العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ

كان الله في عون عرب ومسلمي أميركا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كل شيء بدأ عقب هجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001. وقد ساءت أوضاع الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة بسبب حرب العراق أيضا. وتستغل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش ما يسمى بـ «الحرب المناهضة للإرهاب» في التجسس على الأشخاص الذين ينتقدون سياستها، وتعمل على اعتقال وإبعاد المواطنين الأجانب من دون ذكر أسباب. لقد تغيّرت الولايات المتحدة، اذ يعتريها خوف دائم وتعمل بنفسها على اختيار أعدائها... بعد «القاعدة» وصدام حسين... يجري التفكير في الهدف التالي... إيران.

وقالت سارة لينوكس، وهي بروفيسورة في اللغة الألمانية تعمل في جامعة أمهيرست، في مقابلة مع مجلة «شتيرن» الصادرة في مدينة هامبورغ، إنها صعقت لدى سماع دعوة عبر الإذاعة إلى جمع أشرطة المغني ديكسي تشيكس كي تدوس عليها الجرافات، وكذلك مقاطعة أفلام ممثلين ناقدين لسياسة بوش في العراق - مثل مارتن شين وزميلته سوزان ساراندون - واتهامهم بالخيانة العظمى. لم تمض أيام حتى تم استدعاء الطلبة العرب والمسلمين الدارسين في الجامعات للمثول، وكأنهم ارتكبوا جرائم خطيرة، أمام مراكز الشرطة للتسجيل وأخذ بصماتهم وصورهم وهي المعاملة نفسها التي يلقاها المجرمون. كما قام عملاء الشرطة الفيدرالية (FBI) باستجواب مجموعة كبيرة من هؤلاء الطلبة، وكانت الرسالة من جراء هذه الخطوة الاستفزازية إلى منتقدي سياسة بوش: «إننا نراقبكم جيدا». تعرف سارة لينوكس أساليب الترهيب التي تستعملها الشرطة الفيدرالية، إذ كان والدها عميلا سابقا في الجهاز ومازالت تحتفظ بمعلومات جمعها عن مواطنين في الحي الذي يسكنه، يتهم فيها جيرانه بهتانا بتأييدهم للشيوعية. وقالت سارة إنها درست تاريخ الفاشية الألمانية «وقد لا أبالغ لو قلت إننا على الطريق كي نصبح دولة فاشية إذا استمرت الأمور على هذا المنوال».

محمد الأديب، بروفيسور في الاقتصاد، عراقي يحمل الجنسية الأميركية، قال إن عملاء الشرطة الفيدرالية قرعوا باب بيته وأبلغوه أنهم بلغتهم معلومات بأنه معادٍ للولايات المتحدة وأنه ضد الحرب. نفى الأستاذ العربي صحة الادعاء بأنه معادٍ للولايات المتحدة، أما أن يكون معارضا للحرب فغيره ملايين من الأميركيين يعارضون الحرب. وقال عملاء الشرطة الفيدرالية: معنى هذا أنك ضد رئيسنا؟ وكانت إجابة محمد الأديب: هل محظور أن أتبنى رأيا آخر غير رأي الرئيس؟... والرسالة التي تركها زوار الفجر وراءهم: إننا نراقبك. ومنذ ذلك اليوم - يقول محمد - وهو يعيش في خوف دائم. قال محمد لمجلة «شتيرن»: «أنا مواطن أميركي، زوجتي أميركية، وكذلك أولادي». منذ عشرين سنة ومحمد يقيم في الولايات المتحدة وقال إنه فر آنذاك من نظام صدام حسين طلبا للحرية، كما ظن. اليوم لا يشعر بأمان ويشك في الأشخاص حوله، لابد أن أحدهم تقدم بشكوى ضده إلى الشرطة الفيدرالية بأنه وقع عريضة تدعو إلى عدم شن حرب على العراق، وقال محمد في معرض شكواه: أتيت من بلد مضطهد ولا أريد أن يتعرض هذا البلد لعملية اضطهاد جديدة. وأضاف: لا أصدق أنه يمكن وضع شخص في قفص الاتهام في الولايات المتحدة لمجرد أنه يعبر عن رأي آخر وينتمي إلى جنس آخر من البشر. أصبح البروفيسور العربي الأصل يلتزم الصمت حين يجلس بين زملائه في الجامعة ويتذكر كيف كان يفضل التزام الصمت حين كان يعيش في بغداد ولا يجد أن هناك فارقا في العيش في ظل صدام وفي ظل جورج بوش. لقد غيّرت حوادث 11 سبتمبر العام 2001 الولايات المتحدة وازداد هذا التغيير حدة نتيجة حرب العراق، وتتجه البلاد بصورة متزايدة نحو اليمين. ويشير الممثل تيم روبينز إلى انتشار أجواء الترهيب، وشكا من أن أولاده تعرضوا في المدرسة لسيل من الشتائم واتهموا بعدم الولاء للولايات المتحدة. كما تعرض صحافي ناقد للحرب، وجهت إليه الدعوة إلى الحديث أمام طلبة كلية روكفورد، لوابل من الشتائم من قبل الطلبة الذين كانوا على وشك أو يوسعوه ضربا. ليس هناك حدود لهذا التغيير. المذيع في محطة «فوكس نيوز» المقربة من إدارة بوش، بيل أورايلي، المعروف بتعصبه اليميني الأعمى، لا يكف عن التحريض ضد الصحف الليبرالية والفنانين الناقدين. كذلك كاتب مثل مايكل سافاج الذي وصف الأجانب بالبجع التي تبول على أرض أميركا وتظل بعيدة عن المراقبة. كثير من المؤسسات الإعلامية الأميركية ترى في التغيير دليلا على أن إدارة بوش تعاقب الأشخاص الذين يعارضون سياستها من دون تمييز إذا كان هؤلاء من أميركا أو دول عربية وإسلامية حتى من ألمانيا وفرنسا.

منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الثاني حين بدأ العمل بما يسمى Patriot Act)) أي قانون الوطنية، لم يعد هناك إجراء محظور لدى سلطات الأمن الأميركية، ويحلو لها أن تفعل ما تشاء، وهي تقوم باستراق السمع على المكالمات الهاتفية والتجسس على الرسائل الالكترونية والحسابات المصرفية وتشمل بين زبائنها أفراد الأقليات وخصوصا المسلمين الذين يجري رصد تحركاتهم خطوة خطوة وجمع كل المعلومات عنهم في بنك خاص للمعلومات تستخدمه مختلف أجهزة الدولة التي بوسعها التنبه إلى كل حركة يقوم بها فرد عربي أو مسلم في طول وعرض الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك تمول وزارة الدفاع الأميركية دراسة يعمل بها معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا، إذ يمكن التعرف على عزم الفرد على القيام بعمل عنف من خلال طريقة سيره. وكتبت مورين دود في عمودها اليومي بصحيفة «نيويورك تايمز» تقول إن هذه الخطط تذكرها بخطط القصص الأسطورية لكن هذه أصبحت اليوم حقيقة.

القوة المحركة وراء التعصب المنتشر في الولايات المتحدة والخطط الأمنية المهينة وخصوصا بالنسبة إلى المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، هو وزير العدل جون أشكروفت الذي كان في السابق سياسيا عاديا في ميسوري حتى استدعاه بوش وضمه إلى إدارته وهو مسيحي متطرف ينحدر من الجنوب ويؤيد عقوبة الإعدام. مع كل إعلان يتحدث عن احتمال تعرض الولايات المتحدة لاعتداء جديد، يزداد موقف أشكروفت صلابة. ويقول المراقبون إنه يستفيد كثيرا من نشر مشاعر الخوف في البلاد، اذ يشعر العرب أكثر من غيرهم بالخناق الناتج عن الإجراءات الجديدة التي يعمل بها قسم الأمن الداخلي، ويجري استجوابهم ساعات طويلة، كما يتم احتجازهم وإبعادهم بمعزل عن انتباه الرأي العام. عامر ابراهيم أبلغ مجلة «شتيرن» أن زوار الفجر أتوا في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2002 وكأنه يعيش حوادث فيلم سينمائي. فتح عامر، وهو فلسطيني يبلغ 34 عاما من العمر، باب مسكنه، ولما كشف عملاء الشرطة الفيدرالية عن هويتهم وطلبوا منه ارتداء ثيابه سألهم عن السبب وما إذا لديهم مذكرة إيقاف فسمع الإجابة: لسنا بحاجة إلى اعطائك سببا ولسنا بحاجة إلى مذكرة إيقاف. في مركز التحقيق سمع عامر اتهاما بأنه خرق قانون الإقامة وأن بوسع السلطات الأميركية احتجازه خمسين سنة. ولما قال للمحققين إنه يملك الحق في الاتصال بمحاميه، صرخ به أحدهم: قل لي أين هو مكان كلمة «هاتف» في القانون الأميركي. أدرك عامر أنه أصبح في أميركا أخرى غير أميركا التي لجأ إليها هربا من الاحتلال الإسرائيلي وكآبة الوضع الاقتصادي المزري في الشرق الأوسط. قريبا سيمثل عامر أمام القاضي وقال: إن المحققين سيجعلون حياتي صعبة قدر المستطاع. ويراهن على أن يتم إبعاده عن البلاد. في وقت لاحق حصل من محاميه على أشرطة فيديو صورها عملاء الشرطة الفيدرالية يظهر فيها عامر مع أصدقاء له خلال مظاهرة مناهضة لـ «إسرائيل» التقطت قبل وقت طويل سبق هجوم 11 سبتمبر العام 2001، وتعرف عامر على بعض الأصدقاء الذين فقدت آثارهم وأحدهم تم إبعاده إلى الجزائر، ثم لمح شابا نحيفا كان يلوح بالعلم الفلسطيني يدعى جودت أبوعزة، وهو فلسطيني يحمل الجنسية الكندية، قال عامر إنه ألقي القبض عليه في مطلع العام 2002 ويعتقد أنه تعرض للتعذيب داخل سجن بريستول كاونتي في شمال دارتموث في ماساشوسيتس، وكانت لغته الإنجليزية ضعيفة جدا، لم يفهم ما يريده المحققون منه. وقد أثبت تقرير طبي أن أبوعزة فقد أربعة من أسنانه خلال وجوده داخل السجن وقال عامر إنه زاره في السجن وشاهد آثار الضرب المبرح على وجهه المتورم. وقال الشريف إن أبوعزة تعرض خلال وجوده في السجن لالتهاب في الفم وإن الشرطة قدمت إليه المساعدة الطبية اللازمة. رد عامر على الشريف قائلا: منذ متى تهتم الشرطة بعلاج أسنان الموقوفين؟

في بلدة صغيرة على مشارف هيوستون تسأل ياسمين البالغة 12 عاما من العمر والدتها: متى يعود والدي؟ فمنذ أشهر لا تصدر عن والدتها باتريشيا ديفيد غير الإجابة الآتية: ربما في القريب. بتاريخ 27 يونيو/ حزيران 2002 تم إبعاد زوجها الباكستاني جيرالد. دام زواجهما سبع سنوات حتى جاء خمسة من أعضاء شرطة الهجرة واعتقلوا المواطن الباكستاني في مقر عمله وكل ما قالوه له إنه لن ينبغي عليه وعلى زوجته كتابة مثل هذه الرسالة إلى الرئيس، ثم زجوا به في السجن وبعد أربعة أشهر تم ترحيله إلى باكستان وكل ما في جيبه مبلغ 22 دولارا جمعه خلال عمله في مطبخ السجن خلال مدة الإيقاف. لم تحصل باتريشيا على إيضاح لسبب إبعاد زوجها على رغم محاولاتها اليائسة. وقالت إن زوجها جيرالد لم يكن يهتم بالسياسة وكان كاثوليكيا متدينا، وحين اعتقل جيرالد قبل عام بسبب مخالفته قوانين الهجرة كتبت باتريشيا وابنتها رسالة احتجاج إلى مجلس الشيوخ وإلى الرئيس بوش واعتبرتا هذه الخطوة منافية لحقوق الإنسان. وتعتقد باتريشيا أن إبعاد جيرالد ليس أكثر من تصفية حساب قديم وقالت: هذه الحكومة دمرت حياتنا

العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً