العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ

انتفاضة مارس 1965 أوّل سطوع نضالي

مقتطفات من كتاب «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (3)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

صباح يوم الخميس 11 مارس/ آذار 1965 تغيّب أحمد الشملان الذي كان يعمل في قسم الحسابات بمصنع «الكوكاكولا» عن عمله واتجه لمحطة تجمع باصات بابكو بمنطقة السلمانية، كان العمال يتجمعون مضربين عن العمل عند باصات نقلهم وكانوا يحملون لافتات كتبت عليها مطالبهم. جاءت الشرطة وطلبت منهم عدم التجمع وركوب الباصات للتوجه للعمل، وحينما رفض العمال الانصياع لأوامر الشرطة بدأت الشرطة في ضربهم. العمال تظاهروا متجهين نحو المدرسة الثانوية للبنين في المنامة. رافق الشملان المجاميع العمالية الى المدرسة الثانوية بالمنامة، وعند المدرسة تظاهر جمع العمال داعيا الطلبة للتضامن بوقف الدراسة والخروج معهم في المظاهرة، غادر الطلبة صفوفهم وتجمعوا يتظاهرون ويهتفون في ساحة المدرسة، وقد حاول العمال من الخارج والطلبة من الداخل فتح بوابة المدرسة ليتوحد الطرفان في مظاهرة واحدة.

يقول أحمد الشملان: «كان مدير المدرسة هو الأستاذ عبدالملك الحمر وأحد مُدرسيها الأستاذ محمد خليفات، وقف مدير المدرسة ضد فتح البوابة وضد خروج الطلبة للتظاهر، أما الأستاذ خليفات الذي كان كادرا قياديا في صفوف حركة القوميين العرب، وسبق أن كان رابطي التنظيم صيف العام 1963 فأظهر توجها لمشاركة طلبة المدرسة في دعم المطالب العمالية، وقد شاركتُ بعض العمال من خارج المدرسة وتمكنا بمساعدة مجموعة من الطلبة داخل المدرسة من فتح البوابة. حينها اقتحمت خيالة الشرطة المدرسة وانهالت على الطلبة ضربا بالعصي وبمسيلات الدموع، ولا زلت أذكر أنه خلال تلك اللحظات التقت عيناي بعيني الأستاذ خليفات، فقرأت فيهما إيماءة بحث الطلبة على الخروج فنشطت في دفعهم للخروج. اندفع الطلبة خارج المدرسة وكانت مظاهرة كبرى شارك فيها العمال والطلبة، اتجهت المظاهرة صوب ثانوية البنات وما إن وصلنا هناك حتى تسربت مجموعة من الطالبات من بابي المدرسة وانضمت للمظاهرة، لكن إدارة المدرسة تنبهت وأحكمت بسرعة إغلاق أبواب المدرسة على باقي الطالبات اللواتي ظللن يتظاهرن ويهتفن داخل المدرسة من وراء السور».

يكمل الشملان: «صباح يوم الجمعة 12 مارس 1965 توجهت مع الصديق عبدالله مطيويع من أم الحصم الى المحرق وكنت قد أخبرت الوالدة بأني ذاهب للمحرق وطلبت منها أن لا تقلق عليّ. ركبنا الباص الى المحرق التي لم أكن أعرفها إلا قليلا ومباشرة التحقنا بالتجمع المتهيئ للمظاهرة التي استمرت حتى المغرب». ويقول الأستاذ عبدالله مطيويع: «منذ ذلك اليوم تعمقت علاقتنا وصداقتنا خاصة ونحن نخوض نشاطات مشتركة في التهيئة للمظاهرات وإعداد الشعارات واللافتات والمراسلات للخارج، لقد أخذت أحمد الشملان الى المحرق ولم يعد لبيته في أم الحصم إلا العام 1967 بعد إطلاق سراحه».

بدأت أحداث الانتفاضة في وقت كانت بعض الوجوه القيادية لحركة القوميين العرب قد غادرت البحرين (عبدالرحمن كمال وأحمد حميدان) أو كانت معتقلة (عبدالله المعاودة). ومع بدء الأحداث اعتقلت عناصر قيادية أخرى (جاسم نعمة وعبدالله قصاب)، ثم اعتقل علي الشيراوي وعيسى الذوادي. بذلك حدث فراغ في القيادة وكان نجم أحمد الشملان يصعد وقد زكته سمعته ككادر تنظيمي منذ أن كان في الكويت والقاهرة، وعزّز تبوء الشملان موقعا قياديا ما تميز به من روح المبادرة في تحمل المهام، ذلك الى جانب نجاحه في أول مهمة كبيرة توكل إليه بعد عودته بتوليه مهمة تهريب عضو التنظيم الطلابي بالحركة الهارب من المعتقل عبدالله الزياني العام 1964 إلى الخارج. إضافة لذلك فقد كان التحاق الشملان بمكان عمل واحد مع كل من علي الشيراوي وعيسى الذوادي وعبدالله البنعلي فرصة لاكتسابه خبرة سياسية وتنظيمية من هذه الأسماء القيادية وتأهله لتبوء موقع متقدم في تنظيم الحركة بمدينة المحرق إبان أحداث الانتفاضة ذلك مما رشحه ليكون أحد حضور الاجتماع الذي عقدته القوى القومية لتوحيد نفسها، وقد حضر ممثلا عن حركة القوميين العرب.

مع بداية الأحداث سعت القوى القومية للالتقاء والتنسيق، وكانت القوى القومية المتواجدة آنذاك هي حركة القوميين العرب وتنظيمها الطلابي والناصريون وحركة الثوريين العرب. حدثت لقاءات تمهيدية وتنسيقية بين ممثلين عن الفصائل القومية مع البدايات الأولى للانتفاضة وقبل أن يتم اعتقال أي من كوادرهم القيادية، دخلوا في حوارات ثم اجتمعوا خلال الأسبوع الثاني من مارس. تُوجت اللقاءات بين عناصر القوى القومية بالاتفاق على عقد اجتماع توحيدي للفصائل القومية، وعقد الاجتماع في الفترة التي تلت مباشرة أول مظاهرة كبرى نظمت في المحرق يوم الجمعة 12 مارس 1965. حضر الاجتماع عيسى الذوادي وأحمد الشملان وأحمد محمود عن حركة القوميين العرب، وعلي الشيراوي عن الاتحاد الطلابي التابع لحركة القوميين العرب، ومحمد جابر صباح وعلي ربيعة عن تنظيم الثوريين العرب، ومحمد بونفور عن الشباب الناصري.

مع البدايات الأولى للانتفاضة تحركت القوى السياسية كل يريد أن يأخذ مكانه في الانتفاضة، تحركت التنظيمات القومية وتحركت جبهة التحرير الوطني البحرانية وتحركت عناصر حزب البعث. وخلال الانتفاضة كان هناك تنسيق وتشارك بين القوى في إلقاء الخطب من داخل مسجد الشيخ حمد بالمحرق، فبعد الانتهاء من الصلاة كان يتسلل الى داخل المسجد أربعة ملثمين يمثلون القوى الوطنية وهم محمد بونفور ويمثل فصيل الشباب الناصري ومحمد السيد ويمثل جبهة التحرير الوطني وأحمد الشملان ويمثل القوميين العرب وعبدالوهاب بوكمال ويمثل البعثيين، وكان يقف كل من جواد ضيف وماجد عون عند باب المسجد ولا يسمحان لأحد غير هؤلاء بالدخول، فيتناوب الأربعة على إلقاء خطبة تصل للجموع خارج المسجد عبر مكبر الصوت دون أن تعرف الجموع من المتحدث.

بعد توحيد جهود القوى القومية بدأ التنسيق بين هذه القوى وعلى رأسها حركة القوميين العرب وبين القوى الوطنية الأخرى وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني. وكان عبدالله البنعلي هو المخول الوحيد من جبهة التحرير للالتقاء والتحاور مع القوميين، وبدأت لقاءاته مع علي الشيراوي ودارت حوارات تمخض عنها بيان مشترك صدر في 15 مارس. يقول الأستاذ عبدالله البنعلي: «في اللقاءات بيننا وبين القوميين العرب كنت أنا فقط أمثل التحرير، ومن ناحيتهم كانت البداية مع علي الشيراوي وعيسى الذوادي ثم مع أحمد الشملان، ولم أجتمع مع غير هؤلاء الثلاثة».

وقال الشاعر قاسم حداد الذي تعرَّف على أحمد الشملان خلال الانتفاضة ورافقه في الساحة النضالية لأحداثها: «تعرفت خلال الأحداث على أحمد الشملان كعنصر قيادي، كنت أصغر عمرا وفترة عملي في حركة القوميين العرب متأخرة عن بداية أحمد في الحركة، فكان هو عنصر قيادي في تلك الفترة، لا أستطيع أن أقدر طبيعة العمل الذي كان مضطلعا به، لكنه كان أحد العناصر التي تقود العمل والتي كانت عنصر اتصال بالمنامة. أذكر أن أحمد كان من العناصر التي تكون في أكثر من موقع في الوقت ذاته وكان متواجدا أيضا في المظاهرات والمسيرات. أحمد جاء من أم الحصم للمحرق بمسئولية المشاركة الأساسية في إدارة وقيادة العمل في المحرق. معرفتي التنظيمية به كانت في تلك الفترة، أما قبل الأحداث فلم تكن لي علاقة تنظيمية معه، أذكر - مثلا - من المهمات التي كلفني بها أحمد الشملان توصيل رسالة للسعودية للقيادي بالحركة حسن عمر الرميحي، كنا في بيت عبدالله مطيويع وأعددنا الرسالة، وكنت قد سافرت للسعودية من قبل على ظهر السفينة مع جدتي، ولكي أوصل الرسالة دون تفتيش وضعنا أوراق الرسالة في نعال نجدية، فككنا النعال وأدخلنا الأوراق الصغيرة في جوفها ثم ضربناها بالمسامير. سافرت للسعودية برفقة الوالد وكانت سفرة اعتيادية لوجود أقارب لنا هناك، أوصلت الرسالة لحسن عمر الرميحي الذي تعرفت عليه حينها للمرة الأولى وهو بحريني من الحورة مقيم بالسعودية ومن العناصر المؤسسة لحركة القوميين العرب في البحرين».

أبدى شعب البحرين بعماله وبطبقاته وفئاته في كل المناطق احتجاجات سلمية على سياسة شركة «بابكو» بفصل مئات العمال وحرمانهم من مصدر رزقهم، وتمثلت الاحتجاجات السلمية في الاعتصام والإضرابات والمسيرات والمظاهرات وإصدار البيانات، إلا أن سلطات الحماية البريطانية أصدرت أوامرها لجنودها ولعناصر الشرطة باتخاذ ما يلزم من إجراءات عنيفة لوقف حركة الاحتجاج السلمية التي عمّت البحرين. يقول أحمد الشملان: «مع تصاعد الانتفاضة تحولت القوات البريطانية وعناصر الشرطة الى أقسى أنواع العنف في القمع، فقد نشطت عناصر المخابرات في الإبلاغ عن الشباب ودوريات الشرطة في ملاحقة الناشطين، وصدرت الأوامر باستخدام الرصاص في ضرب المتظاهرين العُزّل، فسقط عدد من الشهداء في مناطق البحرين، وكردّة فعل أولية قمنا بحفر الخنادق ووضعنا الحواجز في الشوارع والطرقات لمنع دوريات الشرطة من التوغل داخل المناطق. وبعد الاستشهاد المفجع لعبدالله بونودة على يد أفراد الجيش البريطاني يوم 24 مارس تدارسنا التطورات وتداعياتها وقررنا تشكيل لجان مقاومة شعبية للهيمنة البريطانية ولعناصر الأمن والمخابرات وبدأنا عمليات انتقامية ضد المصالح البريطانية والشركات الأجنبية وبمحاولات نسف دوريات الشرطة وحرق بعض المتاجر الأجنبية».

وتحدث أحمد الشملان عن أهم عملية شارك بها شخصيا بالاشتراك مع مجموعة من الشباب، قال: «كنا مجموعة مكونة من عبدالله مطيويع وقاسم حداد وأنا والمرحومين عمر الشملان وعيسى رشدان، كانت عملية ضد دوريتين للشرطة في أحد طرقات المحرق استخدمنا فيها قنبلة يدوية، لم يُصب أحد، لكن تلك العملية هي التي وضعت حدا نهائيا لدخول دوريات الشرطة طرقات المحرق الداخلية، وهي التي جعلت المحرق حصنا منيعا في وجه دوريات الشرطة التي امتنعت بعدها عن التوغل داخل المدينة». وعلق أحمد الشملان على عمليات المقاومة بقوله: «كان توجهنا الأساس هو الإضرار بالمصالح البريطانية على أرضنا وبمصالح الموالين لهم، وحرصنا كثيرا على عدم المساس بالمرافق التي تخدم المواطنين كالمدارس والمستشفيات وما شابه، وقد صدر بيان بتوقيع جبهة القوى القومية تضمن طمأنة المواطنين بذلك، أنا واثق من هذا الأمر لأنني صغت البيان بنفسي».

وعن دوره في قيادة العناصر النسائية أثناء الانتفاضة تحدث أحمد الشملان قائلا: «على مستوى العمل التنظيمي أذكر أنني شخصيا وخلال فترة الأحداث وتخفينا عن عيون الأمن والمخابرات اجتمعت مرتين مع مجموعة من خمس شابات ثلاث منهن من عائلة الشملان ومعهن «م» و «ع» وهما من ناشطات حركة القوميين العرب المعروفات بالمحرق. في تلك الاجتماعات كنا نناقش الأوضاع السياسية ودور حركة القوميين العرب في الأحداث والمهمات المناطة بهن أثناء الانتفاضة. كما قمتُ بمشاركة عناصر أخرى من أعضاء الحركة بتدريب مجموعات من الشابات على صنع قنابل «المولوتوف» وطرق استخدامها، وقامت شابات من عائلتي بنقل ما أعده من رسائل وغيرها من أشياء كنا نحتاج إلى نقلها، كما قمن بتوزيع المنشورات السياسية التي تصدرها الحركة. وكان للشابات من عائلتي دور في نقلي متخفيا ما بين المحرق ومناطق أخرى كالحد وأم الحصم. وقد جازفت ابنتا خالي - خلال الفترة التي كنت مطلوبا فيها من الشرطة - بنقلي متخفيا من المحرق إلى أم الحصم لرؤية الوالدة وطمأنتها».

مع تصاعد أحداث الانتفاضة أصبح الشملان وعدد من النشطاء مطلوبين تبحث الشرطة عنهم في كل مكان، وحتى آخر الثلث الأول من أبريل/ نيسان 1965 كان قد تم اعتقال معظم رفاق أحمد الشملان من الأسماء التي كان لها بروز في الأحداث بالإضافة إلى مجموعات كبيرة من عناصر الحركة.

اعتقل أحمد الشملان من آخر بيت تخفّى فيه بوشاية أحد المخبرين الذي انضم للحركة مدسوسا، زارهم في مخبئهم وبعد خروجه بقليل وصلت الشرطة والمخابرات للبيت. كان ذلك الاعتقال الأول في حياة الشملان واستمر لمدة عامين 65 - 1967 أمضى نصفها في سجن انفرادي وستة أشهر مقيدا بالسلاسل من قدميه دون توجيه تهمة أو تقديم لمحاكمة.

العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:16 م

      ابطال البحرين للحركه

      عبد لله مطيويع يكون عم ابي يحفضه ويرعاه

اقرأ ايضاً