العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ

الحوزة الأولى مسمار في نعش القرامطة

مسجد الخميس

مسجد الخميس أحد المعالم التاريخية الشهيرة في البحرين، وتاريخ بنائه قديم، لم يبنَ في فترة واحدة بل على فترات، وقد تغيرت أدواره عبر التاريخ، ففي فترة بني ليكون مركزا دينيا وسياسيا حيث انطلقت منه ثورة عارمة ضد القرامطة، ولم تهدأ إلا بزوال القرامطة كليا من البحرين، وبذلك يتحول المسجد لرمز فهو المسمار الأول الذي دق في نعش قرامطة البحرين. وتمر السنون ويعاد بناء المسجد بصورة أضخم ليتحول بعدها لما يشبه مقر حكم ومدرسة تعليمية. وهكذا لا يمكننا أن نتناول «مسجد الخميس» على أنه بناء له تاريخ بناء محدد، ونفصله عن الأحداث التاريخية التي مرت عليه، والأدوار التي لعبها هذا البناء.

موقع مسجد الخميس

يقع مسجد الخميس في شمال جزيرة البحرين على يمين شارع الشيخ سلمان الذي يؤدي إلى المنامة. ويبعد المسجد قرابة 4 كم من مركز مدينة المنامة. الحي الذي يوجد فيه هذا المسجد يعرف باسم «الخميس» نسبة إلى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد قريب والتي عرفت باسم «سوق الخميس». وهذا الحي يعرف باسم الخميس نسبة إلى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد قريب. والخميس ما هو إلا جزء من المنطقة التي كانت ومازالت تعرف بالبلاد القديم.

وقد فقد المسجد الكثير من جماله عندما أحيط بالمباني المدنية والشوارع وكذلك السور الذي أحاط به وفصله عن حوض الماء الذي كان تابعا له وهو المكان الذي يتوضأ فيه المصلون. والناظر لهذا المسجد عن كثب لا يمكنه أن يتصور أنه بني في زمن واحد وفترة واحدة، فبناؤه خليط بين أجزاء مدمرة وأخرى مرممة.

الأسماء التي عرف بها المسجد

من خلال المراجع والنقوشات التي عثر عليها في مسجد الخميس فإنه لا يعرف لهذا المسجد قبل عام 1582م أي اسم كان يشار إليه باسم المسجد حتى عام 1374م. وفي عام 1582م أشير للمسجد في إحدى النقوشات باسم «المشهد الشريف ذي المنارتين»، وذكر في مخطوط ديوان أبي البحر الخطي (توفي عام 1618م) باسم «المشهد ذو المنارتين»، وقد بقي هذا الاسم حتى عهد قريب فذكره النبهاني في بداية القرن العشرين باسم «المشهد» وعرف أيضا بالمسجد ذو المنارتين (أبو منارتين). ويرى الباحث علي أكبر بوشهري أن المنطقة التي يوجد فيها المسجد (أي الخميس) عرفت باسم مشهد وذلك في حدود عام 1316م. وللاسم «مشهد» دلالات تاريخية.

وعلى الرغم من شياع هذه الأسماء إلا أن المستشرقين أخطأوا في تسميته، فنظرا لوجوده بالقرب من عين «أبي زيدان» فقد قرن هذا الاسم الأخير باسمه، فيذكر لنا الكابتن ديوراند في القرن التاسع عشر اسم المسجد «مسجد مشهد أبو زيدان» و يليه بنت بالاسم «مدرسة أبو زيدان» ثم لوريمر في دليل الخليج يسميه «مسجد مدرسة أبو زيدان». و قد يضن البعض أنهم قصدوا المسجد الصغير الموجود بالقرب من عين أبي زيدان، فليس الأمر كذلك، فقد وصفوا العين والمسجد الموجود بالقرب منها ومن بعد ذلك وصفوا مسجد الخميس وأعطوه الأسماء السابقة.

مسجد الخميس في المراجع المختلفة

إن أول من صرح بوجود جامع آهل في جزيرة أوال هو الأدريسي (توفي عام 1165م) في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» حيث قال «جزيرة أوال و بها أيضا مدينة وجامع آهل». وهناك إجماع على أن الجامع هنا هو مسجد الخميس حيث لا يوجد مسجد في البحرين بهذا القدم. وعليه تكون المدينة المقصودة هي «البلاد القديم»

أما ثاني أقدم ذكر للمسجد فقد ورد في مخطوط ديوان ابن مقرب العيوني (توفي عام 1233م)، فقد لعب المسجد دورا محوريا في الأحداث التاريخية التي وثقت في مخطوط الديوان، وثالث ذكر له كان في مخطوط ديوان أبي البحر الخطي (توفي عام 1618م) حيث ذكر في أكثر من موضع باسم «المشهد ذو المنارتين».

أما أوائل التقارير التي وصفت «مسجد الخميس» فقد جاءت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكان أولها تقرير الكابتن ديوراند عن جزر البحرين عام 1878م حيث وصف المسجد بقوله: «وأخذت إلى ذلك (المسجد) ذو الجدران المزينة بالنقوش العربية القديمة، (أخذت) إلى أطلال مسجد مشهد أبو زيدان قرب البلاد القديم» وقد يعتقد البعض أنه قصد مسجد عين أبي زيدان، إلا أن كابتن ديوراند يذكر عين أبي زيدان والمسجد الصغير المبني عليها.

وبعد ست سنوات من تقرير ديوراند أي عام 1884م مرت بالبحرين «جين ديلافوي» وذلك أثناء رحلتها الاستكشافية إلى سوس في جنوب إيران، وقد زارت مسجد الخميس ووصفته بقولها: «وصلنا أمام مسجد قديم ذو منارتين لازالتا منتصبتين وقد تعرض هذا المبنى للعديد من الترميمات... (والمسجد) مزين بالعديد من النقوشات والكتابات الصخرية التي تحمل الكتابات الجنائزية موضوعة هنا وهناك وكلها تحكي تاريخ هذا المبنى».

وفي عام 1889م أعطى ثيودرت بنت وصفا جديدا لأطلال مسجد الخميس: «هذه العاصمة القديمة (أي البلاد القديم) مازالت تضم بعض الأطلال المهمة، المسجد القديم مدرسة أبو زيدان بمنارتيه الرائعتين واللتين تختلفان عن مباني الوهابية الرهيبة في هذه الأيام. ويمثل هذا المسجد معلما للسفن التي تقترب من السواحل المنخفضة لهذه الجزر. وعلى جدران المسجد تمتد نقوش جميلة كتبت بخط كوفي واضح، وحقيقة اقترن اسم الإمام علي (عليه السلام) باسم النبي (ص) يمكننا استنتاج أنه مسجد شيعي ربما بني في إحدى فترات السيطرة الفارسية». ما يحز في النفس أن عبدالرحمن مسامح في ترجمته لتقرير بنت التي نشرها عام 2001م في البحرين الثقافية العدد 27، يطمس حقيقة هوية المسجد الشيعية، ويستبدل كلمة «الوهابية» بكلمة «الأعراب».

وفي بداية القرن العشرين في حدود عام 1908م ذكر لوريمر في دليله الجغرافي عن الخليج العربي «البلاد القديم» وسوق الخميس ثم قال: «وعلى بعد قرابة نصف ميل من المنازل الموجودة هناك يوجد مسجد مدرسة أبو زيدان بمنارتيه المنتصبتين».

وفي عام 1914م وصل الشيخ النبهاني إلى البحرين وزار البلاد القديم فوصف «سوق الخميس» وعين أبي زيدان ثم تحدث عن مسجد الخميس: «وشماليه (أي سوق الخميس) على مسافة 100 ذراع آثار مسجد آخر وفي جانبه أطلال مدرسة قديمة لم يبقَ منها سوى بعض جدرانها وبعض اسطوانات مدورة منحوتة في صخور عظام ومكتوب على الجدران نقرأ في الحجارة بخط كوفي. وعندها منارتان متقابلتان شرقا وغربا طول كل واحدة منها نحو 70 ذراعا. وتسمى هذه الأطلال (المشهد)». الغريب في قول النبهاني أنه قال إنه عجز عن قراءة النقوشات الموجودة فيه وبعد ذلك ساق لنا استنتاج غريب حيث قال «وهذا المسجد والمدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبدالعزيز الأموي». وهذا الكلام عارٍ عن الصحة فالنقوشات التي زعم النبهاني أنه عجز عن قراءتها توثق بناء كل جزء من أجزاء المسجد بالتواريخ وأسماء البناة والمرممين. ويبدو أن النبهاني حاول أن يطمس جزءا من الحقائق وأن يخلق لنا أسطورة عاشت حتى أيامنا هذه. وما يثبت هذا هو زيارة باحث متخصص في نفس العام أي عام 1914م. كانت تلك الزيارة هي الأولى التي تحمل فضولا علميا ألا وهي زيارة «إيرنست دياز» وقام دياز بالتقاط الصور للمسجد وللنقوشات الموجودة فيه، وحتى وإن أخطأ دياز في قراءة بعض النقوشات إلا أن عمله بقي هو المرجع الأساسي الذي اعتمد عليه اللاحقون. وقد كتب البحث باللغة الألمانية وكان عنوان البحث كافيا ليخبرنا بهوية المسجد، فالعنوان بالألماني هو:

Ernst DIEZ (1925) «Eine Schiitische moscheeruine auf der insel Bahrein». in Jahrbuch der Asiatischen kunst، t. II،.

وترجمة العنوان «أطلال مسجد شيعي في جزيرة البحرين».

و قد أكدت البعثة الفرنسية نتائج دياز، حيث بدأت البعثة الفرنسية في التنقيب في موقع مسجد الخميس وماحوله عام 1984م بقيادة مونيك كيرفاران. وقد نشرت نتائج التنقيبات في ثلاثة بحوث نشرت في إحدى الدوريات المتخصصة المحكمة، بالإضافة لكتاب للباحث لدفيك كالوس يناقش النقوشات الإسلامية التي عثروا عليها في المسجد والمقبرة القريبة منه. وقد كشفت البعثة الفرنسية في مسجد الخميس عن نتائج مهمة ولكنهم خلفوا وراءهم أسئلة كثيرة يشوبها الغموض، وثغرات عدة يجب إعادة النظر فيها.

في هذه السلسلة من المواضيع سنعالج موضوع تاريخ بناء مسجد الخميس والأحداث المصاحبة أثناء بنائه بصورة علمية بحته حيث سنعتمد فيها على أوثق المراجع ونرفض أي معلومة لا تعتمد على أي حقائق مدعمة لها، وسنقوم بعرض جميع النظريات والاحتمالات. وسنلاحظ أن مروجي أسطورة أن أول من بنى مسجد الخميس هم الأمويون بقوا متمسكين برأيهم ولكنهم انتقلوا من ترويج الأسطورة إلى ترقيع الأسطورة. فهل تصمد الأسطورة أمام النتائج العلمية؟ أو أن النتائج تعزز موقف الأسطورة؟

العدد 2323 - الأربعاء 14 يناير 2009م الموافق 17 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً