المساحات المضيئة أصبحت «شاذة» في هذه المرحلة العربية الطاردة للمعرفة، والمستقطبة لحالات من «التجهيل» بخبرات عربية أو حتى أجنبية تتعهده وبوفاء بالغ!
ومراكز الدراسات والبحوث «الحرة» منها خصوصا، التي تتبنى قضايا الأمة، ستدفع ضريبة ذلك الموقف إن عاجلا أو آجلا، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المرحلة الأميركية، صوت الابتزاز والوعيد، صوت الترسانات وحاملات الطائرات بل وحتى الطاعون بكل اشكاله ومراحله! ويبدو أن أول مدخل منطقي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط سيكون تفكيك أو إعادة هيكلة مراكز الدراسات والبحوث أو ربما «اختطافها» بطريقة أو أخرى - على اعتبار أنها - وضمن وجهة النظر الأميركية، بؤر للقلاقل وتعميم الفتن والتحريض، وهنا لا تملك الولايات المتحدة إلا أن تتخلى عن ديمقراطيتها الزائفة وبشكل سافر في سبيل الحيلولة دون قيام مزيد من تلك المراكز.
ولن يكون مركز زايد الدولي للتنسيق والمتابعة أول ولن يكون آخر تلك المراكز، وخصوصا إذا أخذنا في الاعتبار مدى التأثير والصدى الذي تركه باستضافته النوعية والمعارضة ليس للتوجهات والسياسات الأميركية في المنطقة فقط، بل امتدت استضافته شخصيات عرفت بمعارضتها لأنظمة هي على وفاق شبه تام مع الإدارات الأميركية المتعاقبة على اعتبار انها جزء مكمل لمشروعاتها.
المركز الذي لم يكمل عامه الرابع، تم اتخاذ القرار باغلاقه وتحويل ما تبقى من تمويله الى جامعة الدول العربية التي عمل تحت مظلتها وبموجب قرار المجلس الوزاري للجامعة الصادر في سبتمبر/ أيلول 1999 في الدورة 112 للمجلس في القاهرة.
أكثر من 400 محاضرة و أكثر من 400 اصدار هي حصيلة سنواته التي لم تبلغ الأربع.
في العدد 323 الصادر بتاريخ 26 أبريل/ نيسان 2003، نشرت «الوسط» تقريرا على صفحتها الأولى تحت عنوان «الحملات الصهيونية على مركز زايد للتنسيق والمتابعة... بين الضغط على موسى والجلاهمة ولاروش». ذلك التقرير كان متابعة للحملات الصهيونية وبعض الدوائر الأميركية المؤيدة لـ «اسرائيل» ضد المركز المذكور، وقبل كتابة التقرير أجرت «الوسط» اتصالا هاتفيا مع أحد مسئولي المركز التنفيذيين، الذي أكد أن المركز يتعرض لعدد من الضغوطات ربما أبرزها التحرك الأميركي الأخير متمثلا في وزارة الخارجية الأميركية التي سعت إلى الحد من نشاط المركز واختياراته التي باتت مصدر ازعاج لها، وحين فشلت محاولات التأثير على توجهات المركز من خلال وزارة الخارجية الإماراتية، ولَّت الخارجية الأميركية وجهها شطر الجامعة العربية التي يعمل المركز تحت مظلتها، في محاولة أخيرة لكبح جماحه، وخصوصا مع الانتقادات المباشرة والتصريحات التي أدلى بها عمرو موسى قبيل العدوان الانجلو - أميركي على العراق، ما جعل المركز واحدا من بؤر المنغصات على المخطط الأميركي، فكان لابد من مدخل للخروج من تلك البؤرة، فكان ما أرادته أن يتحول المركز بقضه وقضيضه الى الجامعة العربية وضمن رؤية أميركية ستتحقق قريبا، إذ إن انتقاله إلى الجامعة سيمنع عنه شريان التمويل السخي الذي تكفلت به الإمارات، وهو ما لا تقوى عليه الجامعة العربية التي تعاني موازنتها من ترهل وعجز منذ أكثر من عقد... الأمر الذي لن تتحمل معه الاضطلاع بالدور الرائد والنوعي ذاته الذي سجله المركز!
يبدو أنه ليست المدارس والمؤسسات الدينية هي وحدها المستهدفة في عملية إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، فمراكز الدراسات والبحوث هي الأخرى معامل لتفريخ الساخطين والناقمين على السياسة الأميركية ليس من قبل ابناء المنطقة فقط ولكن من قبل الضيوف الذين تستقطبهم تلك المراكز وهم يحملون السخط والنقمة ذاتهما
العدد 349 - الأربعاء 20 أغسطس 2003م الموافق 21 جمادى الآخرة 1424هـ