العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ

المثقف العربي... سعيا وراء الرزق والجاه

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

هكذا يفقد المثقف صدقيته عندما يتحول إلى عامل طلاء ومتلون يتبدل جلده مع تغيّر الظروف... هكذا نوعية من المثقفين سرعان ما تفقد صدقيتها في داخلها، فضلا عن فقدانها أمام الجمهور. ولعل أخطر موقع حساس لانحراف المثقف هي الصحافة، فالصحافة خطيرة ومغرية كذلك إذ يستطيع الصحافي من خلالها أن يتحول إلى بطل قومي وطني ولو بالمعكوس.

كثيرون هم الصحافيون الذين ارتزقوا عن طريق الصحافة... فتحوا علاقات، امتلكوا عقارات، والكثير الكثير وعاشوا واعتاشوا على حساب الوطن وعلى حساب الناس.

البعض قال فيها إنها فعلا مصباح علاء الدين في القرن العشرين... بقفزة واحدة تستطيع أن تدخل على المسئول، وما أجمله من بريق وما أسهله من وصول، فبإمكانك أن تخطب الأميرة ضياء وتصبح علاء الدين... فعلا، الصحافة هي مصباح علاء الدين ولكنها أيضا مصيدة قد تحجب الإنسان لضياع دنياه وآخرته وخصوصا إذا ما اعتمد تكسير بوصلته الوطنية. إنه عصر الوثنية السياسية وهذا ما نعيشه كمثقفين في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج... يجب عليك أن تتلقى يوميا دروسا في «الوطنية» وأن تقبل التلمذة وإلا سيشهر في وجهك ـ إذا كنت صحافيا مفكرا، حزبا، جماعة ـ سلاح التخوين والتشهير وهكذا هي السياسة، إما أن تقبل بالخطأ فتصبح طبالا يجيد فن الطبل والرقص وإلا فأنت مُدان.

هذا ما ذكره محمود عبدالفضيل في مقال له بعنوان «المثقف العربي: سعيا وراء الرزق والجاه». فكثير من المثقفين عقموا واستغلوا المنصب الثقافي والجاه الفكري من أجل الثراء السريع... بالأمس يسب الديمقراطية واليوم تجده الأم الرؤوم والقلب الحنون عليها ليزايد على كل المخلصين وكل الأمناء الذين قدموا الغالي والرخيص في سبيلها. فهو سيارة جاهزة للقيادة لمن يحكم قبضته على مقودها. ولعل ذلك هو السر وراء الكسوف الصحافي، ولا عجب إنْ رأيت صحافيا يطالب بفرض قيود على الصحافة، فهؤلاء يريدون للمجتمع أن يصبح مجتمعا أخرس له صفات القطيع، كل همّه هو الحصول على حزمة البرسيم. ويصبح كل همّ الشارع أن ينام كما ينام البعير، كل شيء فيه مجمد، يعاني من تخدير القلب على حد تعبير برغسون.

وهو طريق إلى تحويل السلطة الرابعة إلى رقٍّ جديد بأثواب جميلة وزاهية. بعض هؤلاء همّهم في الحياة لذة الفم وأن يروا كروشهم تتدلى حتى لو كانت على حساب المجتمع. السوط والحلاوة هي السياسة المعتمرة في عالم اليوم التي يستخدمها آلاف من المثقفين في عالمنا العربي، وقلما تجد مثقفا لا يتقن فن «طبخ الكلمات» تحت الطلب، ومن لم يتقنها تعلمها ومن لم يرد ذلك تجده متسكعا في محطات الغربة أو مصفدا في معتقل أو بائع أحذية على رصيف عاصمة عربية أو لاجئا يبيع في مطعم في شوارع نيويورك.

هؤلاء المثقفون آمنوا بصدق الكلمة فحوصروا وحوصرت أرزاقهم، ما اضطر بعضهم إلى الجلوس أمام محطات الميترو ليبيعوا كتبهم حتى يؤمِّنوا قوت يومهم. ألم يكن بوسع مظفر النواب أن يعيش على حساب الناس في وطنه؟ وهل تعجزه كتابة قصيدة واحدة، في حين تتاقطر العشرات ممن ليسوا من العراق ليزايدوا على العراقيين أنفسهم في حبهم وولائهم للوطن.

ما الذي يجبر الشيخ أحمد ياسين على العيش في بيت خربٍ قديم وسط حي فقير مهدد بالقتل؟ هل تعجزه كلمة مدح في عملية «السلام»؟ وهل سيكون الروائي علي سالم أشجع منه في مدح السلام، فتراه كيف يزايد على الفلسطينيين في ولائهم للأرض ـ عبر القنوات الفضائية ـ ويعلمهم كيف يحبون أوطانهم ويخلصون لها، وكيف يكونون حريصين على مصلحة الشعب الفلسطيني؟

أصبحنا في عالم مقلوب ومتهاوٍ، غابت فيه معالم الوطنية.... وأصبحت الوطنية تخصَّل حسب السياسات وتمنح حسب المزاج، تهندس بانتقائية غريبة، بعبارة أخرى أصبحت بلا معايير، تتغير بتغير الزمن وهنا تقع مشكلة كبرى، فما كان بالأمس يعد عملا وطنيا قد يتحول اليوم إلى عمل خياني والعكس بالعكس، فما كان بالأمس عملا جبانا، اليوم يعد عملا وطنيا. تماما كمطلب الديمقراطية، فمن كان يطالب بها بالأمس عُدَّ في صفوف الخائنين والمتآمرين وممن يضمرون شرا، في حين نجد اليوم الكل يهتف باسمها ويتغزل بها من مثقفين ونخب؟!

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 329 - الخميس 31 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً