العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ

الأفلام الرقميّة مهّدت لأن تكون هوليوود للجميع

كان المخرج السينمائي جو كيرتس يطل برأسه من نافذة سيارة أكيورا كانت تقله مسرعة، على الطريق السريع على أطراف مدينة لوس أنجليس إذ يتجلى الى جهة الغرب خط الأفق الراسم لمحيط مركز المدينة التي يقطنها ما يقارب الأربعة ملايين نسمة. بدا الطريق السريع شبه خال في الوقت الذي كانت الساعة تقترب فيه من الثانية صباحا من شهر ديسمبر/ كانون الأول. تربع جو على المقعد الأمامي من سيارة السوبرا التي كانت تنطلق بسرعة 200 كم في الساعة ممسكا بكاميرا PD001A الرقمية وهو يحاول أن يلتقط صورا لأكثر من 15 سيارة تسابق الريح على جانبي الطريق من حوله.

يقول جو: «لقد نشأت في عالم يبدو فيه سباق السيارات في الشوارع أمرا مألوفا. فنحن هنا، نقوم بأعمال جنونية في بعض الأحيان».

في هذا الصباح الباكر، تم التقاط كل تلك اللحظات المجنونة على شريط فيلم رقمي إذ يقوم جو البالغ من العمر 29 عاما بانتاج فيلم بعنوان پuattro Noza، يصور السيارات المنطلقة بسرعة للتسابق في طرقات جنوب كاليفورنيا. هذا الفيلم الجديد سيكون شبيها بالفيلم الذائع الشهرة The Fast and the Furious الذي تم عرضه سنة 2001. يضيف جو أن فيلمه سيكون أكثر واقعية وأصالة. إلا أن الواقعية والاصالة التي ذكرها جو ليست الفرق الوحيد، فهناك فرق أهم وهو الكلفة. فكلفة إنتاج الفيلم الأول وصلت الى 40 مليون دولار، بينما سيتمكن جو من إنتاج فيلمه بمبلغ مليون دولار فقط، أي بما يعادل 2 في المئة من كلفة الفيلم الآخر.

الفرق بين الحالين يتعلق بالتكنولوجيا واستخداماتها. فحتى وقت قريب، كانت كلفة الشريط الذي تسجل عليه ساعة سينمائية واحدة يعادل 25 ألف دولار. بالاضافة الى كلفة الكاميرات العالية التي قد تصل إلى 100 ألف دولار للكاميرا الواحدة وأجهزة المونتاج المعقدة. أما اليوم فبإمكان أي شخص يتيسر له مبلغ 300 دولار أن يقتني كاميرا للفيديو وينتج فيلما، إن أراد، بأن يرفقها بشريط تسجيل رقمي على جهاز فيديو ثمنة 10 دولارات، وجهاز كمبيوتر منزلي مزود ببرنامج للمونتاج... فإذا كان الفيلم ممتازا فستراه يعرض في غالبية المهرجانات السينمائية. وإذا لقي رواجا هناك، فسترى الموزعين يتسابقون للحصول على حقوق توزيعه على صالات السينما في أنحاء العالم. وأصبح بإمكان أي شخص صاحب موهبة سينمائية أن يصير مارتن سكورسيزي أو ستيفن سبليبرغ آخر.

يقول آلان تشو: «إن الذين أعرفهم في مجال صناعة الأفلام أنتجوا أو يقومون حاليا بإنتاج أفلام رقمية». وآلان مدير تنفيذي لبرامج منوعات في لوس أنجليس وعمل مع المخرج المشهور أوليفر ستون وأنتج فيلما شارك فيه الممثل المعروف ويلسي سنايب ويستعد الآن لانتاج فيلمه الرقمي الأول. وَلِم لا؟ ففيلم الرعب «مشروع بلير ويتش» اليوم. فعندما يدخل مشروعا واعدا وموهوبا في تعقيدات انتاجية، فإن هذا يعني أن هنا خطأ ما في العملية نفسها. لقد تخليت عن الصناعة الفيلمية التقليدية إلى الأبد».

بدأت معظم المعاهد السينمائية الرائدة في الولايات المتحدة بتعليم وتطبيق الانتاج السينمائي باستخدام النظام الرقمي في برامجها التعليمية بحيث يتم تصوير الافلام الوثائقية والكثير من العروض الأخرى رقميا.

ففي جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجليس UCLA وحدها، قام الطلاب في العام الماضي بصناعة 100 فيلم رقمي. فغرفة العمليات الرقمية فيها تطورت تطورا هائلا إلى درجة أن المديرين التنفيذيين في استوديوهات هوليوود القريبة من الجامعة غالبا ما يقومون بجولات استطلاعية فيها.

من الممكن متابعة الثورة التي أحدثها مخرجو الأفلام المستقلة من خلال المهرجانات السينمائية التي تغص بالعشرات منها في كل أرجاء الولايات المتحدة الاميركية. ففي مهرجان Sundance الذي أسسه الممثل المعروف روبرت ردفورد والذي يعتبر الأكثر شهرة وتألقا في أميركا بين تلك المهرجانات، ارتفع عدد الافلام الرقمية المشاركة في المسابقة العام الماضي بنسبة 150 في المئة عنه في الأعوام السابقة أي من 800 إلى 2000 فيلم. ومنذ سنة 2000، أخذ المهرجان ينظم حلقات بحثية ومحاضرات لاطلاع العاملين في صناعة السينما على أسبقية التكنولوجيا الرقمية في هذه الصناعة.

قبل عامين، لاحظ القائمون على مهرجان يدعى No Dance وهو مهرجان أصغر من نظيره Sundance أن عدد الأفلام التي تم ادراجها في قائمة العروض غالبية الأفلام الرقمية. أما عن سنة 2004 فإن الأفلام المسجلة حتى اليوم هي 1000 فيلم رقمي، أي بمعدل خمسة أضعاف ما كان عليه الحال سنة 1999. ويقول منظم المهرجان جيمس بويد في هذا الصدد: «لقد كان العامل الاقتصادي - ويعني الكلفة الباهظة لصناعة الفيلم - عاملا محبطا لكثير من المنتجين. أما اليوم، وبفضل التكنولوجيا الجديدة فبإمكان هؤلاء الموهوبين أن يصرفوا.

في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجليس UCLA وحدها قام الطلاب في العام الماضي بصناعة 100 فيلم رقمي The Blair Witch Project صور على شكل فيلم وثائقي بكلفة 35 ألف دولار فقط. حقق الفيلم أرباحا من شباك التذاكر قدرت بـ 140 مليون دولار إثر عرضه في صالات عالمية ما يعطينا مثالا جليا لهذا النجاح الساحق. وهناك أيضا الفيلم الدرامي Chuck and Buck الذي يصور حكاية من صداقات الطفولة، ولم يكلف إنتاجه إلا 500 ألف دولار، استطاع أن يدر أرباحا من مجرد حقوق توزيعه بلغت أكثر من مليون دولار. بالمقارنة، وصلت كلفة إنتاج فيلم Titanic إلى 200 مليون دولار!

لقد جذبت ثورة التكنولوجيا الرقمية الكثيرين الذين قرروا أن يغنوا أفلامهم بسلسلة اللقطات المصورة بالأسلوب الرقمي منهم المخرج ستيفين سوديربرغ الحائز على جائزة الاوسكار عن فيلمه «الاتجار» Traffic. أما جورج لوكاس مخرج فيلم Star Wars فقد بدأ بالتخطيط الفعلي لمواكبة المد التكنولوجي الرقمي الذي سيسيطر على صناعة السينما العالمية في المستقبل. وهناك آخرون أمثال روبرت رودريكيز مخرج فيلم Spy Kids الذي تبنى التكنولوجيا الرقمية بشكل كلي. ويعلق روبرت على هذا التطور بقوله: «إن الصناعة السينمائية الرقمية هي خارجة تماما عن السيطرة التقليدية طاقتهم في التركيز على العنصر الأساس في هذه العملية ألا وهو تجسيد القصة التي يعالجها الفيلم بدلا من مصارعة الكلفة المادية الهائلة».

وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر شركات تروج لخطط تهدف الى ازالة كل العوائق التي تقف في طريق انتشار استخدامات التكنولوجيا الرقمية في شتى أرجاء الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال أسس رجل الأعمال النيويوركي غيري وينيك الشركة الرقمية المستقلة للترفيه Independent Digital Entertainment ومول منتجي أفلامها بمبلغ 150 ألف دولا فقط، كما زودهم بكامراتين للتصوير ودعاهم إلى ممارسة أحلامهم بلا حدود.

هذا العام واثر عرض أحد افلام هذه الشركة الذي يحمل اسم Tadpole في مهرجان Sundance، قامت شركة Miramax التابعة لشركة والت ديزني العملاقة باستثمار خمسة ملايين دولار لتطوير هذا الفيلم. يقول غيري في معرض تعليقه على ذلك: «على الأقل سيتوافر لدينا الآن مبلغ معقول من المال». ويضيف ستيوارت ماتشويتز رئيس قسم التكنولوجيا في شركة «ذي أورفيناج»

The Orphanage التي تقوم بانتاج مؤثرات سينمائية رقمية خاصة: «نحن لا نحاول دفع الآخرين الى حافة الافلاس، ولا نحاول تخريب آلية عمل الاستويوهات السينمائية، لكني أعتقد أن هوليوود غدت قلقة بعض الشيء حول هذا الشأن».

سبيلبرغ يصر على القديم

أكثر ما تخشاه مؤسسات هوليوود هو الهبوط في النوعية. وهو الأمر الذي يجعل مخرجا متمرسا في الشئون التقنية كالمخرج ستيفن سبيلبيرغ يعلن أنه «لو لم يبق إلا معمل تصوير واحد يقوم بالتصوير على أشرطة 35 مم، لما عملت إلا به، ومن دون أي تردد».

يعتقد المتابعون لصناعة الفيلم أن الألوان المسجلة رقميا هي أقل زهوا من نظيراتها على الفيلم التقليدي. ثم ان مصابيح الاضاءة الفيلمية هي أكثر حساسية من الرقمية بمعدل الضعف. هذا يعني المجازفة بالنوعية، ووضع المشاهد أمام عمل أقل من طموحاته.

فثورة التكنولوجيا الرقمية مازالت بحاجة الى المزيد من الوقت لتؤتي ثمارها. تم تجهيز صالات العرض بأنظمة اتصال رقمية. كما أن جورج لوكاس المخرج الأسطوري في عالم السينما ومنفذ العمل العملاق «حرب النجوم» Star Wars، يقوم حاليا بإخراج الجزء الأخير من سلسلة أفلامه هذه رقميا. ويقوم بتوزيعه على نطاق عالمي، معتمدا على التقنيات الرقمية نفسها. أما شركة The Orphanage فقد طور خبراء التكنولوجيا فيها برنامجا رقميا للتحويل سموه «الطلقة السحرية» لمقدرته على أن يرسل الصور الرقمية بألوان براقة وغنية على الهيئة التي يصر عليها الكثير من المخرجين الكبار وعلى رأسهم المخرج سبيلبرغ.

يبقى بعض صانعي الأفلام من امثال جو يفضلون مشاهد الفيلم الرقمي. فمن أجل خلق صور سباق السيارات في شوارع لوس أنجليس كان بحاجة إلى وسيلة جديدة، إلى نوع من فانتازيا الخيال العلمي التي تلهب المشاعر. إن الكاميرات الرقمية هي الوحيدة القادرة على التقاط صور لمشاهد تكون الاضاءة فيها عند حدها الأدنى، وهي القادرة ايضا على تسجيل المشاهد والألوان، والزج بها في عملية انتاجية تشترك فيها المؤثرات صوتية مع الخدع السينمائية لتحقيق النجاح الكبير الذي حاز عليه فيلمه پuattro Noza وجعل منه عرضا مميزا.

حكاية جو قد تكون شبه عادية. تخرّج من معهد السينما من جامعة كولورادو في مدينة بولدر، ثم باشر العمل التلفزيوني كمساعد مخرج في برنامج وثائقي يعرض سباق الدراجات النارية وكذلك في برنامج للموسيقى يدعى Jazz Alley TV كما قام بإنتاج أجزاء من برنامج قناة MTV يسمى Lyricist Lounge.

لكن السيارات كانت دوما محط أحلامه. كان جو يعلم أن عليه فعل شيء ما، عليه أن يغير رؤيته للحياة أولا، ومهنته تاليا. وهذا ما فعله. انتقل الى شرق لوس انجليس مع عائلة من السلفادور تعمل في سباق السيارات. ولمدة عامين، انهمك في التعرف عن قرب على الجيل الجديد من هؤلاء المتسابقين الشباب. ومحاولة كسب ودهم، ومن ثم تصوير منافساتهم في ما يقارب 300 ساعة مصورة، سيقوم بإنتاجها فيما بعد لتشكل سلسلة مشاهد فيلمه پuattro Noza.

كوفئ جو على الجهد الذي أنفقه في صناعة فيلمهپuattro Noza بنيله جائزة أفضل سينماتوغرافي في شهر يناير/ كانون الثاني من هذه السنة في مهرجان 2003 Sundance السينمائي الذي يتمتع بسمعة مميزة بين سائر المهرجانات. وهو يعمل الآن على اختصار مدة الفيلم الى 90 دقيقة حتى تسهل عملية تسويقه تجاريا.

يتمتع جو كفنان، كما هو حال فيلمه، بكل مواصفات الموهبة الهوليوودية والقدرة على الصعود السريع التي كانت المحفزات الرئيسية لجيمس كاميرون وغوس فان زانت في بداية حياتهما المهنية.

صحافي في مجلة HI الأميركية

العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً