العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ

أموات الشيشان قاموا من قبورهم وانتخبوا رجل موسكو

اللعبة نفسها منذ أيام يلتسين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لا يعرف الناس في الشيشان الأمن. كل يوم يتعرض مواطنون للخطف أو يسقطون بنيران أطراف الحرب المستمرة والتي دمرت عالمهم وحولت بلدهم إلى أرض محروقة. هذه الحرب التي تناساها العالم وخصوصا دعاة الحرية والديمقراطية في العالم الغربي. هذه الحرب التي أضحت عارا على جبين المجتمع الدولي. على رغم ويلات الشعب الشيشاني ومصائبه التي جلبها الاحتلال الروسي للشيشان، تواصلت المسرحية الروسية يوم الأحد الماضي وعملت موسكو في ترتيب عملية انتخاب مفبركة وقالت موسكو على اثر الإعلان عن فوز مرشحها أحمد قاديروف إنها مرتاحة لنتائج الانتخابات. تريد موسكو الإيحاء للعالم أنها حققت الأمن والاستقرار في الشيشان ومثلما سعت الولايات المتحدة تحت غطاء مكافحة الإرهاب إلى تغيير النظام في أفغانستان والعراق فإنها سعت إلى مساعدة الشيشان في اختيار حكومة شرعية في غروزني. لكن مجموعة كبيرة من السياسيين في أوروبا راقبوا المسرحية الروسية ووصفوا هذه العملية بأنها مهزلة. لكن بصورة عامة غابت أصوات ناقدة لانتخابات الشيشان ولم يبعث المجلس الأوروبي ولا منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مراقبين إلى غروزني وتم التعذر بخطورة الأوضاع الأمنية.

حصلت الشيشان على رئيس جديد منتخب، لكن ليس من قبل الشعب، وليس مهما أن يكون فوزه نتيجة عملية انتخاب مفبركة، لأن رجل موسكو أحمد قاديروف لم تكن فرصته قوية في الفوز بثقة مواطني الشيشان وجاء قرار فوزه بواسطة انتخابات مرتبة، بقرار من الرئيس فلاديمير بوتين. بالنسبة إلى كلاوديا روت مفوضة الحكومة الألمانية لقضايا حقوق الإنسان فإن نتائج انتخابات الرئاسة في غروزني كانت (مطبوخة) سابقا، أي قبل الإعلان عن النتائج أما اسم الفائز فكان منذ وقت معروفا عند الجميع مثل شعور الكراهية الذي يتملك الشيشان تجاه رجل موسكو الجديد في غروزني. وسعت موسكو إلى دفع مرشحين أرادوا منافسة قاديروف وأجبرتهم على التنحي تنفيذا لرغبة الرئيس الروسي الذي يريد أن يقدم للعالم الدليل على أنه مهتم بحل نزاع القوقاز وسمح بهذه العملية الانتخابية التي وصفها أحد المترشحين الذين انسحبوا من المنافسة، إنها مسرحية يظهر فيها ممثل واحد. الأمر المثير للسخرية أن الجنود الروس الذين يتمركزون في الشيشان شاركوا بهذه العملية الانتخابية التي وضع الكرملين خطتها. كما ظهرت أسماء أشخاص توفوا على قوائم الناخبين.

لم يكشف بوتين سرا حين أعلن قبل موعد الانتخابات أن قاديروف هو المرشح الذي تؤيده موسكو ويثير اسمه الذعر في نفوس المواطنين فمنذ وقت وبمساعدة القوات الروسية استطاع قاديروف أن يحسم النفوذ في غروزني لصالحه. وقال المرشح السابق اصلاخانوف وهو أحد منتقدي سياسة موسكو في الشيشان، كانت هناك ثلاثة طرق لمنعي من المشاركة في الانتخابات أولها: رصاصة في رأسي التي وعدني بها البعض منذ زمن بعيد. ثانيا: إعلان عدم قانونية ترشحي، وثالثا تزوير نتائج الانتخابات. لكن كان هناك طريق رابعة. فقد أعلن أصلاخانوف تخليه عن منافسة قاديروف بعد مكالمة هاتفية تلقاها من الرئيس الروسي ورضي بالعرض الذي قدمه له بوتين بتعيينه في المستقبل القريب مستشارا للكرملين لشئون مناطق جنوب روسيا. ونفى أصلاخانوف أن يكون قد تعرض لابتزاز سياسي وقبل موعد الانتخابات تم سحب اسمه من قائمة المرشحين من قبل لجنة الانتخابات التي قالت إنه نسي ذكر اسم عنوانه الشخصي بالكامل وكذلك جنسيته ومدخوله. بهذه الطريقة تمت إزاحة مرشح آخر من طريق قاديروف: رجل الأعمال الشيشاني الذي يقيم في موسكو، حسين جباريلوف الذي أجرى محادثات مع موظفين يعملان في قصر بوتين وسمع منهما ما دفعه إلى إعادة النظر بترشحه.

في نهاية الحملة التي قامت بها روسيا لتنفيذ مسرحية انتخابات الشيشان تم إعلان فوز قاديروف الذي حارب الروس في منتصف التسعينات قبل أن تحول للتعاون مع موسكو وأصبح اليوم رجلها في غروزني. بيد أن موسكو قالت إن قاديروف حصل على نسبة تزيد عن 90 في المئة من أصوات الناخبين إلا أن النتيجة لا تعكس الواقع. قبل وقت قصير رفض 60 في المئة من الشيشان حصول قاديروف على منصب سياسي بارز في بلدهم. لكن لا أحد يعير أهمية لرأي الشعب الشيشاني كما لا ترغب دول الغرب في تعكير أجواء الوفاق مع الكرملين وإثارة مشكلة الشيشان من جديد مع موسكو فالغرب منشغل بأفغانستان وخصوصا العراق إذ في إطار عملية توزيع الأدوار تحتاج الولايات المتحدة إلى دعم روسيا بوصفها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي يتمتع بحق (الفيتو)، لتأييد مشروع قرار جديد بشأن العراق الذي تسعى واشنطن للحصول على موافقة مجلس الأمن عليه. وعلى رغم أن روسيا عارضت حرب العراق وسعت إلى تشكيل تحالف مناهض لها مع فرنسا وألمانيا إلا أن موسكو تعمل منذ نهاية الحرب، مثلما تفعل فرنسا وألمانيا، من أجل الحصول على نصيب من «الكعكة» وليس سرا أنها مهتمة في الحصول على مشروعات في مجال النفط وتحديدا تلك الاتفاقات المعقودة مع حكومة الرئيس العراقي السابق.

وكان بوتين قد سارع بعد تأييده الحرب المناهضة للإرهاب التي أعلنها الرئيس الأميركي بوش قبل عامين بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول، إلى استخدام نهج بوش وقال إنه يحارب الإرهابيين الشيشان كما أوضح أن الشيشان أصبحت ملاذا للإسلاميين المتطرفين وخصوصا منظمة (القاعدة) الأمر الذي ساعد في صرف انتباه الغرب لأعمال خرق حقوق الإنسان في الشيشان التي نادرا ما يلتفت زعيم غربي لها في هذه المرحلة. وليس هناك زعيم أوروبي واحد يرغب في الحديث بصراحة عن حقوق الإنسان مع بوتين لأن أوروبا بحاجة إليه في عملية بناء نظام أمني أوروبي وتوسع الاتحاد الأوروبي كي يمتد إلى أوروبا الشرقية ومستقبلا إلى البلطيق. وزعمت موسكو في مارس/ آذار الماضي أنه تمت عملية استفتاء في الشيشان لتأييد مسعى الشيشان للانضمام إلى الاتحاد الروسي. لكن المراقبين شكوا بصحة نتيجة الاستفتاء واعتبروها عملية ملفقة.

ويرى كريستوف تسورخر من «معهد شرق أوروبا» التابع للجامعة الحرة في برلين أن انتخابات الشيشان عملية مطبوخة الغرض منها إبراز ممثل شرعي للشيشان أمام العالم ردا على الدعوات بحل النزاع سياسيا. ويستبعد تسورخر أن يغير هذا الموقف المتأزم في الشيشان لأن قاديروف لا يتمتع بثقة وتأييد المواطنين الشيشان مما يوضح أن هؤلاء المواطنين الذين يعيشون في ظروف يصعب على الإنسان أن يتصورها، يعرفون بعد مجيء موسكو برجل لها في موقع السلطة، أن الاحتلال الروسي سيستمر وأن الاحتمال ما زال قائما بتعرضهم إلى الملاحقة والاضطهاد أو الخطف والتصفية من قبل الجنود الروس أو من ميليشيا قاديروف.

منذ أربع سنوات تدور رحى الحرب الخاصة التي شنها بوتين على الشيشان وهي الحرب الثانية خلال أقل من عشر سنوات. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم ينجح الشيشان في إنشاء بنية جديدة لبلد مستقل إذ سرعان ما نشأ صراع على النفوذ بين مختلف القوى المحلية ولم تكن المخابرات الروسية بعيدة عن دعم بعضها وحاول الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين استعراض عضلاته في الشيشان حين غزت قواته أراضي هذا البلد العام 1994.

منذ العام 1999 يحاول بوتين السيطرة على الشيشان عن طريق القوة العسكرية وقام الجنود الروس بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة وبالكاد هناك مبنى نجا من عملية التدمير المركزة. وتشكو تقارير منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان باستمرار من أعمال القتل والخطف والملاحقة التي يتعرض لها الشعب الشيشاني في ظل الاحتلال الروسي. ولا أحد يملك معلومات محددة عن عدد الأشخاص الذين قتلوا وهناك تقديرات تتحدث عن عدد بين 40 ألفا و70 ألفا. كما أجبر عدد كبير على الهجرة من بلدهم وفي أنغوشتين وحدها يعيش وفقا لأرقام ذكرها تقرير للمفوضية الأوروبية في بروكسل، 70 ألف لاجئ شيشاني. كما تكبد الروس خسائر بشرية عالية في صفوف الجيش والمواطنين بعد أن نقل ثوار الشيشان الحرب إلى أراضي روسيا. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قتل ما يزيد على مئة شخص حين اقتحمت قوة فدائية شيشانية مسرحا في موسكو وطالب الخاطفون بانسحاب القوات الروسية من بلدهم. لكن موسكو قامت بحل العملية على طريقتها وقامت باقتحام المسرح بعد استخدام غاز مخدر توفي نتيجة المبالغة في تقدير الكمية التي تم استخدامها، عدد كبير من الرهائن. وتجد الناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان آنا نايستات أن سياسة روسيا تقود إلى لجوء الشيشان إلى التطرف كما تسهم في انتشار الإرهاب بدلا من مكافحته

العدد 404 - الثلثاء 14 أكتوبر 2003م الموافق 17 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً