العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ

فيلم «11 سبتمبر»... المأساة إنسانية ومبكرة وتتجاوز نيويورك

هذا الفيلم يبدو مثل كتاب من 11 فصلا، أو بالأصح 11 رؤية مختلفة متفاوتة ومتباينة من بلدان مختلفة لحدث كوني مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول. يصنف الفيلم الذي عرضه نادي البحرين للسينما مساء الأربعاء الماضي متزامنا مع الذكرى الثانية لحوادث سبتمبر، كفيلم درامي وتسجيلي في آن واحد، لكنني أميل إلى التعامل معه كشريط درامي اكثر منه تسجيلي لأنه لا يوثق الحدث نفسه «هجمات 11 سبتمبر» بل يحاول الاقتراب منها عبر طرح الأسئلة وتأكيد التعاطف الإنساني.

مع رؤى مكثفة في 11 دقيقة و9 ثوان لكل مخرج، يبدو الفيلم كرسائل أكثر من أي شيء آخر. ولأنه يتحدث عن مأساة واحدة، فإنه ببساطة ومثلما فكر منتجوه في الأصل ينقل ردود فعل حيال الحدث. يجدر بنا الآن أن نتعرض للأفلام الأحد عشر بشكل سريع في البداية.

سميرة مخملباف (إيران)

كعادة معظم المخرجين الإيرانيين، لجأت سميرة صاحبة «التفاحة» و«السبورة» إلى الأطفال لتقدم فيلما هو رسالة تعاطف إنساني مع الضحايا. فمن خلال مدرسة إيرانية تحاول أن تشرح أبعاد الحدث ومأسويته لتلاميذ صغار من اللاجئين الأفغان، تسألهم عن أبرز حدث وقع وسمعوا عنه. لكن مخيلة الأطفال ومعرفتهم لا تتجاوز حدود المخيم المشغول ببناء ملاجئ تحسبا للحرب التي تعتزم أميركا شنها على أفغانستان. ومن إجابات بسيطة عن رجل مات وهو يحاول حفر البئر، تتطور مناقشات الأطفال في أداء عفوي لافت وباهر إلى مناقشة إذا كان الله يجعل البعض يموت ليخلق أناسا غيرهم. وينهي أحد الأطفال المناقشة بالقول «أليس الله قادرا على كل شيء... فلا يحتاج إلى أن يفعل ذلك». وبغية أن توصل معنى المأساة التي وقعت في نيويورك للأطفال، تأخذ المعلمة تلاميذها خارج المدرسة للوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا نيويورك قرب مدخنة عملاقة لمصنع الطوب فيما الدخان يتصاعد من فوهة المدخنة في تشابه لافت مع احتراق برجي مركز التجارة العالمي.

كلود ليلوش (فرنسا)

يقدم المخرج الفرنسي رؤيته لحوادث سبتمبر من خلال سائحة فرنسية بكماء تزور نيويورك وصديقها الأميركي الذي يعمل دليلا سياحيا في مركز التجارة العالمي. ومن خيط العلاقة العاطفية بين الاثنين وتأرجح العواطف، ينهي ليلوش فيلمه بعودة الشاب إلى المنزل ولحظة فرح مؤقت لصديقته كإشارة إلى استمرار الحب، لكن وجهه المغطى بالغبار والوحل ودموعه تنبئ بما جرى قربهما.

يوسف شاهين (مصر)

يقدم شاهين رؤية ذاتية على شكل مونولوج داخلي غير مكترث على ما يبدو باتهامات سابقة له من انه مناهض لأميركا. في الفيلم نشاهده يعتذر في مؤتمر صحافي عن التعليق على ما جرى في نيويورك قائلا إنه بصدد إنجاز فيلم عن ذلك. بعد حين يصادف شبح جندي أميركي قتل في انفجار مقر المارينز في بيروت العام 3891.

ومن خلال الحوارات مع شبح الجندي، يبعث شاهين رسالة واضحة إلى الأميركيين تؤكد أن ما تعرضوا له إنما هو ثمرة سلسلة طويلة من المظالم التي لحقت بالعرب والمسلمين من سياسات الولايات المتحدة.

يقدم شاهين نماذج من هذا الظلم في فلسطين عبر مشهد الاستشهادي الفلسطيني لكنه يعطي رسالته جرعة إنسانية أخرى عندما نراه يزور قبر الجندي في مقبرة ارلنغتون في الولايات المتحدة ويدخل في حوار مفترض مع والده ووالدته. لكن المشاعر تبقى معلقة أيضا عندما يمر شبح الاستشهادي الفلسطيني عليه في المقبرة مستنكرا عليه زيارة جندي أميركي ساهمت بلاده في نكبات العرب.

دانيس تانوفيتش (البوسنة)

هجمات 11 سبتمبر تحضر بشكل عابر هنا من خلال الراديو الذي تستمع إليه نساء بوسنيات من الناجيات من مجزرة سربنيتشيا. وبوضعه المأساتين جنبا إلى جنب، فان تظاهرة النسوة التي تتم في 11 من كل شهر احتجاجا على المجزرة التي ذهب ضحيتها أزواجهن وأولادهن، وقيامهن بالتظاهر في ذلك اليوم أيضا على رغم قلة حماسهن في البداية، إنما هو رسالة تضامن إنساني مع المعاناة البشرية في أي مكان.

ادريسا اودراغو (بوركينا فاسو)

هذا هو الفيلم الوحيد الذي يحوي جرعة من الكوميديا في الشريط. لو كان هذا الفيلم قد أنجز لوحده لكانت جرعة الكوميديا فيه هي امتيازه، لكن وجودها مع الرؤى الأخرى في الشريط يجعلها تبدو شاذة وبعيدة عن أن تلامس الحدث إلا من زاوية سطحية هي شخصية بن لادن.

مجموعة من الصبية الصغار تحاول اعتقال بن لادن الذي يوجد في قريتهم. يقود المجموعة صبي صغير ترك المدرسة لكي يعمل ويعيل أمه المريضة. ان مظاهر البؤس والفقر هنا لا توظف في رؤية للحدث الأهم وهو هجمات 11 سبتمبر، بل لتبرير محاولة اصطياد بن لادن والحصول على مكافأة 52 مليون دولار. في النهاية تصل المطاردة نهايتها عندما يسافر بن لادن أو الشخص الذي يشبهه ويزجر شرطي على باب المطار الأولاد المسلحين بالحراب ويقذف في الهواء شريطا مصورا له قدموه دليلا.

كين لوش (بريطانيا)

كين لوش مخرج تشيلي يعيش في بريطانيا وهو الوحيد من بين المخرجين العشرة الآخرين الذي نال جائزة عن فيلمه من مهرجان البندقية. فيلم لوش الأفضل من بين المجموعة ولا يضاهيه في المستوى والتأثير سوى كلود ليلوش والهندية ميرا ناير.

الفيلم عبارة عن رسالة يكتبها لوش الى أهالي ضحايا 11 سبتمبر يعبر فيها عن تعاطفه وتضامنه معهم. لكنه يلجأ إلى التاريخ عندما يستعيد تاريخ 11 سبتمبر 3791 في تشيلي عندما أسقطت حكومة الرئيس المنتخب سلفادور الليندي في انقلاب دموي ووحشي قاده الجنرال بينوشيه بتشجيع واضح وصريح من الولايات المتحدة.

لوش يكتب رسالة تعاطف مع أهالي ضحايا نيويورك، لكنه يذكرهم بـ 11 سبتمبر آخر حدث في بلاده قبل 82 عاما ويأخذ المشاهد في رحلة إلى الذاكرة وهو يدعم فيلمه بشرائط اخبارية ووثائقية عن الانقلاب والمذابح التي راح ضحيتها 03 ألفا من التشيليين واغتصاب النساء وآلاف الناس الذين اختفوا. وعلى رغم تأكيده للتضامن فإنه بتذكيره للأميركيين من أهالي ضحايا نيويورك في دور حكوماتهم في مأساة بلاده، يرسل رسالة واضحة مفادها: ما جرى لكم هو ثمرة سياسات حكومتكم. لقد وضع لوش مأساتين حدثتا في تاريخ واحد هو 11 سبتمبر لكي يقرع الجرس أمام الأميركيين: المصير الإنساني واحد والضحايا متساوون في كل مكان. او بعبارة أخرى: أفيقوا، أصبحتم ضحايا الإرهاب نفسه الذي مارسته حكومتكم ضد شعوب العالم.

اليخاندرو غونزاليز (المكسيك)

قطعة فنية لمأساة الحادي عشر من سبتمبر يقدمها غونزاليز من خلال شاشة مظلمة فيما شريط الصوت ينقل إلينا مقاطع متداخلة من تسجيلات لمكالمات هاتفية جرت داخل البرجين مصحوبة بأصوات ارتطام. يقطع غونزاليز ظلمة الشاشة بشكل خاطف مرات قليلة على مشهد سقوط ضحايا من البرجين ليعيد الإظلام إلى شاشته ويقطعه من جديد على مشهد ارتطام إحدى الطائرتين بأحد البرجين.

ينهي غونزاليز فيلمه بإضاءة تدريجية للشاشة قبل أن تظهر عبارة بالعربية تقول: «نورالله هل يهدينا أم يعمينا» تتبعها ترجمة بالإنجليزية للعبارة.

عاموس غيتاي (إسرائيل)

حرص منتجو الفيلم الفرنسيون على التوازن في الرؤى، لكن غيتاي لا يقدم أكثر من رؤية إسرائيلية تقليدية مستهلكة ودعاية سياسية تتناسى في المقام الأول السؤال عن السبب وراء الإرهاب.

مراسلة محطة تلفزيونية إسرائيلية تغطي عملية انتحارية بواسطة سيارة ملغومة في أحد شوارع تل أبيب. وسط الأشلاء والفوضى وصفارات الإنذار وصفارات سيارات الإسعاف تحاول المراسلة ان تبث لمشاهديها ما يجري قبل أن تفاجأ بمسئول في المحطة يقول إن تقريرها عن الحادث لن يبث على الهواء مباشرة لأن الكاميرا انتقلت إلى نيويورك لتبث على الهواء تفجيرات 11 سبتمبر. على رغم صراخ المذيعة وترديدها لعبارة: «من يهتم بما يجري في نيويورك»، فإن الفيلم ليس سوى محاولة لربط ما يجري في فلسطين المحتلة بما جرى في نيويورك.

ميرا ناير (الهند)

تبني ميرا ناير فيلمها على قصة حقيقية لعائلة أميركية من أصل باكستاني تعيش في نيويورك. يختفي ابن العائلة وتبحث عنه والدته من دون جدوى فيما مكتب التحقيقات الفيدرالي يتهمه باعتباره أحد الإرهابيين الضالعين في التفجيرات لا لشيء سوى انه مسلم. وبين عذاب الأم والعائلة في معرفة مصير ابنهم وتحقيقات مكتب التحقيقات للعائلة وصدود الجيران ومقاطعتهم للعائلة، تتضح الحقيقة بعد شهور إذ تبين أن الابن «سلمان» قد لقي حتفه في انهيار البرجين. لقد هرع للمساعدة في عمليات الإنقاذ ومات أثناء انهيار البرجين فاصبح بطلا في نظر أمه والسلطات. باختيارها هذه القصة الحقيقية، تبعث ناير برسالتها عن الظلم الذي يتعرض له المسلمون في الولايات المتحدة أو الآخرون عموما. الآخر الذي يقدم دوما من قبل الأميركيين كشخص غامض ومشبوه. الفيلم دعوة للأميركيين لإعادة الاعتبار إلى قيم الليبرالية الحقيقية والمساواة بين الناس.

شين بن (الولايات المتحدة)

ربما جاز لهذا المخرج الأميركي أن يكون أكثر المخرجين انفعالا وأقلهم سوية لأن الحدث يمسه كمواطن أميركي. لكنه بدلا من الدعاية السياسية الفجة مثل الإسرائيلي غيتاي، قدم لوحة بسيطة ومتقنة لأرمل عجوز من خلال الممثل المخضرم ايرنست بورغنين يتحدث مع زوجته المتوفاة كما لو أنها حية. يستيقظ العجوز على حقيقة موت زوجته عندما يدخل النور إلى شقته المظلمة بعد انهيار البرج في مجاز عن صدمة اميركا واستيقاظها على مأساة التفجيرات.

سوهي ايمامورا (اليابان)

لا يتحدث ايمامورا بتاتا عن 11 سبتمبر، بل انه مثل لوش يلجأ إلى التاريخ لكن دونما رابط سوى المدلول الكامن وراء حوادث فيلمه. جندي ياباني يعود من الحرب العالمية الثانية وهو يتصرف مثل الثعبان. تحول الجندي إلى مسخ يبدو مجازا لبشاعة الحرب. لا ينسى ايمامورا أن يتعرض لمأساة هيروشيما وتبدو رسالة الفيلم هنا مثل رسالة لوش تمثل إدانة للسياسات الأميركية ويعتبر ما جرى ثمرة لهذه السياسات. لكن الكثير ممن يعرفون ايمامورا يدركون انه كان بإمكانه أن يقدم فيلما أفضل لأنه يبدو اضعف الأفلام في هذه المجموعة.

(حدث إنساني وليس محض تراجيديا أميركية)

تتفاوت الرؤى بين المخرجين الأحد عشر في هذا

العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً