحلة الصعبة بالنسبة الى الجميع.

في ظل جنوح أميركي يقوده فريق يريد ازالة بؤر التوتر في العالم أجمع من الشرق الاوسط الى لغرب العربي وافريقيا ويسجل نقاطا في خانته السياسية مستندا بذلك على انشاء دويلات أو حكومة مبنية على اسس عرقية أو اثنية وحتى قبائلية يلاحظ ان العالم العربي يقف على مسافة من قضية الصحراء الغربية علما بان الجزائر تؤكد على الدوام ان ليس لها حقوق ولا مطامع تراثية أو اقتصادية فيها. لذلك فعلى جامعة الدول العربية - على رغم ضعفها وهزالها والعوائق الموضوعة في طريق امينها العام عمرو موسى - مدعوة اليوم اكثر من اي وقت مضى لاتخاذ موقف حازم يدعم فكرة «مغربية الصحراء» ليمنع مستقبلا نشوء كيانات انفصالية مبنية على العرق أو الدين.

فكل بلد عربي لديه مجموعات تحمل بذور نزعات انفصالية تشجعها جهات خارجية فاذا كانت بعض الدول العربية لا تتعامل حتى الآن مع اقلياتها بالشكل اللائق والعادل من حيث الحقوق الا ان علاقة السلطة المركزية مع الصحراويين تختلف تمام الاختلاف إذ يتمتع هؤلاء بحقوق وامتيازات تفوق في الكثير من التقديمات الاجتماعية والصحية والتنموية ما تحصل عليه جهات أخرى بهدف تشجيع سكان المحافظات الصحراوية في الجنوب التمسك اكثر بالوحدة الوطنية في المغرب.

من ناحية اخرى يجب على الحكومة في هذا البلد وقواه السياسية ان تقوم بدورها المطلوب بعيدا عن الارهاصات الاعلامية المعتادة والمستمرة منذ نحو عقدين والتي ينتهي مفعولها بانتهاء التأزم أو تأجيل طرح القضية في الأمم المتحدة أو حددت لقاءات جانبية مع البوليزاريو. فعلى هذه القوى السياسية المغربية ان تعمل بالعمق مع المجتمعات العربية لشرح أحقية بلدها في هذه الارض اولا واشراكها في الدفاع عنه لكن هذا لا يتم من خلال البيانات ولا الفوارق العاطفية.

اقتصادي عربي مقيم في بار

العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً