العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ

هل من استراتيجية فلسطينية جديدة؟

الايديولوجية الصهيونية بعد حرب أكتوبر

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

من حقّ «إسرائيل» أن تقلق على مصير كيانها، وخصوصا عندما يكتب رئيس الكنيست السابق، والنائب الحالي في حزب العمل ابراهام بورغ، مقالا في أهم صحيفة فرنسية، «لوموند» تحت عنوان: «موت الثورة الصهيونيّة» في هذا المقال الذي يُعتبر كأنه جرد حساب للأيديولوجيّة الصهيونيّة، عن إنجازاتها، وعن مستقبلها، يرسم الكاتب صورة سوداء لمستقبل الكيان الاسرائيلي. فهو اولا، ينعى الصهيونيّة، فيقول انها ماتت. وخصوصا أن أسسها، ايضا سقطت. فقد قامت هذه الاسس على الدعامتين الآتيتين: التعطّش إلى العدالة، وإلى طاقم قيادي يخضع للأخلاق المدنيّة. الامّة الاسرائيلية، اليوم هي خليط لا شكل له، من الفساد والاضطهاد والظلم. وأصبحت «إسرائيل»، دولة مكروهة وغير معترف بها. فمن منّا يريد ان يكون مواطنا فيها؟

نحن شعب لا يعي مآسي الشعب الفلسطيني. ولا ننصت إلى شكوى النسوة المُعنّف بهن وراء الباب المجاور لمسكننا. لقد توقّفنا عن إحصاء الضحايا. نحن شعب لا يكترث بمصير الاطفال الفلسطينيّين، ثم نتفاجأ بحقدهم الذي يحملهم على تفجير أنفسهم شهداء الله في اماكن اللهو التي نرتادها. لقد بلغ السرطان الذي ينهش الصهيونيّة إلى رأسها.

قد يُسرّ المرء بقراءة هذا الانتقاد من بورغ للصهيونيّة. فنحن قد تلقّفنا المقال واعتبرنا الصهيونيّة سقطت إلى غير رجعة. وبالتالي ستسقط الدولة العبريّة معها. لكننا بالتأكيد، كنا قد نسينا، وخلال قراءة المقال، ان كاتبه كان انطلق من فرضيّة خاطئة، وبنى عليها حججه. فهو انطلق من حق الصهيونيّة في الأرض الفلسطينيّة، وهذا خطأ. وهو انتقد القادة الاسرائيليين ضمنا، بن غوريون، وهو مُحقّ. وهو يُصنّف نفسه كأنه من آخر جيل الصهيونيّة الحقيقي، وهو على صواب. لكنّه ينسى، ان حزبه العلماني الصهيوني، هو الحزب الذي خاض كل حروب «إسرائيل» العدوانيّة ضد العرب. وهو الحزب الذي أسس وأعلن الكيان. وهو الحزب الذي سبّب الدياسبورا الفلسطينيّة. وهو نسي ان يقول ان الفارق بينه وبين القادة الحاليين الحاكمين في «إسرائيل»، من المتشدّدين يندرج في فارق مستوى العنف المُمارس ضد العرب، وخصوصا الفلسطينيّين. فحزب العمل تراجع، عندما تحمحم (من حمامة). اما الليكود، فهو لايزال على سلاحه.

ما معضلة كل من شارون وأبو عمّار؟

معضلة شارون: تكمن معضلة شارون الاساسيّة في صورته النمطيّة لدى كل من العرب والاسرائيليين. فلدى العرب، هو البولدوزر الذي يطيح بكل ما حوله. وقد شبّهه البعض بالفيل في محل بيع الخزف. هو المقاتل الشرس الذي لا يرحم النساء والاطفال. وهو الذي قتل الآلاف منهم. لذلك يبدو للعرب، ان كل ما يصدر عنه يشوبه الغش والكذب. لم يقل عنه بن غوريون انه ضابط فذّ، لو يكفّ عن الكذب فقط؟ هو الذي يعد بالدولة الفلسطينية، ويعمل على افشالها عبر مشروع زرع المستوطنات. وأخيرا وليس آخرا، هو الذي يقول ان السلم لا يقوم على التنازلات الاسرائيلية، لا بل يقوم على تغيير العرب. فإذا ما تغيّر العرب، كان السلم. وإلا فسوف لن يأتي ذلك السلم المنتظر.

اما بالنسبة إلى الاسرائيليين، فهو بطل العبور خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول وهو الذي طوّق الجيش الثالث المصري. وهو البطل الذي يُستدعى إبّان الأزمات الكبرى. وهو الذي يقود المشروع الاستيطاني بامتياز. وهو الذي أتى وفي يده الوعد بوقف العنف والارهاب، والعمل على تثبيت الاستقرار. هو ذلك البطل المتبقي من جيل الصهيونية الثاني، والذين قامت عليهم مسئولية تدعيم اسس الدولة العبريّة. لذلك هو لا يستطيع إعطاء المزيد للفلسطينيين. وإلا تغيرت صورته النمطيّة في عقول اليهود. فمظهر الضعف فقط تجاه الفلسطينيين قد يعني نهاية الاسطورة. من هنا تبدو مأساة شارون، في أنّه مطالب دائما بالمزيد من مظاهر القوّة. فهو أسير تلك الصورة. لكن الأكيد، ان استعمال المزيد من القوّة قد يعني المزيد من مظاهر الضعف.

ويبدو في هذا الاطار، وبعد الكثير من استعمال العنف، وإذا ما اراد شارون الانتقال إلى البُعد السياسي، فهو مطالب بتقديم شيء ما. وكي يقبل الفلسطينيون، يجب على شارون ان يعطي اكثر مما اعطى سابقا. وإذا ما اعطى شارون اكثر، فإنه سيبدو في صورة ضعيفة، وكأنه رضخ للارهاب. وكأن الارهاب قد اصبح مُربحا. وهو الذي عمل لضربه طيلة حياته. وهذا يعني ان الوسيلة الوحيدة للتعامل مع «إسرائيل» هي عبر ترهيبها. وهذا ما يرفضه شارون تماما. فهو أراد وبُعيد انتخابه، محو آثار هزيمته في جنوب لبنان. وأراد كذلك استرداد الصورة الردعيّة للجيش الاسرائيلي، بعد ان كان قد خسرها في لبنان، وإلا فما معنى إطلاق يد هذا الجيش في جنين خلال عملية الدرع الواقي؟

معضلة ابو عمّار: بالنسبة إلى الفلسطينيين، هو ذلك الرمز المنتخب الذي يمثّل جوهر الصراع مع العدو الاسرائيلي. قضى حياته بين روائح البارود. حروبه مستمرّة، حتى ولو كان بعضها على العرب، وخصوصا لبنان. لا يكلّ، ولا يملّ إلا بعد تحقيق النصر. هو يقبل بالحدّ الأدنى من الحلول. لكنه لن يقبل بأقل من القدس عاصمة للدولة الفلسطينيّة. وإيجاد حلّ لللاجئين. لا يمكن للفلسطيني ان يرى ابو عمّار من دون إشارة النصر ( V ) التي يرفعها وهو في أدّق الظروف. تلازمه هي، حتى ولو اصبح وضعه الصحّي حرجا. فهو يعتقد انه لا بد من زرع الأمل في قلب شعبه كي يستمر الرفض، وإلا فما معنى القيادة، الزعامة والكاريزما؟ الشعوب بحاجة إلى المعنويّات، وهو لديه الكثير منها. حتى ولو لم تترافق هذه المعنويّات، مع الكثير من الإنجازات فيما خص الصراع. وحتى لو سبقت الوعود الكلاميّة هذه الانجازات بأشواط كثيرة، فليس من الضروري ان يُحاسب القائد. الوقت وقت الكلام، والعمل متروك إلى ما بعد. قبله العرب، أي (ياسر عرفات)، كما قبله الفلسطينيون. حتى لو قاد أجندة الحرب والسلم على هواه. وقّع اوسلو على أمل العودة إلى الارض المحتلّة، وخوض الصراع من الداخل. علّ عمليّة حصان طروادة تتكرّر مرّة ثانية. صمد في وجه اميركا و«إسرائيل»، وهذا الصمود هو الذي جعله يستمرّ رمزا. حاولا ابعاده، ففشلا. فكل بديل له اصبح يُنعت بالخائن، وهو صنيعة الاستعمار والصهيونيّة كقرضاي القابع في كابول، ولا يجرؤ على مغادرتها.

أما بالنسبة إلى الاسرائيليين، فهو الارهابي المتخفّي بزي رجل الدولة. يريد القضاء على الدولة العبريّة. وإن طريقته الفضلى للقضاء على «إسرائيل»، هي التظاهر دائما بأنه يريد السلم. لذلك لا بد من إبعاده، حتى ولو قتله بحسب ما صرّح به احد المسئولين الاسرائيليين. هو ذلك القائد الذي يخلق من الضعف قوّة. اعتقد شارون انه قضى عليه في لبنان، وها هو يقاتله في ملعبه الخاص. والخطير في الامر، انه غير قادر على استعمال العنف معه، مثلما استعمله في لبنان.

بعد أن أسقط ابو عمّار رفيق الدرب ابو مازن بالضربة القاضية. أصبح لزاما عليه العمل على الخروج من المأزق الكبير. فمبادراته لم تأتِ بالسلم الموعود. وهو لم يترك غيره يقوم بأيّة مبادرة. وهو معزول من قبل ماسكي القرار في الشأن الفلسطيني، أي الرئيس بوش، وشارون. ولا يمكن للاثنين ان يدورا 081 درجة، ليقبلا مجدّدا بشخص وصفوه بالارهابي. وهو غير قادر على تقديم التنازلات أكثر من ذي قبل. وايضا، هو غير قادر على القبول بأقل مما عُرض عليه سابقا. فالمطلوب كي يستردّ وضعه، ان يُحصّل اكثر بقليل مما عرض سابقا، وأكثر بقليل مما كان يمكن لأبو مازن ان يحصل عليه. لكن الحصول على المزيد، لا يتعلّق مباشرة بابو عمّار. فالتانغو الفلسطيني- الاسرائيلي، يتطلّب البُعد الشاروني. وهذا غير متوافر حاليّا. كما يتطلّب أيضا رضى جورج بوش، الذي وصف شارون برجل السلام. المطلوب من ابو عمار كي يستردّ مكانته لدى المؤثرين على الساحة الشرق اوسطيّة ان، يأخذ رضى شارون وبوش للعودة إلى الساحة. المطلوب منه ضرب الارهاب، وذلك بحسب التوصيف الاميركي. إذا المطلوب القضاء على حماس، وكل من يعارض. المطلوب منه ان يكون ضابطا مطيعا في جيش شارون، بمعنى ان يضرب من تتهمه الشين بيت بالإرهاب. فهل هو قادر على ذلك؟ طبعا كلا.

إذا على ماذا يتّكل ابو عمّار؟

لا يسعنا هنا إلا أن نفكّر في ثلاثة سيناريوهات ممكنة، هي:

أن يصدّ ابو عمّار كل مبادرة لا تعود على الفلسطينيين بحل، عادل ولو في حدّه الادنى. ولكي يستمرّ، سيسعى ابو عمّار إلى تضييع الوقت ريثما يطرأ شيء ما. ومن يدري؟ وفي الحدّ الأقصى، قد توافيه المنيّة، لا سمح الله. لكنه يكون قد صمد ولم يتنازل عن الحق الفلسطيني. ويكون ايضا قد وضع مستوى الحدّ الأقصى للتنازلات الممكنة من قبل الفلسطينيين، للذي قد يخلفه. وسيبقى هو الرمز طبعا في ضمائر الفلسطينيين، العرب وكل المسلمين. لكن عمليّة تضييع الوقت هي عمليّة مكلفة جدّا، قد تسرق كما قلنا سابقا المستقبل.

أن تحدث مبادرة سلميّة كبيرة جدا، تكون مُشتركة ما بين اميركا، واوروبا وكل العرب، وذلك من خلال الشرعيّة الدوليّة، كمجلس الأمن مثلا. تفرض هذه المبادرة، الحل السلمي على المتصارعين، وذلك بعد ان توجد مخرجا للقدس، اللاجئين وشكل الدولة المستقبليّة. يبدو هذا السيناريو من أبعد السيناريوهات حدوثا. فأميركا متفرّدة، واوروبا مقسّمة. اما العرب فقد انتقل اهتمامهم إلى أمنهم الداخلي البحت. فبعد ان كان الخطر على أمنهم القومي يتأتّى من الكيان الاسرائيلي فقط. اصبح الآن، مصدره الوجود العسكري الاجنبي. ومن خطر الارهاب المتمثل في القاعدة وغيرها على الداخل في كل قطر. واصبح من الصعب تحديد من هو العدو بالنسبة إليهم. منهم من هو مع «إسرائيل». ومنهم من هو ضدّها. ومنهم من هو محتلّ. ومنهم الآخر، من هو تحت سيف التهديد. فهل هناك صورة أسوأ من هذه؟

اما فيما خص السيناريو الثالث، فإننا نفكّر في الاستراتيجيّة الآتية. والتي من الممكن ان يكون ابو عمّار قد فكّر فيها. او هو قد يكون اعتمدها سابقا، اوسيعتمدها حاليّا وفي المستقبل. فماذا عنها؟

يقول المفكّر الاستراتيجي السير مايكل هاورد، إن الباحثين خلال كتاباتهم عن الاستراتيجي

العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً