العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ

تفكيك الآلة المؤسسة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

وثائقية المخرج الأميركي، مايكل مور، تشتغل وتنشغل بمفصل المواجهة. ظل مور يؤمن ألا مستند أو فيلما وثائقيا يمكن التعويل عليه، ويمكن أن يترك أثره في الوسط الذي يُعمم ويُنتج فيه، ما لم يكن مستعدا، ويمتلك أدواته الضرورية واللازمة لتفكيك وسط الممارسة تلك وواقعها. وهنا علينا أن نذهب إلى ربط واقعي وماثل بين وثائقية مور، والتسخير النظري لنعوم تشومسكي، فالأخير اشتغل على التحليل النفسي والسياسي، في توظيف نظري أسس له، فمثلما اشتغل تشومسكي على تعرية وتفكيك الآلة والمؤسسة السياسية الأميركية، عمَّق مور من الممارسة باستغلال واحد من معطيات الثقافة الراهنة والفاعلة (السينما/ الكاميرا) فيما يشبه الاختزال، وأحيانا التوأمة بين الاثنين، نص الكتابة/ التحليل/ القراءة، ونص الكاميرا/ الفراغ/ الصمت، وأحيانا الشتائم الصادرة عن الطرف المسُتَجوَب.

***

أتفهم أن ينتحر صاحب أعمال خسر ثروته، ومفكر يرى العالم من حوله مندفعا إلى قيامة مبكِّرة، ومحامٍ فقد قرائنه، وجرَّاح فقد بصره، وخطيب قطع لسانه، وراقصة بترت ساقها، ومهرِّج أصيب بالشلل، ولكنني مازلت عاجزا عن فهم إصرار جاهل على التشبث بالحياة!

***

تتلاعب بوعينا الأسطورة أحيانا، وأحيانا تعيدنا إلى رشْدنا؛ لكن في نهاية المطاف لن تستنزف منا الأسطورة حضورنا وذاكرتنا إذا ما ذهبتْ باتجاه النقي والناصع من تمرير قيمة أخلاقية أو حتى عاطفية - على أقل تقدير - لأننا نشكو من عطب عاطفي، ما يجعلنا معرضين إلى أكثر من عطب أخلاقي.

***

يظل لبنان، دون سواه من الأوطان العربية، قادرا على التصدي لحال من اختبار الجمال وضرورته، وأحيانا ضراوته، كما يظل قادرا على اختبار قبح الحروب وفظاعتها، على رغم ابتلائه بها، ووقوعه تحت مخالبها.

ليست تجربة الموت هي التي تمنح لبنان مثل تلك الفاعلية والقدرة على توظيف خبراته في الموت والاجتياح والدمارات الهائلة؛ بل تجربته وخبرته في الحياة، وتحدي كل ما يكتنفها.

صحيح أن الموت اليومي حصَّن الحياة في لبنان؛ لكن علينا أن ندرك في المقام الأول والمهم، أن الحياة في لبنان تذهب في اتجاه استدراج الموت إلى شراكها وفخاخها وألغامها. الحياة التي حصنت اللبنانيين بوجود كل ذلك التعدُّد والتنوع على مستوى الطوائف والمذاهب والتيارات والأفكار. التعدُّد على مستوى الإيمان، والتعدُّد على مستوى الإلحاد في الوقت نفسه، مثل ذلك التعايش، ومثل ذلك الانسجام هو الذي يجعل من لبنان واللبنانيين مختبرا نموذجيا للجمال، ومصدَّا في وجه الحروب وقبحها وفظاعتها.

***

هل على الواحد منا أن يتعرَّى في الشارع كي تكتشف الدولة أن هناك احتجاجا ما؟!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً