العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

عقدة الأميركي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَرَّ الآن ثمانية أعوام على سقوط حركة طالبان في أفغانستان. بالتأكيد فإن ذلك السقوط كان من نظام سياسي، وليس من على أرضٍ مستوية. وهنا قد يزيد الفرق بين السقُوطَيْن (وهو كذلك) عن حدود سلطة لم تعُد ضرورة لإثبات الوجود.

الفشل الأميركي المتلاحق قاد لاستنساخ تجارب عسكرية من الخارج. عراقية مثلا. أمَّل الأميركيون على نقل تجارب صحوات الأنبار إلى أفغانستان لكنهم فشِلوا. وحاولوا نقل تجارب «الأجور المدفوعة لمقاومة الآيدلوجيا» لكنهم أيضا فشلوا.

ثم حاولوا احتواء العدو بالمصالحة، ثم بالمُحاصصة، ثم بالشرعية، ثم بالاحتواء لكنهم أخفقوا في كلّ ذلك أيضا. وهو إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على ضعف القوى التوسّعية الدولية الجديدة، وإدارتها للصراع الدولي والإقليمي بالسّواء.

يُذكّرني ذلك بخطأ نابليون بونابرت. فقد أراد نقل تجارب الجيش الفرنسي اللوجستية في لومباردي والرّاين وأوروبا الوسطى إلى بولندا وروسيا التي تأكلها قواحل الأرض. والنتيجة كانت أنه عَبَرَ بـ 610 آلاف جندي إلى روسيا، وخَرَجَ من الأراضي الروسية بـ 100 ألف جندي فقط.

بل إنه خَسَرَ في الفترة من 1800 - 1825 أربعين في المئة من جنوده خلال حروبه القاريِّة. وأشارت الأرقام التاريخية إلى أن ما بين 90 - 98 في المئة من هؤلاء لقوا مصرعهم بسبب جراح الحرب والمرض والإنهاك وأحوال المناخ. (راجع ما كتبه إريك هوبْزْبَاوْم)

وبالتالي فإن التمرّد اليوم (كما تُسمّيه واشنطن) في العراق وأفغانستان لا تجمعه ديانة إسلامية، فضلا عن تنظيم مُسلّح (وهو القاعدة). وفي النهاية فإن هذه القوى المُسلّحة لا تُريد سوى تدمير الاستقرار تحت قَدَم الأميركي، لإتعاب بُنْيَته السياسية.

ضمن هذا الفضاء يكمُن سّر الأزمة. ذلك أن موضوعات المناهضة للمحتل الأميركي لا تُوقَدُ نارُها من مكمَنٍ واحد، وإنما من عدّة مواقد. فالقضية الفلسطينية هي موقد، واللبنانية موقد، والعراقية كذلك، والأنظمة الفاسدة أيضا وهكذا دواليك.

وبالتالي فإن هناك أشبه ما يكون بالأزمة المُفَدْرَلَة، قد يكون مركزها تل أبيب طورا، وواشنطن طورا آخر، أو بالمقابل، مرة بغداد وأخرى كابل. وإذا ما أصبحت هذه الأزمات يجمعها مُسوّغ فإن انتشارها يُصبح انتشارا اجتماعيا أفقيا، قد يكون جزء منه كامنا لكن الجزء الآخر فوّار ونشِط.

ومثلما جرى في أوروبا في القَرنَيْن السابع والثامن عشر، حين أضحت بعض المناطق ذات سيادة مُزدوجة، فإن وجود جزء كبير من قيادات القاعدة، بل وأحزاب أخرى مقاومة في لبنان وفلسطين تحمِل ذات السمات، لذا فقد أمسى تأثيرها عابرا للحدود.

إذا كان الأميركي يُريد أن يجعل من هذه المناطق خارج دائرة التوتّر (أو على الأقل يُحيّدها) فعليه أن يُبادر إلى فهم نظرية بسيطة وهي أنه «يأخذ حصّة من السوق فقط». فهذه القوى قد يُمكن التعامل معها سياسيا لو تمثّلت في الحكم.

وإذا كانت نماذج الحكم المُبتغَاة من قِبَلِه يُريدها مُمثِّلَة لدولة تتسيّد على أرض متماسكة، وقوّية الأطراف والحدود وبها سلطة سياسية وقانونية ناجزة فعليه أن يدفع للقبول بالقوى التي تحاربه اليوم، لأنها باختصار جزء من تلك الأرض وتلك الأطراف والحدود.

وفي حالة التمنّع عن ذلك فيجب عليه أن يصبر على دفع فاتورة ذات أرقام حقيقية متصاعدة ومفتوحة. فقتال الجغرافيا والتاريخ والقيم والأعراف والنسيج الداخلي يسير بالضد مع منطق الأشياء.

والغرب يُدرك أن هذه الجماعات في أغلبها هي ليست أكثر سوءا من جماعات أخرى تحكم ويتمّ التعامل معها تعامل الأسياد. بل إن الدخول معها بمقياس المصالح المعقول سيضمن له مستوى جيّدا من الضّمان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • Iran | 7:43 ص

      خسارتها قريبة..

      كما ذكرت أيها الكاتب أن هذه الجماعات بغض النظر عن نشأتها وإنتمائها فهي في النهاية تهدف إلى إضعاف القوة لدى السياسية الأمريكية وزعزعة الإستقرار لديها,فهذه الجماعات مازالت تحقق كل يوم وكل دقيقة بل وكل ثانية في الزمن ناجاحاً على السياسة الأمريكية في جميع أنحاء العالم, والنتائج المثمرة من هذه المواجهات تتصاعد في إستمرار بخسارة الجانب الأمريكي, فالنهاية باتت قريبة لهم اذا ما سعوا في(أخذ الحصة من السوق)والتعامل مع هذه الجماعات بتعامل الأسياد,لا سيما الموجاهات الأمريكية الإيرانية الأكثر ضغطاً عليهم

    • زائر 1 | 10:59 م

      لم تتعظ بعد

      الخطأ الامريكي تكرر في فيتنام وتكرر في عشرات الحروب التي خاضتها هذه الدولة الاستعمارية ولم تتعظ بعد

اقرأ ايضاً