بداية أود أن أعبر عن شكري لكم على إصدار هذه الصحيفة التي داومت على قراءتها منذ صدورها وحتى الآن، كما أود أن أقدر لكم وسطيتكم في طرح القضايا المتعددة في هذه الصحيفة، وأشد على أيديكم للاستمرار على طرح الرأي والرأي الآخر.
كما أود أن أعقب على ما نشر في عمودك اليومي تحت عنوان: «التحشيد والمقاطعة... والتصادم» بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2003.
- تفضلت مشكورا بتبيين الأساليب المتبعة للمعارضة في الوقت الحالي وهي التحشيد والمقاطعة اللذان في نهاية الطريق يقودان في غالبية الأحيان إلى التصادم، وذلك عندما يخفقان في إحراز الهدف المنشود من اتباعهما. كما بينت أيضا أن المعارضة تتخذ من التحشيد والمقاطعة أسلوبا عاما تركن إليه لمجابهة أي شيء بما في ذلك الأفراد، وقد تطرقت في مقال لك سابق إلى انزواء الكثير من الكوادر المثقفة عن المشاركة في عجلة التغيير والمساهمة بما يستطيعون لبناء المجتمع خوفا من أن يختلفوا مع رموز المعارضة ويتهموا بالعمالة والخيانة والسقوط، ولا أدل على ذلك إلا ما جاء في الفتوى الشهيرة لبعض من كبار رموز المعارضة الإسلامية من تخوين من لا يوقع العريضة الرافضة لمقترح قانون الأحوال الشخصية آنذاك.
- وتساءلت، «أليس هناك وسائل أخرى أبدعتها المعارضة البحرينية استفادت منها أيام الشدة وتستطيع الاستفادة منها في أيامنا هذه؟ أليست من أهم تلك الأساليب الحكمة في الخطاب السياسي وفتح باب الحوار بدلا من سد الأبواب في وجه كل شيء؟». ودعني أتساءل معك: هل هي قادرة في الوقت الحاضر على طرح أساليب أخرى غير ذلك؟ إن المعارضة البحرينية مازالت تغالب نفسها للخروج من دهاليز العمل السري الذي اعتادت عليه لسنوات طويلة، وتحاول تغيير أساليبها وتخطو بجدية من تلقاء نفسها للعمل العلني، إذ انه مما لا لبس فيه أن العمل العلني فرض فرضا على المعارضة بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني، وبات من غير المقبول أن تواصل المعارضة أعمالها سرّا فهي مجبرة أمام الجهات الرسمية وأمام جماهيرها على العمل ولو بقدر ما بشكل علني، ومن هنا حدث التخبط في اختيار اساليب العمل السياسي.
- إن المعارضة وخصوصا الإسلامية لم تعد تعي مسئولياتها ودورها التاريخي الذي ينبغي عليها القيام به، فقد حضرت للصلاة بإمامة رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية - كبرى أطراف المعارضة على المستوى الوطني والاسلامي في البحرين - الشيخ علي سلمان، وذلك في إحدى ليالي السبت في منطقة سترة - واديان، وأتذكر أنها كانت في الأيام القليلة التي سبقت ندوة التجنيس الشهيرة في نادي العروبة، وقام بتبيين الدور الذي تلعبه المعارضة البحرينية مبينا أن «وظيفتها هو توضيح وفضح الأخطاء التي ترتكبها الحكومة» وليس وضع الحلول مماثلا دور المعارضة البحرينية بالمعارضة البريطانية، وقد فاتت الشيخ علي سلمان عدة أمور:
ان المعارضة في بريطانيا تعمل من داخل وخارج البرلمان، وهو ما ليس الحال لدى المعارضة في البحرين إذ تبنت المعارضة أسلوب المقاطعة.
ان رئيس الحكومة البريطانية وأعضاء حكومته هم أعضاء في البرلمان، فالمعارضة لهم مباشرة، بينما لا تتمكن المعارضة من ذلك هنا، وهي في أفضل الأحوال تتمنى تدخل جلالة الملك شخصيا في حل كل الإشكالات العالقة مع الحكومة.
ان الحكومة هناك منتخبة، ما يعني إمكان تولي المعارضة شئون الحكومة في الدورة الانتخابية التالية، وبالتالي فليس من مصلحة المعارضة تقديم الحلول إلى الحكومة الموجودة، بل من مصلحتها فضح تلك العيوب للتمهيد لإسقاطها في الانتخابات المقبلة وتولي الدور مكانها، وبالتالي فإن الجهة الخاسرة في الانتخابات ستتولى هي دور المعارضة، وهذا يعني أن الحكومة والمعارضة ليسا حكرا على جهة ما، وفي نظري هذه أهم مفارقة فاتت الشيخ علي سلمان.
- أتصور أن الخوف مازال مسيطرا على أجواء المعارضة في البحرين ما جعلها (المعارضة) تعتمد أشد الأساليب خطورة في العمل السياسي وهو إبراز العضلات والمقاطعة، فمن المعروف أن الخائف عندما يواجه خطرا ما - بحسب تقديره هو - يلجأ أولا إلى إظهار عضلاته وقوته (التحشيد)، فإن لم يتراجع الخطر أو مصدر الخطر الذي يراه يتراجع هو مبديا خصومته لمصدر ذلك الخطر (المقاطعة)، وإن وجد في نفسه شيئا من احتمال النجاح فإنه يصطدم بالخصم (الصدام) متخذا دور الضحية وليس دور المناضل، ولم نسمع أن خائفا قام بالتفاوض مستخدما الحوار بالحكمة وبالتي هي أحسن مع مصدر الخطر. وهذا ما أعتبره أهم أدوار فشل المعارضة في التوصل إلى حلول قبل الفشل الكبير القادم لها من بطون المستقبل إن لم تستنهض نفسها وتتشجع وتنتهج أساليب أخرى في معالجة الأمور.
إن ما ذكرته ليس انتقادا للمعارضة أو أي رمز من رموزها، وإنما هو محاولة لتوضيح بعض الأمور لعل المعارضة في البحرين تتنبه إلى ان الشارع البحريني بدأ يقرأ الأمور بما لا تشتهي، فإما أن تنفتح على الآخر متحاورة معه تارة ومكملة له تارة أخرى لتتحرك سفينة الإصلاح، أو عليها أن تتقبل مزيدا من الخسائر بما لا تشتهي.
البحرين - عبدالنبي مرهون (نائب برلماني
العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ