العدد 399 - الخميس 09 أكتوبر 2003م الموافق 12 شعبان 1424هـ

المجتمع الألماني بين تعددية الثقافات والخوف من الحجاب

تصف ليلى أكغون نفسها بأنها مسلمة متحررة، وتبرز علامة التحرر بأنها لا تضع غطاء على الرأس، بل تعارض الحجاب على رغم أن كثيرات من بنات بلدها الأصلي تركيا، يرتدين الحجاب كغيرهن من مسلمات هذا البلد ومن ضمنهن ألمانيات اعتنقن الإسلام. لكن منذ أن كشفت ليلى أكغون عن وجهة نظرها في مناظرة تلفزيونية ووجهت انتقادات شديدة إلى سيدة تركية متحجبة كانت طرفا في المناظرة، فإن ليلى أكغون وهي عضو في البرلمان الاتحادي وتنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، تجد صعوبة في الرد مواجهة رسائل الاحتجاج التي تردها حتى اليوم عن طريق البريد الإلكتروني وتتراوح بين رسائل احتجاج وانتقاد ردا على تصريحاتها التي اعتبرها البعض معادية للإسلام وبين رسائل التهديد والأسف كونها تصف نفسها بأنها مسلمة.

فيريشتا لودين، هاجرت في الثمانينات مع أسرتها من أفغانستان إلى السعودية قبل أن يستقر الأمر بالأسرة في ألمانيا إذ تزوجت من ألماني ودرست وتخرجت بعلامات ممتازة وحين سعت للحصول على وظيفة معلمة في مدرسة حكومية بولاية بادن فورتمبيرغ فوجئت بقرار وزيرة الثقافة في الحكومة المحلية، آنيتي شافان وهي نائب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض وعضو قيادي في المجلس الكاثوليكي، بمنعها من العمل كمدرسة إذا تمسكت بالحجاب ورفضت نزعه خلال التدريس. بعد أن أيدت محكمة إدارية قرار وزيرة الثقافة بحرمان المعلمة المحجبة من وظيفة العمل في مدرسة رسمية، لم تستسلم فيريشتا لليأس في بلد يجد صعوبة بالغة في قبول التحول الاجتماعي الذي حصل في السنوات الأخيرة بسبب تنامي الهجرة وزيادة عدد الوافدين الأجانب إذ يصل عددهم اليوم إلى ثمانية ملايين بينهم ثلاثة ملايين مسلم. وغالبية المهاجرين من الأتراك (5,2 مليون)، وأوصلت قضية الحجاب إلى المحكمة العليا التي صدر عنها قرار في صورة لغم. من جهة أثار القرار موجة ارتياح وبهجة في نفوس المسلمين الذين وجدوا الدستور الألماني عونا لهم كونه يضمن لهم حق المساواة مع المواطنين الألمان. لكن من جهة أخرى ترك قضاة المحكمة العليا الكلمة النهائية للمسئولين السياسيين في ألمانيا للبت بقضية الحجاب وقال رئيس القضاة صراحة إنه كان من الأجدر أن تبت السياسة بهذه القضية بدلا من رميها على عاتق المحكمة العليا. في هذه الحالة فإن الأمر أصبح بيد مجلس وزراء الثقافة في الولايات الست عشرة التي تتألف منها ألمانيا إذ الغالبية تقف في طريق الحجاب ولا تؤيد تعيين مدرسات يرتدينه كما لا تحبذ أن يرتدينه الطالبات أيضا. والحجة التي يحلو للسياسيين الألمان المناهضين للحجاب أن الدولة التي سكانها في الغالبية مسلمون حظرت ارتداء الحجاب في حرم الجامعات. باستثناء ولاية هامبورغ وولاية شمال الراين وستفاليا فإن سائر الولايات الأخرى تناهض الحجاب ومن ضمنها برلين التي يعيش فيها نسبة كبيرة من المسلمين خاصة الأتراك.

ويقول رودولف لانغي وزير الثقافة في ولاية هامبورغ معلقا على موقف ولايته المؤيد للحجاب: هناك مدرسة محجبة تمارس عملها منذ سنوات ولم يسبق أن تقدم أحد بشكوى ضدها بسبب الحجاب الذي تضعه على رأسها. لكن لن يكون قرار الولايات الألمانية بحظر الحجاب سهلا لأن معناه أيضا حظر الصليب ونجمة داوود ويعترف السياسيون أن هذه القضية بالغة التعقيد لكن ميشائيل لودرز خبير قضايا الإسلام والشرق الأوسط في مؤسسة فريدريش إيبرت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم يجد أن المهم هو ما هو داخل الرأس وليس غطاء الرأس.

ويستغرب لودرز ردود الفعل العاطفية والحجج الهشة التي تصدر عن نسبة عالية من السياسيين الألمان ويطالعها المرء في وسائل الإعلام المحلية وكذلك المعارضة التي لا مساومة عليها عند رجل الشارع. إن هجمات سبتمبر/أيلول العام 2001 والخوف من انتشار التطرف الإسلامي في ألمانيا إذ تشير معلومات البوليس السري الألماني (تقرير عام 2002) إلى وجود 30 ألف عضو نشط في تنظيمات إسلامية متطرفة أكبرها تنظيم (ميليت غوروش) التركي، رسخ صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين في عقل رجل الشارع بألمانيا ولا يمكن تجاهل دور وسائل الإعلام التي لا تنقل عادة صورة أمينة عن الإسلام والمسلمين ومنذ انهيار الشيوعية كثيرا ما يجري استخدام تعبير الخطر الأخضر.

ترى حميدة محققي الناشطة في مجال حوار الأديان وهي عضو في جمعية (هدى) النسوية أن الجدل الذي نشأ بعد صدور قرار المحكمة العليا بشأن قضية الحجاب يفيض بمشاعر وانفعالات مبالغ بها كما يفتح الباب أمام آفاق جديدة من خلال العبارة التالية التي وردت في تفسير القرار: ليس للدوائر الحكومية أو المحاكم اتخاذ قرار في هذا الموضوع وإنما البت فيه هو من اختصاص الجهات التشريعية. وتخشى حميدة محققي مثل غيرها من المسلمين في ألمانيا من الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المناهضة للحجاب إذ سرعان ما بدأت أصوات خصوم الحجاب تُسمع بوضوح فور صدور القرار وخصوصا ولاية بادن فورتمبيرغ التي تريد إصدار قانون يحظر الحجاب بأسرع وقت ممكن.

وقالت حميدة محققي إنها تتمنى قبل كل شيء أن تعمل كل جهة معنية بالقضية بدراسة موقفها جيدا والوقوف على سلبيات وإيجابيات قرارها وعدم التسرع باتخاذ قرار من شأنه أن يثير مشكلة خطيرة تهدد التعايش السلمي بين الألمان والمسلمين.

وتجد حميدة محققي التي تضع الحجاب أن المناقشات التي جرت بشأن هذا الموضوع في السنوات الأخيرة تبرهن على أن المجتمع الألماني ما زال بحاجة إلى الوقت كي يرضى بالتعددية بأشكالها التعبيرية المختلفة. وليس من صالح التعددية أو تشجيع الاندماج أن تظل المظاهر المعبرة عن عادات وتقاليد الأجانب، الدينية والعقائدية، مطموسة ومختفية. وقالت إنه ينبغي على كل جانب في هذا الخلاف أن يتعلم تحمل اختلاف الآخرين عنه في الدين أيضا، والمدرسة أفضل مكان لتحقيق الاندماج وتعلم التسامح تجاه الآخرين وإن كانت أشكال الحياة الغريبة التي يعبرون عنها تختلف عن الحياة السائدة في ألمانيا.

وتقود داعية حقوق النساء في ألمانيا الصحافية آليس شفارتسر حملة قوية ضد الحجاب وشنت هجوما كاسحا على فيريشتا لودين حين قالت إن هذه السيدة الأفغانية الأصل تعرف جيدا مدى معاناة المرأة الأفغانية خلال عهد الطالبان والأجدى بها أن تتنازل عن الحجاب تعبيرا عن تأييدها لحرية المرأة الأفغانية بعد نهاية عهد الطالبان. ويذكر أن شفارتسر قادت حملة مناهضة لخبيرة العلوم الإسلامية الراحلة آني ماري شيمل حين انتقدت كتاب (آيات شيطانية) للكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي وقالت إنها تفهم مشاعر المسلمين الذين يجدون أن هذا الكاتب ألحق أشد إهانة بآخر الأنبياء محمد(صلعم).

وتكشف تصريحات شفارتسر وغيرها من داعيات حقوق النساء الألمانيات أنهن يرين الحجاب رمزا لعبودية المرأة وأن قرار وضع الحجاب يأخذه الرجال لفرض سيطرتهم على زوجاتهم. هذا الرأي الذي يعزز الصورة السائدة عن المسلمين في وسائل الإعلام الغربية بأنهم رجعيون غير قادرين على قبول قيم الديمقراطية التي يعمل بها الغرب المسيحي. وتجد حميدة محققي في تسييس الحجاب واعتباره رمزا لتبعية المرأة لا يتفق عليه سوى قلة من المسلمين وهذا قذف في حق أغلبية النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب ويقررن أمورهن بأنفسهن معتدات بذاتهن ومعتمدات على أنفسهن ويرفضن جميع أشكال الوصاية

العدد 399 - الخميس 09 أكتوبر 2003م الموافق 12 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً