العدد 401 - السبت 11 أكتوبر 2003م الموافق 14 شعبان 1424هـ

السينما وتغيير مساراتها من قبل الجمهور

الدار البيضاء - المصطفى العسري 

11 أكتوبر 2003

يعد موضوع السينما المغربية، والبحث في فضاءاتها من الموضوعات الجديدة والمغرية ليس بالنسبة إلى الباحثين وحدهم، بل كذلك إلى الكثير من المهتمين والمشاهدين.

مرد ذلك ما تشهده قاعات السينما المغربية بين الحين والآخر من أفلام وطنية يتطلع إلى رؤيتها الجمهور المغربي، الذي يحاول الاقتناع بمواضيعها وجمالياتها. لكن الملاحظ، ان العلاقة بين الجمهور والسينما المغربية مازالت غير واضحة المعالم، ومتوترة حتى اليوم.

ترى ما السر في ذلك؟ وكيف يمكن فهم هذا الانفصام بين واقع السينما المغربية وطموح هذا الجمهور؟ ربما كانت هذه الاسئلة العميقة وغيرها، هي التي دفعت مصطفى المسناوي للكشف والبحث في اهم المراحل التي قطعتها هذه السينما منذ عهد الحماية حتى الآن.

هكذا قدم الباحث في مدخل كتابه «ابحاث في السينما المغربية» توطئة مهمة عن المشكلات التي واجهت السينما المغربية المتمثلة في «سلطة البداية» التي مارستها السينما المصرية على السينما المغربية على غرار ما عرفته باقي السينمات العربية، ما أسهم في تعطيل ظهور أعمال سينمائية محلية في باقي الدول العربية. ولكي يقنعنا المؤلف بتعدد الصعوبات التي واجهتها السينما المغربية في بداياتها اعطى صورة عن المخرجين المغاربة القادمين من الغرب، الذين لم يستوعبوا هذا الواقع المغربي ولا تطلعات الجمهور، وبالتالي قدموا له اشكالا سينمائية تأخذ من الاتجاهات التجريبية الطليعية مثل تجارب «تاركوفسكي» أو «جان لوك غودار»، اضافة إلى ذلك أبرز ردود افعال الجمهور المغربي عن هذا الوضع وواقع النقد السينمائي المتميز بالغنى والتعدد.

هكذا حاول الجمهور خلق وتمثيل ادوار المشاكسة والرفض لهذا الوضع الذي لا يخدمه وظهر انه في وضعية مواجهة عبر مجموعة من الاصعدة ففي البداية واجه النوايا السيئة للسينما الفرنسية، التي لم تحقق أهدافها الاستعمارية، ثم واجه مشكلة انعدام التواصل مع المخرج المغربي. من خلال هذه التوطئة يبدو - في اعتقادي - ان الجمهور المغربي أسهم في تغيير مسارات السينما في المغرب، سواء كانت كولونيالية أو سينما مغربية محلية، على رغم ان ذلك حدث على حساب حرمانه من فرجة محلية تعبر عن همومه، وتحمل اجوبة عن الكثير من اسئلته المهمة والعالقة.

ينتقل الباحث في الفصل الأول «المغرب فضاء للسينما - السينما الكولونيالية: 1919/1956» ليقدم للقارئ تفاصيل عن السينما المغربية في علاقتها بالحماية الفرنسية، وليتساءل: هل لدينا سينما مغربية أم سينما كولونيالية؟ فاعتبر المؤلف ان السينما المغربية مرت بمرحلتين: المرحلة الكولونيالية التي تمتد بين 1907 و1956 وتميزت بوجود تجارب تخدم الوجود الاستعماري وتوجهاته العامة، ثم المرحلة الثانية التي ابتدأت مع أول فيلم مغربي تربوي قصير «صديقتنا المدرسة» للعربي بن شقرون.

لكن ما موقع هذه السينما الاجنبية في المغرب؟ هل يمكن اعتبارها تراثا سينمائيا مغربيا؟ هل هي سينما مغربية فعلا ام جزءا منها؟

يقول المسناوى «لم تخرج تيمات الفيلم الكولونيالي عن الغرابة والهوى والسحر والانفعالات القصوى والغيرة القاتلة، كما لم يخرج مجاله البصري عن الرمل والنخيل وقوافل الجمال ومآذن المساجد والازقة الضيقة».

ليخرج المؤلف بعدة خلاصات ابرزها صعوبة اعتبار الأفلام الكولونيالية مغربية، لانها كانت بالاساس موجهة إلى الجمهور الغربي.

الفصل الثاني جاء بعنوان: «السينما المغربية: عنف الواقع ورهان المتخيل» تحليل مهم لمسألة البدايات الممكنة للسينما المغربية مرورا ببنياتها وصولا إلى الابداع والجمالية في الفيلم المغربي. لقد ذهبت هذه الدراسة إلى انه من الصعب الحديث عن البداية الحقيقية أو البداية الواحدة لاننا تعترضنا اشكالات معرفية وتاريخية: فالاشكال التاريخي يتمثل في صعوبة الجواب عن السؤال: هل نربط السينما بالعهد الكولونيالي ام بعهد الاستقلال؟ والاشكال المعرفي يتجلى في المقصود بالسينما المغربية؟

يذهب المسناوي إلى أن البداية الأولى يمكن حصرها ما بين 1919 واواسط الأربعينات إذ يقول «تم تصوير أربعين فيلما موجها إلى الغرب من طرف الغربيين، و«اتخذت هذه الأفلام من المغرب طبيعة، ومعمارا وثقافة وسكانا، مجرد ديكور تتحرك فوقه شخصيات غربية، في إطار غرائبي، يعزز كل المعتقدات الغربية عن العالم العربي، الغامض الساحر والمرعب والمتخلف في آن».

من هذ الأفلام «المغرب Morocco 0391» للمخرج جوزيف فون ستيرنبرغ، لتأتي البداية الثانية بعد انشاء «المركز السينمائي المغربي» الذي حاول استقطاب الجمهور المغربي من دون جدوى، ما جعل السينما الكولونيالية تغير تعاملها مع المغاربة فادخلت منهم ممثلين لارضاء الجمهور المغربي من هؤلاء «جمال بدري، ليلى فوزي...».

اما فيما يخص البنيات الاساسية للسينما المغربية، فقد لاحظ الباحث ان المركز السينمائي لم ينشأ كمؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المادي وتحمل مسئولية الإنتاج عبر مرحلتين: الأولى (1980/1988) ثم المرحلة الثانية (1988 إلى الآن) في المرحلة الأولى ظهر ثلاثون فيلما طويلا، لكن السينما المغربية لم تتطور بسبب هزالة المنح وغياب المقاييس الموضوعية في تسليمها. ثم ابتداء من العام 1982، ظهر نوع من التقليد لدعم الإنتاج السينمائي المغربي تمثل في «المهرجان الوطني للسينما المغربية» الذي يشهد عثرات على مستوى التنظيم والتواصل.

كما ذهب المسناوي إلى أن الأفلام السينمائية بالمغرب لا تتحكم فيها رغبات الأفراد بل ارادة الدولة وتدخلها في مجالي الإنتاج، والتشريع، ما انعكس على كمها الحالي الذي لا يتجاوز منذ العام 1956 إلى الآن 100 فيلم. وسجل عدة ملاحظات تخص المستويات التقنية والجمالية والتصورات في البناء السينمائي كما اعتبر سبب تعدد «الثيمات» داخل فيلم واحد يعود بالاساس إلى تخوف المخرجين من عدم مواصلتهم في الإنتاج إذ هيمنت ظاهرة «الفيلم الأول والأخير» لدى الكثير منهم ليختم مؤلفه بملحقات تهم السينما المغربية.

لقد حاول الباحث في هذا الفصل وضع السينما المغربية في المجهر الحقيقي موازنا بين البحث في الجوانب التاريخية والمعرفية (البدايات) والجوانب المادية القانونية (البنيات الاساسية ثم الجوانب الجمالية (الابداع والموضوعات). كما أن حديثه عن المركز السينمائي قاده إلى التعرض إلى قطاعات مهمة ترتبط بأوضاع السينما كالتوزيع والاستقلال والمراقبة

العدد 401 - السبت 11 أكتوبر 2003م الموافق 14 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً